في عيد ميلادها الـ90.. طارق الشناوي: لبنى عبدالعزيز استطاعت فرض مكانتها بفضل تكوينها الثقافي والفكري والإنساني

احتفلت سلسلة “أرواح في المدينة”، أمس الجمعة، بالذكرى التسعين لميلاد الفنانة لبنى عبد العزيز بأمسية بقاعة إيوارت التذكارية بالجامعة الأمريكية بالتحرير، حيث حصلت على لقب “طالبة العام الجامعية” قبل 70 عامًا.
تضمنت الأمسية نقاشًا حول رحلتها، ورسم أوجه التشابه مع تاريخ القاهرة في عصرها. وحضر الحفل شقيقها الطيار إيهاب عبد العزيز، والدكتور عمرو حلمي، وزير الصحة الأسبق، والكاتب والناقد الفني طارق الشناوي، والمخرج علي إدريس، والفنان التشكيلي الدكتور فريد فاضل.
افتتح محمود التميمي الأمسية بقوله: “نلتقي اليوم في قاعة عمرها يقارب المئة عام، شُيّدت عام ١٩٢٨. كانت ولا تزال رمزًا لمحبة غير المصريين وغير العرب لمصر وشعبها. إيوارت هو المواطن الأمريكي الذي تبرع للمصريين قبل وفاته في وصيته. كان مريضًا في أمريكا، وقيل له إن علاجه الوحيد هو شمس مصر. جاء إلى القاهرة، وعاش أجواءها، وعند عودته، ترك مبلغًا من المال في وصيته للمصريين”.
يُتابع التميمي: “قدّمت ابنته هذه الوصية إلى وزارة الخارجية الأمريكية، التي كانت آنذاك تعمل على توسعة الجامعة الأمريكية بالقاهرة. فتقرر بناء هذه القاعة التذكارية التي تحمل اسمه: قاعة إيوارت. شهدت هذه القاعة لحظات استثنائية عبر تاريخها. غنت أم كلثوم فيها قبل نحو 90 عامًا، وأقامت العديد من الحفلات. وألقى طه حسين، وجمال عبد الناصر، ومحمد حسنين هيكل، وشخصيات بارزة أخرى، كلمات على مسرحها”.
وتابع: “ما يربطنا بالقاعة الليلة هو عبقرية المشهد قبل 70 عاماً عندما صعدت الفتاة المصرية لبنى عبد العزيز درجات هذا الدرج لتتوج بلقب “فتاة الجامعة الأميركية”، أو ما أطلق عليه البعض مجازياً لقب “ملكة جمال الجامعة”. واليوم، بعد مرور 70 عامًا، نحتفل بعيد ميلادها التسعين في نفس المكان الذي شهد بداياتها، وارتبط بأعمالها، بل وظهرت في بعض أفلامها.
عندما صعدت لبنى عبد العزيز على المسرح بعد مرور 70 عامًا على أول ظهور لها كـ “فتاة الجامعة الأمريكية”، استقبلها الجمهور بتصفيق طويل من القلب وغنوا “عيد ميلاد سعيد يا جميلة” احتفالًا بعيد ميلادها.
أوضحت لبنى عبد العزيز أنها اختارت الجامعة الأمريكية لأنها أرادت أن تسبح ضد التيار. أرادت أن تسلك مسارًا مختلفًا عن الاتجاه السائد آنذاك، إذ كان العديد من زملائها يلتحقون بجامعة القاهرة. فاختارت المسار الآخر، وهو قرار وافق عليه والدها.
تذكرت لبنى موقفًا طريفًا جمعها بأسطورة الغناء أم كلثوم في الاستوديو. قالت: “دخلتُ في الموعد المحدد، فوجدتُ أم كلثوم تتدرب. اعترضتُ لأنه وقتي، لكنها خرجت، وربتت على وجهي، وقالت: أنا سعيدة بوجودك هنا. بلّغي سلامي لوالدك”. موقفٌ عكس شجاعتها وتقدير كوكب الشرق لها.
كشفت لبنى آنذاك أن مسيرتها الفنية بدأت في الإذاعة. أعجب عبد الحميد يونس، صديق والدها، بموهبتها بعد أن ألقت قصيدة في تجمع عائلي. قال: “هذه الفتاة يجب أن تلتحق بالإذاعة”. ومن هنا، خطت خطواتها الأولى في سن العاشرة.
-لبنى وناصر
خلال الأمسية، عرضت التميمي صورةً لها وهي تتسلم ميدالية من الرئيس جمال عبد الناصر في يوم العلم والفنون. وأوضحت أنها التقت به أول مرة في المسرح نفسه عندما قدمت له الميدالية في إحدى الفعاليات. ثم طلب منها العودة في فعالية لاحقة لتقديمها له. أما اللقاء الثالث فكان يوم تسليم الميدالية، محاطًا بنخبة من المكرمين.
وعلق التميمي على الصورة قائلاً إن المشهد الذي تقف فيه لبنى عبد العزيز أمام جمال عبد الناصر وهو أمامها يجسد عصر المشاريع الضخمة، حيث يلتقي المشروع الوطني مع المشروع الفني في لقطة واحدة.
