مبتورو الأطراف في غزة.. محرومون من العلاج والتأهيل والسفر

منذ 4 ساعات
مبتورو الأطراف في غزة.. محرومون من العلاج والتأهيل والسفر

بي بي سي

“حياتي الآن مثل حياة سجين في معسكر اعتقال.”

شيرين أبو الكاس طفلة من مدينة غزة تلخص جزءا صغيرا من معاناتها بهذه الكلمات.

انقلبت حياة شيرين، البالغة من العمر سبعة عشر عامًا، رأسًا على عقب بعد أن فقدت ساقيها في قصف إسرائيلي لمنزلها. كما فقدت عائلتها بأكملها، ولم يتبقَّ لها سوى منزل عمها.

“أجلس على كرسي متحرك أو على سريري طوال اليوم، بينما كنت أفعل كل شيء بنفسي. كنت نشطة للغاية وأحب ممارسة الرياضة”، تقول شيرين.

وأضافت: “منذ أن فقدت ساقيّ، أحتاج إلى من يأخذني إلى الحمام، ويخرج معي، ويذهب معي إلى كل مكان. هذا صعب للغاية لأنني فقدت جميع أفراد عائلتي في قصف منزلنا”.

“أنا دائمًا أنظر إلى صوري القديمة.”

وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، تقول شيرين إنها تحدق دائمًا في صورة لها قبل بتر ساقيها، لكن الحرب المستمرة في غزة يبدو أن لها تأثيرًا قاسيًا.

وأضافت، بوجهٍ حزينٍ للغاية: “الآن سأقضي حياتي كلها على كرسيٍّ متحرك، وآمل أن أتمكن من السفر إلى الخارج للعلاج حتى تعود حياتي على الأقل إلى ما كانت عليه من قبل. أعني، حتى تستعيد حياتي بعضًا من طبيعتها”.

شيرين، التي فقدت عائلتها بأكملها قبلها، واحدة من آلاف سكان غزة الذين اضطروا لبتر أطرافهم بسبب عجز الأطباء في قطاع غزة عن علاج جروحهم وإصاباتهم بالطرق البديلة. ويعود ذلك إلى تدهور النظام الصحي، ونقص المستلزمات الطبية والأدوية، والنقص الحاد في الأطراف الاصطناعية، وغياب التأهيل النفسي للمتضررين من الصدمة النفسية التي يتعرضون لها جراء فقدان أطرافهم.

صرح زاهر الوحيدي، رئيس قسم الإعلام بوزارة الصحة الفلسطينية، لبي بي سي أن 15% من إصابات حرب غزة كانت بالغة الخطورة، وكثيراً ما أدت إلى بتر الأطراف. 18% من هذه الإصابات طالت أطفالاً، و76% من حالات بتر الأطراف العلوية و24% من حالات بتر الأطراف السفلية. وسُجلت أكثر من 160 حالة بتر مزدوج، 8% منها أصابت النساء.

مبتوري الأطراف ومكسورين

1

نزحت عائلة الطفل أحمد عدوان من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة إلى إحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في مدينة غزة.

تعرضت المدرسة لقصف عنيف، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. من بين المصابين الطفل أحمد عدوان، البالغ من العمر ثلاث سنوات ونصف، والذي فقد ذراعه اليسرى بالكامل. عثرت عليه والدته بين أشلاء الضحايا.

يعاني الطفل الصغير من التهابات حادة ونقص في الغذاء والدواء، مما أدى إلى مضاعفات صحية. كما أُصيب بشظية في ظهره.

قالت والدة الطفل: “يعاني أحمد من بتر في ذراعه وإصابة في ظهره قريبة جدًا من عموده الفقري. كما يعاني من نقص في الطعام والشراب، ويعاني من التهابات في جروح يده وظهره. وبسبب الألم، لا يستطيع الحركة أو اللعب”.

وتناشد والدة الطفل بإعطائه الحليب والبيض واللحوم أو غيرها من الأطعمة الصحية، لأن “الطعام نادر جدًا”.

ابن عم أحمد، صهيب عدوان، ينحدر أيضًا من نفس العائلة ويدرس في نفس المدرسة. فقد هو الآخر ساقه اليسرى في نفس القصف. يشعر أن ما حدث له كلفه مستقبله. قبل بتر ساقه، كان من أفضل لاعبي كرة القدم في نادي بيت حانون الرياضي شمال غزة.

