أنس الشريف في رسالة مسجلة للأناضول قبل اغتياله: نقل الصورة أمانة ولن أغادر غزة

** مراسل الجزيرة أنس الشريف في رسالة فيديو مسجلة قبل أشهر: – أن تكون صحفياً في غزة يعني أن تكون في خطر التعرض للهجوم على منزلك واستشهاد والدك. هدّدني الطاقم بكشف غطائي والتحرك جنوبًا، لكنني أصررتُ. هوجم منزلي، واستشهد والدي. تُقدّم وسائل الإعلام الغربية صورةً مختلفةً عن قطاع غزة، فهي تعكس صورة الاحتلال وجرائمه. نحلم أن تعود غزة كما كانت قبل هذه الحرب، وأن تصبح أجمل، وأن يزول الدمار، وأن يبدأ البناء وإعادة الإعمار. لم أفكر يوما بمغادرة قطاع غزة وخاصة شماله، لأن لدي مسؤولية في تغطية جرائم الاحتلال. رغم الحصار وقصف منزل عائلتنا، بقيت عائلتي في مخيم جباليا. لم نغادر، وإن شاء الله لن نغادر.
“نشر هذه الصورة هو تصويت ثقة بي… ولن أغادر غزة”. بهذه الثقة والإصرار، ردّ مراسل الجزيرة أنس الشريف على التهديدات الإسرائيلية الموجهة إليه وإلى عائلته في رسالة فيديو سجّلتها وكالة الأناضول للأنباء قبل أن تغتاله تل أبيب مع خمسة صحفيين فلسطينيين آخرين في مدينة غزة مساء الأحد.
في رسالةٍ سجّلتها وكالة الأناضول قبل أشهر، تحدّث أنس (28 عامًا) عن إصراره على مواصلة رحلته لنقل الحقيقة للعالم وكشف فظائع الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل بحقّ مواطنيه. وأكد أنه لم يفكّر يومًا في مغادرة شمال قطاع غزة، الذي سبق أن عانى من الإبادة الجماعية والتهجير مراتٍ عديدة.
قالت هيئة الإعلام الرسمي في غزة، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت، مساء الأحد، ستة صحفيين، بينهم مراسلا قناة الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع، بقصف الخيمة التي كانوا يقيمون فيها قرب مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة.
ومن أجل نشرها في حال استهدافه، كما هو متوقع في ظل الجرائم الإسرائيلية، سجلت وكالة الأناضول هذه الرسالة المصورة مع الشريف، في ظل تلقيه العديد من التهديدات الإسرائيلية، وشن الجيش الإسرائيلي حملات تشويه ضده.
وباستشهاد الشريف وخمسة من زملائه، ارتفع عدد الصحفيين الذين قتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء حرب الإبادة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 238، بحسب المكتب الإعلامي.
** كوني صحفية في غزة
الشريف، المولود في 3 ديسمبر/كانون الأول 1996، في مخيم جباليا للاجئين (شمال غزة)، عرّف العمل الصحفي في قطاع غزة على النحو التالي: “أن تكون صحفيًا يعني أن تكون مهددًا بالخطر وشتّى أنواعه. يُهاجم منزلك، ويُستشهد والدك”.
وأضاف: “أن تكون صحفياً هنا في قطاع غزة يعني أن تكون في خطر دائم، في كل لحظة، وكل ثانية، أثناء تغطيتك للأحداث والتطورات”.
وتابع موضحاً صعوبة هذه المهنة في مثل هذا المكان: “هنا في قطاع غزة هناك هجمات مستهدفة وقصف مستمر أثناء الاحتماء”.
وتابع الشريف، وهو والد لطفلين صلاح وشام: “كصحفي أنت وعائلتك مستهدفون، خاصة في قطاع غزة”.
وأضاف “هذا أكبر دليل على أنهم هاجموا منزلي واستشهد والدي أثناء تغطيتي للأحداث هنا في شمال قطاع غزة”.
وتابع: “لقد هددني أفراد الطاقم في عدة مناسبات بإجباري على التوقف عن تغطية وجهي، والتخلي عن وظيفتي والانتقال جنوبًا”، إلى المناطق التي يتم فيها إعادة توطين الناس.
وأضاف: “لكنني واصلت نقل الأحداث، واستهدفت قوات الاحتلال منزلي بشكل مباشر، واستشهد والدي”.
