من النزوح إلى الموت.. مأساة مليوني فلسطيني في غزة تحت نيران الاحتلال

استيقظ العالم، أمس الاثنين، على نبأ استشهاد مراسلي قناة الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع. قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي خيمتهما قرب مجمع الشفاء، حيث كانت طواقم إعلامية تغطي تطورات قطاع غزة. إلا أن الصحفيين ليسوا الفئة الوحيدة التي تستهدفها قوات الاحتلال.
وجاء في بيان لمنظمة الصحة العالمية قبل أسابيع: “لا يوجد مكان آمن للانسحاب في قطاع غزة، حيث يخضع 88 في المائة من قطاع غزة لأوامر الإخلاء”.
يعكس هذا الواقع القاسي للغاية لنحو مليوني نازح في قطاع غزة فروا من منازلهم عندما أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي أمر إخلاء إلى الجنوب في 13 أكتوبر 2023. بدأ مليوني من سكان قطاع غزة نزوحًا جماعيًا، بحثًا عن ملجأ في المدارس أو منازل الأقارب، ونصبوا الخيام في الشوارع والمدارس، أو توجهوا إلى مناطق أعلنها جيش الاحتلال الإسرائيلي آمنة هربًا من الموت، ليجدوا أنه كان ينتظرهم. منذ هجومها على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، شنت إسرائيل العديد من الغارات الجوية والقصف المدفعي على خيام النازحين في مناطق مختلفة من القطاع، بينما اكتفى المتحدث باسم جيش الاحتلال بتصريحات عن وجود عناصر من حماس يختبئون في خيام النازحين كذريعة للهجوم وقتل المئات.
وفي هذا التقرير تسلط الشروق الضوء على بعض هذه المجازر الموثقة.
40 شهيداً في مخيمات رفح بعد قصف مزعوم لـ”مقر لحماس”
في 26 مايو/أيار 2024، قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيمًا للنازحين حديث الإنشاء شمال غرب رفح، بالقرب من مخازن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا). جاء هذا الهجوم في أعقاب موجة نزوح بدأت بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما أمر الجيش الإسرائيلي سكان غزة بإخلاء منازلهم. أسفر القصف عن مقتل 45 فلسطينيًا، بينهم تسعة أطفال و12 امرأة وثلاثة مسنين.
برر الجيش الإسرائيلي هجومه على خيام النازحين في رفح بزعم أنه قصفٌ لمجمعٍ تابعٍ لحماس ينشط فيه العديد من الإرهابيين. وأضاف أن الهجمات مشروعةٌ بموجب القانون الدولي، وأنها نُفِّذت بناءً على معلوماتٍ استخباراتية دقيقة وباستخدام ذخائر خاصة.
وتعتبر منطقة المواصي الأكثر قصفاً، رغم أن الاحتلال يعتبرها “آمنة”.
منطقة المواصي شريط ساحلي ضيق يمتد اثني عشر كيلومترًا من دير البلح غرب قطاع غزة إلى خان يونس ورفح جنوبًا. تُشكل حوالي ثلاثة بالمائة من إجمالي مساحة قطاع غزة البالغة 365 كيلومترًا مربعًا. تتكون معظم أراضيها من كثبان رملية. تُعتبر من أهم مناطق اللجوء لمعظم سكان غزة الذين أجبرتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي على مغادرة منازلهم، لا سيما بعد أن أعلنتها إسرائيل “منطقة أمنية”.
إلا أن خيام النازحين في المواصي كانت الأكثر استهدافًا من قبل جيش الاحتلال. ففي 21 يونيو/حزيران 2024، قصف جيش الاحتلال خيام النازحين بالمدفعية، مما أدى إلى احتراقها واستشهاد 25 فلسطينيًا وإصابة 50 آخرين. وفي 13 يوليو/تموز 2024، قصف جيش الاحتلال خيام النازحين بالمدفعية.
شنّت طائرات الاحتلال الإسرائيلي عدة غارات جوية متتالية، استهدفت من جديد خيام النازحين في المواصي. قُتل ثلاثون فلسطينيًا وجُرح أكثر من مئة آخرين. ويُعدّ علاج النازحين صعبًا بسبب نقص المستشفيات. وقد دمّر الاحتلال المنظومة الصحية في قطاع غزة بقصف العديد من المستشفيات، مما أدى إلى تعطيلها.
في 10 سبتمبر/أيلول 2024، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي غارة جوية أخرى على منطقة المواصي، مما أسفر عن مقتل 40 فلسطينيًا وإصابة ما لا يقل عن 60 آخرين. كما خلفت الصواريخ حفرًا يصل عمقها إلى تسعة أمتار ودفنت العديد من خيام النازحين تحت الرمال، مما جعل الوصول إليها مستحيلًا.
– حرق نازحين أحياء في خانيونس
في 4 كانون الأول/ديسمبر 2024، قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجدداً خيام النازحين في منطقة المواصي، مستخدمةً القنابل الحارقة والقنابل اليدوية. احترق النازحون أحياءً في خيامهم، ما أدى إلى استشهاد 22 فلسطينياً، بينهم ثمانية أطفال وثلاث نساء، وتفحم جثثهم. كما أصيب 18 آخرون بحروق مختلفة.