يقول صهيب: “لطالما حلمتُ بدراسة التمريض وأن أصبح ممرضًا لأتمكن من علاج الناس. كما حلمتُ بأن أصبح لاعب كرة قدم مشهورًا لأني أحب كرة القدم. شاركتُ في سباقات ماراثون وذهبتُ إلى أي مكان أشاء مع أصدقائي. الآن، بعد أن فقدت ساقي، لم أعد أستطيع الحركة أو عيش حياتي كما كنتُ سابقًا. أمنيتي الوحيدة هي السفر إلى الخارج والحصول على طرف اصطناعي لأتمكن من مواجهة بقية حياتي.”

تجاوزت حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ قرابة عامين 60 ألف شهيد و150 ألف جريح منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وبلغت إصابات معظم الجرحى خطيرة، من بينهم نحو 7 آلاف فقدوا أطرافهم، وفقًا لأحمد نعيم، مدير عام مستشفى حمد شمال غرب غزة. وأضاف أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة زادت بشكل ملحوظ من حالات البتر.

يوضح زاهر الوحيدي أن العديد من الحالات والإصابات الشديدة، وخاصة إصابات الأطراف، كان من الممكن علاجها ولكنهم يضطرون إلى الخضوع للبتر بسبب نقص الموارد المناسبة وخيارات العلاج والمعدات اللازمة لمنع تفاقم هذه الحالات.

تعاني وزارة الصحة في غزة من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى المعدات الطبية والبيئات الجراحية المناسبة. ولذلك، وحسب الوحيدي، يقتصر عمل الوزارة على الإجراءات المنقذة للحياة.

الصناعة المهددة

2

في مدينة غزة، توجد ورشة متواضعة لتصنيع وصيانة الأطراف الصناعية، وهي تقع في المركز الوحيد في قطاع غزة المخصص لمتابعة حالات البتر.

ويشتكي منظمو الورشة من أن عملهم مهدد بالتوقف بسبب القيود المفروضة على الوصول ونقص المواد اللازمة لتصنيع الأطراف الاصطناعية الجديدة.

ويقول حسني مهنا، المتحدث باسم بلدية غزة ورئيس قسم الإعلام والعلاقات العامة في مركز الأطراف الصناعية والشلل، إن مبتوري الأطراف يواجهون ضغوطا غير مسبوقة بسبب القصف والتدمير الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وأضاف: “يتوافد الناس على مركز الأطراف الصناعية، وهو مهدد بالإغلاق بسبب نقص الوقود ونقص المعدات والأدوات اللازمة لتصنيع الأطراف الصناعية لهذه الشريحة المهمة من السكان. ونظرًا للحاجة الماسة للخدمات التي يقدمها لآلاف مبتوري الأطراف، والتي تُعد أساسية لهذه الشريحة من السكان، فإن مركز الأطراف الصناعية أصبح الآن مهددًا بالإغلاق بسبب النقص الحاد في المعدات والأدوات”.

يزعم مهنا أن إسرائيل لا تزال تفرض حصارًا شاملًا على قطاع غزة، مما يمنع دخوله، ويعاني من نقص حاد في المعدات والأدوات اللازمة لصنع الأطراف الاصطناعية. كما يعاني من نقص حاد في وسائل مساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك العكازات والكراسي المتحركة وأدوات صنع جميع أنواع الأجهزة المساعدة.

وتزعم إسرائيل أنها تمنع استيراد المواد المستخدمة في صناعة الأطراف الاصطناعية على أساس أنها يمكن أن تستخدم لأغراض عسكرية.

وأضاف مهنا: “يأتي هذا النقص الحاد في الكهرباء والوقود في ظل أزمة تؤثر بشكل كبير على عمل المركز وتحد من قدرته على التعامل مع العدد المتزايد من حالات البتر بسبب الحرب الدائرة”. وأضاف: “لذلك، لن يتمكن المركز من تقديم الرعاية لمبتوري الأطراف في الأيام المقبلة إذا استمر الحصار ومنعت إسرائيل استيراد المعدات والأدوات”.

وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يشهد قطاع غزة أعلى عدد من حالات بتر الأطراف بين الأطفال في التاريخ الحديث. ويُجبر الأطباء في قطاع غزة على إجراء عمليات بتر للعديد من المصابين.

يعيش آلاف مبتوري الأطراف في غزة ظروفًا كارثية بسبب نقص الرعاية الطبية، وهم معرضون لخطر مضاعفات صحية خطيرة. ويطالبون بإدخال الأطراف الصناعية إلى قطاع غزة دون قيود، أو السماح لهم بالسفر إلى الخارج لتلقي العلاج.


شارك