نتيجة الحرب والتجويع.. متلازمة غيلان باريه تفتك بأطفال غزة
**د. أحمد الفرا في لقاء مع وكالة الأناضول للأنباء: توفي ثلاثة أطفال نتيجة لمتلازمة غيلان باريه، وفي حالات أخرى كانت هناك حاجة إلى التهوية. ويواجه علاج المصابين تحديات كبيرة، وخاصة نقص المعدات الطبية والأدوية.
** والدة الطفلة المصابة مرام زعرب: لقد هاجم المرض أعصاب ابنتي بالكامل ولم تعد قادرة على الحركة أو الكلام. لا نعرف كيف ننقذهم لأنه لا يوجد علاج وحالتهم الصحية والمعيشية تتدهور.
في حين يعاني الفلسطينيون في قطاع غزة من المجاعة وانهيار النظام الصحي والتلوث البيئي بسبب الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل على مدى الأشهر الـ22 الماضية، اكتشف الأطباء في الأسابيع الأخيرة تفشيًا مقلقًا لاضطراب عصبي نادر يسمى متلازمة غيلان باريه، والذي يؤثر في المقام الأول على الأطفال ويهدد حياتهم.
وتراوحت أعداد الأطفال المصابين بين من ظهرت عليهم في البداية أعراض مثل ضعف في الأطراف وصعوبة المشي، إلى من تدهورت حالتهم بسرعة كبيرة حتى أنهم اضطروا إلى وضعهم على أجهزة التنفس الصناعي في وحدة العناية المركزة.
وفي مستشفى ناصر في خان يونس جنوب قطاع غزة، يكافح الطاقم الطبي لتشخيص وعلاج المرض بسبب النقص الحاد في الأدوية ومعدات التشخيص وانهيار البنية التحتية الطبية في أعقاب الحرب الإسرائيلية قبل نحو عامين.
وقد خلف المرض الذي انتشر بسرعة بين الأطفال أجساداً نحيفة جامدة ووجوهاً شاحبة منهكة من الجوع قبل أن يقتلهم المرض في النهاية.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة، الثلاثاء، عن تسجيل 95 حالة إصابة بالمرض، وحذرت من انتشار سريع للمرض بسبب سوء التغذية وتلوث المياه نتيجة الحصار الإسرائيلي.
صرح أحمد الفرا، مدير مستشفى الأطفال والولادة، لوكالة أنباء الأناضول، بأن هذا “المرض الخطير” بدأ ينتشر بوتيرة غير مسبوقة، إذ يصيب الأعصاب الطرفية والجمجمية، وقد يؤدي إلى شلل تام.
وأضاف: “قبل الحرب كنا نسجل حالة أو حالتين سنويا”، مشيرا إلى أن العدد ارتفع في الآونة الأخيرة وأن جميع الحالات المسجلة هي لأطفال تجاوزت أعمارهم 15 عاما.
وأوضح أن المرض يبدأ بضعف في الأطراف السفلية، ثم ينتشر إلى الجهاز العصبي المركزي، وقد يؤثر أيضاً على الأعصاب التنفسية، ما يستدعي التدخل العاجل.
وتتزامن هذه التطورات مع التجويع الممنهج وسوء التغذية الذي يمارسه الإسرائيليون ضد الأطفال في قطاع غزة، مما يضعف مناعتهم ويزيد من احتمالات إصابتهم بأمراض نادرة نتيجة للإبادة الجماعية التي ترتكبها تل أبيب ضد الفلسطينيين.
وبحسب برنامج الغذاء العالمي، يعاني نحو 100 ألف طفل وامرأة من سوء التغذية الحاد، في حين يعيش ربع سكان قطاع غزة في ظروف أشبه بالمجاعة.
حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، الجمعة، من أن عدد الأطفال في غزة يموتون بمعدل “غير مسبوق” بسبب الجوع وتدهور الأوضاع بسبب الإبادة الجماعية الإسرائيلية.