– تم قصف خيام مستشفى شهداء الأقصى تسع مرات وتم حرق النازحين أحياء.
كغيره من المستشفيات، يُعدّ مستشفى شهداء الأقصى منشأةً مدنيةً تخضع للحماية الدولية. ولذلك، نصب العديد من الفلسطينيين خيامًا داخل المستشفى، معتبرين إياه مكانًا آمنًا لا يُحتمل قصفه. إلا أنه في 4 أغسطس/آب 2024، شنّت طائرات الاحتلال غارةً جويةً على خيام النازحين في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، وسط قطاع غزة. وقد صدم المشهد العالم أجمع، وانتشرت مقاطع فيديو تُصوّر حرق النازحين أحياءً على مواقع التواصل الاجتماعي. وأسفر ذلك عن مقتل خمسة فلسطينيين وإصابة 15 آخرين.
في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عاودت قوات الاحتلال قصف خيام النازحين في المستشفى ومخيم جباليا بقطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد فلسطينيين وإصابة 26 آخرين. وبذلك، يرتفع إجمالي عدد الهجمات الإسرائيلية على مخيمات اللاجئين في المستشفى إلى تسع هجمات منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفقًا لمكتب الإعلام الرسمي في قطاع غزة.
– قصف متعمد للنازحين في المدارس أثناء نومهم
في 4 أغسطس/آب 2024، شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجومًا صاروخيًا مباشرًا على مدرسة حمامة في حي الشيخ رضوان، التي كانت تؤوي العديد من النازحين، وتُعتبر منطقة آمنة بموجب القانون الدولي. وتلا ذلك ثلاث هجمات صاروخية أخرى، زاعمةً، دون تقديم أي دليل، أن عناصر حماس كانوا يستخدمون المدرسة كمركز قيادة. وأسفر الهجوم عن مقتل 17 فلسطينيًا وإصابة العشرات. ودُمّرت المدرسة بالكامل، وفُقد الكثيرون تحت الأنقاض.
في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2024، استهدفت ثلاث غارات جوية إسرائيلية خيام النازحين في مدرسة المفتي التابعة للأونروا في دير البلح وسط قطاع غزة، ما أدى إلى مقتل 22 شخصاً أثناء نومهم.
صواريخ الاحتلال تدفن أكثر من 20 خيمة في المواصي.
في فجر يوم الثلاثاء الموافق 10 سبتمبر/أيلول 2024، شنّت القوات الإسرائيلية غارة جوية أخرى على منطقة المواصي. ووفقًا للمكتب الإعلامي لحكومة حماس، قُتل 40 فلسطينيًا وجُرح 60 آخرون. كما خلّفت قوة سقوط الصواريخ حفرًا بعمق سبعة أمتار، دُفنت فيها أكثر من 20 خيمة.
إسرائيل تحوّل خيام النازحين في المواصي إلى ركام ورماد.
بعد اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 15 يناير/كانون الثاني 2025، انتهى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وفي 18 مارس/آذار 2025، انتهكت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار، وشنت سلسلة غارات جوية أشد وحشية من تلك التي سبقته. وقصف الاحتلال الإسرائيلي مجموعة من الخيام التي تؤوي النازحين في منطقة مواصي خان يونس بصواريخ حارقة، ما أدى إلى استشهاد العشرات وتفحم جثثهم، وتحولت الخيام إلى رماد.
في 17 أبريل/نيسان 2025، أدت غارة جوية إسرائيلية على خيام للنازحين في المواصي إلى مقتل 16 فلسطينياً، معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة 23 آخرين.
بتاريخ 4 يوليو/تموز 2025، قُتل 15 مواطناً وجُرح آخرون عندما قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي خيام النازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس جنوب قطاع غزة.
قوات الاحتلال تقصف المخابز التي تعتبرها آمنة.
في 17 سبتمبر/أيلول 2024، قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخبزاً يرتاده النازحون في منطقة تصنفها إسرائيل “آمنة” غرب محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، ما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص بينهم طفل.
بالإضافة إلى قصف خيام النازحين، نفذت إسرائيل أيضًا العديد من الغارات الجوية والمدفعية ضدهم في مناطق مختلفة من قطاع غزة، وكذلك في مناطق كانت تعتبر آمنة سابقًا مثل المدارس والمستشفيات وحي مواصي خان يونس، والتي أُمر سكانها بإخلائها لعدم استهدافهم من قبل قوات الاحتلال. تُعد خيام النازحين في حي مواصي خان يونس من بين المناطق الأكثر تضررًا من الاحتلال. وهذا يؤكد أن الهدف المعلن هو تدمير حماس. ومع ذلك، تكمن وراء ذلك رغبة حقيقية في طرد سكان قطاع غزة بالقوة من خلال إخضاعهم لظروف قاسية للغاية: القصف والجوع ونقص حتى الاحتياجات الإنسانية الأساسية مثل الماء والغذاء والكهرباء، فضلاً عن نقص الرعاية الصحية، حيث أن النظام الصحي خارج الخدمة بسبب تدمير الاحتلال للمستشفيات واستنفاد إمدادات الوقود.