وكيل الأزهر: الذكاء الاصطناعي لا يُمكن أن يكون بديلا عن المفتي المؤهَّل

• يُوصي الضويني بضرورة وضع ميثاق أخلاقي يُنظّم استخدام الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، ويُحذّر من تفكك الهوية وضياع الشخصية في الفضاء الرقمي.
قال الأستاذ الدكتور محمد الدويني، وكيل الأزهر الشريف، إن الفتوى صناعة وعلم، لها أركانها ومبادئها التي تُخرج المفتي. وليس كل من يُفتي على الشاشة أو في وسائل الإعلام يُعدّ مفتيًا، حتى لو تستر وراء مصطلحات علمية أو لغو في مصطلحات تُعتبر من أصول الفقه، وإن لم تكن منه أصلًا.
جاء ذلك خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العالمي العاشر للإفتاء، والتي ألقاها نيابة عن فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف.
أشاد وكيل الأزهر الشريف بجهود دار الإفتاء المصرية، برئاسة فضيلة الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الديار المصرية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، في اختيار موضوع المؤتمر. وأكد أن اختيار عنوان “بناء المفتي الحكيم في عصر الذكاء الاصطناعي” يعكس وعيًا عميقًا بضرورة إعداد مفتين متوازنين يجمعون بين أصول الدين والمهارات الرقمية.
وأشار إلى أن الفتوى ليست مجرد قول عابر كـ “حلال” أو “ممنوع”، بل هي عملية علمية معقدة تبدأ بفهم المسألة من وجهة نظر السائل، ثم تكييفها مع قواعد الفقه الإسلامي، وصولًا إلى الحكم الشرعي بعد دراسة النتائج. وأكد أن هذا الفرع يتطلب فهمًا متينًا للشريعة الإسلامية وفهمًا عميقًا.
وأشار الضويني إلى أن التاريخ الإسلامي مليء بتحذيرات العلماء من الفتوى بغير علم، مستشهداً بقول عبد الرحمن بن أبي ليلى أحد كبار التابعين: “لقد عرفت مائة وعشرين من الأنصار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ما روى أحد منهم حديثاً إلا تمنى أن يكفيه أخوه، وما سئل أحد منهم عن شيء إلا تمنى أن يكفيه أخوه في الفتوى”.
وأكد وكيل الأزهر أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يكون بديلاً عن المفتي المؤهل أو المعتمد، الذي أوكلت إليه مهمة تفسير رسالة الله تعالى واستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها الصحيحة، والذي يتمتع بفهم عميق وإدراك دقيق لمقاصد الشريعة الإسلامية من جهة وأحوال الناس المتغيرة من جهة أخرى.
وأوضح أن لهذه التقنيات الحديثة دورًا بنّاءً في مجال الفتاوى، إذ تُساعد العلماء والمفتين على تسهيل الوصول إلى المصادر والمراجع، وتنظيم البيانات وتحديثها، وتحليل كمّ هائل من الفتاوى الشرعية، وتوفير إجابات أولية سريعة مبنية على معلومات موثوقة ومخزّنة. وهذا يُسهم في دعم منظومة الفتوى، وإثراء محتواها، وتحسين تطبيقها.
أكد أن الذكاء الاصطناعي قادر على زيادة دقة البحث، وتسريع الوصول إلى النصوص، وربط المواضيع بالمواضيع المتشابهة والناشئة. وأوضح أن العقل البشري والقدرة على فهم الفقه هما العاملان الحاسمان في إصدار الفتاوى. وأكد أن إصدار الفتاوى لا يقتصر على استخراج النصوص المحفوظة والفتاوى الراسخة، بل هو عملية اجتهاد تتطلب فقهًا دقيقًا، ونظرة ثاقبة، وفهمًا لمقاصد الشريعة الإسلامية، وربطًا دقيقًا بين النص الشرعي وواقع طالبه، وفهمًا لمزاياه وعيوبه، ووعيًا بخصائص الزمان والمكان.
وأوصى الضويني بإعداد ميثاق أخلاقي لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، بما يضمن عدم تحوله من أداة مفيدة إلى وسيلة لانتهاك الخصوصية وتقويض القيم والمبادئ الأخلاقية التي يقوم عليها التماسك الاجتماعي.
وأشار إلى أن الأزهر الشريف يعمل حالياً، من خلال لجنة عليا تحت إشراف الإمام الأكبر، على صياغة وثيقة الأزهر حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.
في ختام كلمته، طرح الدكتور الضويني مجموعة من التساؤلات العميقة التي عكست وعيًا بخطورة الوضع الراهن. وأكد أن الذكاء الاصطناعي يتطلب منهجًا جادًا من العلماء والمفتين والعلماء المعاصرين. وتساءل: “أين همة الباحثين والمجتهدين في عصر يتزايد فيه الاعتماد على الذكاء الاصطناعي؟ هل أصبح من الضروري أن نتمسك بمبادئنا العلمية والدينية بشكل أكبر لحماية أنفسنا من التشوهات أو التحيزات المعرفية؟”
ودعا أيضاً إلى التحول من الدور السلبي إلى الدور الفعال والمؤثر في إدارة هذه التكنولوجيا حتى لا نصبح أسرى للشاشات ولا يتم التحكم في عقولنا من الخارج.
واختتم كلمته بالتأكيد على ضرورة وضع قائمة بالكفاءات والمهارات العلمية والعملية المطلوبة من القائمين على الإفتاء باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، محذراً من ذوبانية الهوية وضياع الشخصية في الفضاء الرقمي.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أدان الضويني أعمال التدمير والتخريب المتعمدة التي يمارسها الإرهاب الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، وكذلك الهجمات الدموية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني الشقيق. وأكد أن هذه الأعمال الوحشية تعبير عن الإنسانية وليست موجهة ضد القضية الفلسطينية. كما أشاد بالدور المصري الداعم للقضية الفلسطينية، وجهود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.