حذرت منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية مرارا وتكرارا من ارتفاع حالات سوء التغذية في قطاع غزة مع استمرار إسرائيل في إغلاق المعابر الحدودية منذ مارس/آذار الماضي، مما أدى إلى انتشار المجاعة التي وصلت إلى أبعاد “كارثية”.
** تلوث المياه
وقال الدكتور الفرا إنه حتى يوم الثلاثاء توفي ثلاثة أطفال بسبب متلازمة غيلان باريه ولا تزال العشرات من الحالات بحاجة إلى التنفس الاصطناعي المستمر.
وبسبب عدم وجود أجهزة تشخيصية مثل التصوير بالرنين المغناطيسي وتخطيط كهربية العضلات وتخطيط الأعصاب، يضطر الأطباء إلى الاعتماد على التشخيص السريري المحدود، بحسب الفرا.
وعزا الطبيب تفشي المرض إلى مجموعة من الفيروسات التي خرجت من اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب، “بسبب تدمير البنية التحتية الصحية”، وحذر من أن “غزة تواجه كارثة صحية كبيرة، خاصة بين النازحين”.
وبحسب سلطة المياه الفلسطينية فإن 85% من مرافق المياه والصرف الصحي تضررت بشكل خطير، في حين انخفضت كمية المياه المتاحة للمواطنين بما يصل إلى 80%.
وانخفض استهلاك الفرد من المياه في غزة إلى أقل من 5 لترات يومياً، مقارنة بالحد الأدنى الطارئ البالغ 20 لتراً الذي توصي به منظمة الصحة العالمية.
أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، في 22 يوليو/تموز، تسجيل 45 حالة إصابة بـ”الشلل الرخو الحاد” في قطاع غزة خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز، وهي زيادة غير مسبوقة بسبب تدهور الأوضاع البيئية والصحية، فضلاً عن سوء التغذية.
وفي 24 يوليو/تموز، حذرت منظمة أوكسفام الدولية للمساعدات الإنسانية من أن المرض في قطاع غزة قد يتحول إلى كارثة مميتة بسبب الجوع، وصعوبة الوصول إلى المياه النظيفة، ونقص المأوى والرعاية الطبية.
** مرام… ضحية المرض والجوع
في قسم الأطفال بمستشفى ناصر، ترقد الطفلة مرام زعرب البالغة من العمر 11 عاماً في المستشفى بعد أن فقدت القدرة على الحركة والكلام بسبب متلازمة داون.
قالت والدتها: “توقفت مرام فجأة عن المشي. اكتشف الأطباء أنها مصابة بشلل تدريجي”.
وأضافت: “المرض ناجم عن ضعف جهاز المناعة وتلوث المياه. كل شيء حولنا غير صحي: لا طعام ولا ماء”.
اشتكت الأم (التي لم يُكشف عن اسمها) من عدم توفر علاج للمرض، قائلة: “اليوم، لم تعد مرام قادرة على فعل أي شيء تحتاجه. لم تعد قادرة على الحركة، أو حمل أي شيء بيديها، ولم تعد قادرة حتى على الكلام”.
وأشارت إلى أن المرض أثر على كامل جهازها العصبي، وأضافت: “تعاني من صعوبة في البلع وصداع مستمر، ولا نعرف كيف ننقذها لعدم وجود خيارات علاجية”.
يشهد قطاع غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه. فمنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشهد غزة تجويعًا ممنهجًا وإبادة جماعية على يد إسرائيل.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه مستشفيات قطاع غزة من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات، وانهارت قدراتها التشخيصية والعلاجية بشكل شبه كامل.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي جريمة إبادة جماعية في قطاع غزة، من قتل وتجويع وتدمير وتشريد، متجاهلة الدعوات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لوضع حد لها.
حصدت الإبادة الجماعية أرواح 61,158 فلسطينيًا، وخلفت 151,442 جريحًا، معظمهم من الأطفال والنساء. واختفى أكثر من 9,000 شخص، ونزح مئات الآلاف، ومات الكثيرون جوعًا.