-السادات: عيب عليك يا لبنى.
تبرز حادثة طريفة من أرشيف الصحافة في خمسينيات القرن الماضي، تتعلق بالممثلة لبنى عبد العزيز خلال عملها كمذيعة إذاعية. زارت منزل رئيس مجلس النواب آنذاك أنور السادات في الهرم لتسجيل حلقة من برنامج “ضيف الأسبوع”. اختارت لبنى رمضان موضوعًا للمقابلة. استقبلها السادات في قاعة الاستقبال، وبدأ الاثنان حوارًا قبل بدء التسجيل. أمسكت بقلم وورقة لتدوّن ملاحظاتها، منغمسةً تمامًا في ما يحدث، حتى سمعت السادات فجأةً يقول بصوت حازم: “ما هذا يا لبنى؟”
تفاجأت واحمرّ وجهها. التفتت إليه، وعيناها مليئتان بالأسئلة عن الخطأ الذي ارتكبته. لكنها سرعان ما أدركت الموقف وضحكت ضحكة عالية، لأن السادات كان يوبخ ابنته الصغيرة لبنى، وليس المذيعة الشابة الجالسة أمامه.
طارق الشناوي.. روح الخمسينيات ونجم لكل الأجيال
من جانبه، قال الناقد طارق الشناوي إن لبنى عبد العزيز كانت ظاهرة فنية فريدة، إذ لمع نجمها في زمن برزت فيه نجمات كبيرات مثل فاتن حمامة، وماجدة، وشادية، وهند رستم، ومريم فخر الدين. إلا أنها، بفضل خلفيتها الثقافية والفكرية والإنسانية، وأدوارها التي جسدت شخصية الفتاة الشجاعة، وعبرت عن روح أواخر الخمسينيات، حين أعطى المجتمع مساحة أكبر لحرية المرأة، استطاعت أن تبرز.
وتابع الشناوي أن لبنى عبد العزيز عملت مع مخرجين كبار، مستشهداً بمشهدها الشهير في فيلم عام 1957 عندما رفعت ساقها أثناء مكالمة هاتفية، وهو ما اعتبر جريئاً جداً في ذلك الوقت. وأضاف أن حب الجمهور لها لم ينقص، مستشهدًا بحادثة في مهرجان القاهرة السينمائي قبل أربع سنوات، حين طُرح اقتراح منح جائزة أفضل ممثلة لفنانة مرموقة. فاختيرت لبنى عبد العزيز، وعند صعودها إلى المسرح، عزفت الفرقة أغنية “أسمر يا أسمراني”، وشارك الجمهور مشهدًا مؤثرًا بالغناء معها.
وأكدت الشناوي أن تعاونها مع فريد الأطرش كان علامة فارقة، حتى أن الكاتب كامل الشناوي كتب وقتها: «لبنى عبد العزيز قادرة على إحياء العظام بعد تحللها»، أي أنها أعادت تألق فريد من ذلك الوقت.
اعتبر فيلم “ضربة الشحاذين” لحسن الإمام من أهم أعمال السينما المصرية، رغم أنه لم ينل التقدير النقدي الذي يستحقه. وأكد أن لبنى عبد العزيز قارئة نهمة، تتابع الصحافة العربية والأجنبية، وتهتم بأدق التفاصيل، وهو ما ينعكس على اختياراتها الفنية والشخصية.
علي إدريس: سعيد أن أكون جزءًا من ظهورها السينمائي الأخير.
من جانبه، قال المخرج علي إدريس: “قبل أن أبدأ ارتياد السينما، تعرفت على أعمال الفنانة لبنى عبد العزيز من خلال أفلامها التلفزيونية، مثل “عروس النيل” و”عشق الأسياد” وغيرها”. وتابع: “شاهدت اثنين من أشهر أفلامها، وهما “ضربة المتسولين” و”هي والرجال” مع المخرج حسن الإمام، حيث أدت دور الخادمة رغم تخرجها من الجامعة الأمريكية، وهو اختبار صعب لأي ممثل، لكنها أتقنته بمهارة فائقة”.
وتابع: “عندما بدأتُ التحضير لفيلم “جدو حبيبي”، تذكرتُ كل هذه الأعمال، وذهبتُ إليها في مسرح الريحاني ومعي نسخة من أحد أفلامي والسيناريو. طلبتُ منها قراءته، فوافقت. كان شرفًا عظيمًا لي أن أعمل مع فنانة من الجيل الذهبي للسينما المصرية، وستظل قصتها حاضرة بيننا دائمًا”.
– هاميس
وتحدث محمود التميمي عن فيلم “عروس النيل” الذي جسدت فيه لبنى عبد العزيز دور “خميس”، موضحًا أن اسم الشخصية كان من اختيارها، حيث أرادت أن يكون تكريمًا رمزيًا لشقيقتها لميس، لذلك اختارت اسمًا يشبه اسمها.