وتابع: “واصلت نقل معاناة شعبنا ونقل حقيقة هذه الجريمة التي يرتكبها الاحتلال بحقنا هنا في شمال قطاع غزة”.
بدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة كل النداءات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لوضع حد لها.
أودت الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحياة 61,430 فلسطينيًا، وجرحت 153,213، معظمهم من الأطفال والنساء. واختفى أكثر من 9,000 شخص، ونزح مئات الآلاف، وأودت المجاعة بحياة 222 شخصًا، من بينهم 101 طفل.
** وسائل الإعلام الغربية
وأكد الشريف أن “قوة الاحتلال حاولت خلال الحرب على غزة طمس الصورة والكلمة ومنعهم من مغادرة قطاع غزة”.
وتابع: “من هنا واصلنا محاولاتنا لحمل الصورة إلى العالم أجمع، ونواصل حمل الصورة، رغم الإمكانيات المحدودة والخطر المحدق بنا”.
وانتقد الشريف التغطية الإعلامية الغربية لحرب الإبادة في قطاع غزة، قائلاً: “الإعلام الغربي لا ينقل الصورة بالطريقة التي ننقلها بها”.
وأضاف: “إن الإعلام الغربي تبنى رواية الاحتلال وجرائمه، لكنه لم يتبن رواية ما نعيشه وما يحدث لنا هنا في قطاع غزة”.
وعلى الصعيد الوطني قال الشريف: “هناك بعض الدول التي دعمت الشعب الفلسطيني وشعب قطاع غزة”.
وأضاف: “لكن هناك أيضا من يتبنى رواية الاحتلال والجرائم التي يرتكبها بحق المدنيين الأبرياء في قطاع غزة”.
وفي إشارة إلى هذه الدول، قال: “لقد تعاونت مع القوة المحتلة وعززت روايتها، ولم تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في فضح جرائم القوة المحتلة والمجازر التي ارتكبتها”.
لقد احتلت إسرائيل فلسطين وأراضي في سوريا ولبنان لعقود من الزمن، وترفض الانسحاب من هذه الأراضي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود ما قبل عام 1967.
**أحلام لغزة
وعن أحلامه لقطاع غزة، قال الشريف: “نحلم، ويحلم الجميع هنا، أن تعود غزة كما كانت قبل (الحرب)، وأن تكون أجمل مما كانت عليه”.
وأضاف: “بعد الدمار الذي خلفته القصف والحصار المفروض، أصبحت غزة مدمرة بالكامل. وانتشر الدمار في كل مكان”.
ولكنه أضاف: “نحلم بأن تعود غزة كما كانت، وأن تصبح أجمل، وأن يعود البناء والإعمار والتنمية، وأن يعود كل شيء كما كان قبل هذه الحرب”.
وأضاف “هذا حلمنا أن تظهر غزة في أجمل صورها، وأن تكون في طليعة التنمية وأن نتمكن من العودة إلى الحياة الطبيعية”.
واستمر في مطاردة أحلامه التي لم يسمح له القدر بتحقيقها: “أن يعود إلى بر الأمان والاستقرار، حتى يزول هذا الدمار ويبدأ البناء من جديد”.
** “علاقة ثقة حول عنقي”
وعن إصراره على البقاء في شمال قطاع غزة رغم الإبادة والتهجير قال: “لم أفكر ولو للحظة واحدة بمغادرة قطاع غزة وخاصة شمال قطاع غزة”.
وعزا ذلك إلى أن “الموضوع أصبح بمثابة تصويت ثقة بالنسبة لي، فأنا أنقل الصورة والرسالة، وأنقل الجرائم التي ارتكبتها قوة الاحتلال بحق أهالينا ومواطنينا في شمال قطاع غزة”.
وأضاف: “أصررت على البقاء وعدم المغادرة، رغم كل شيء، رغم الخطر، رغم تعرض منزلنا وكل شيء هنا للهجوم”.
وتابع “لكننا بقينا في المكان لنقل الصورة والحدث إلى العالم أجمع ليشاهدوا جرائم الاحتلال بحق شعبنا”.
وتابع الشريف: “بالطبع أنا أيضا لم أخرج، لأن عائلتي لم تخرج، لم تخرج من مخيم جباليا”.
وأضاف: “بقيت عائلتي في مخيم جباليا رغم الحصار والقصف، ورغم قصف منزل العائلة. ومع ذلك، بقينا هنا في مخيم جباليا ولم نغادر، ولن نغادر بإذن الله”.