تجويع إسرائيلي وسوء تغذية.. الموت يتربص بـ15 طفلا في مستشفى بغزة

** طبيب الأطفال وأخصائي سوء التغذية في مستشفى أصدقاء المريض فواز الحسيني: تُعنى وحدة طب الأطفال في جمعية أصدقاء المريض بخمسة عشر طفلاً يعانون من سوء التغذية، بعضهم يعاني من أعراض حادة. كما نُقدّم الرعاية لمئات الحالات خارج المستشفى. يُفاقم نقص الغذاء والحليب والمكملات الغذائية معاناة المرضى الذين يعانون من سوء التغذية. الواقع مُريع، وصحة الأطفال تتدهور بشكل متزايد. ** والدة الطفل محمد عصفور، سنة وأربعة أشهر: ابني يزن 4 كيلوغرامات فقط، ويعاني من الجفاف والحمى. يعاني من تقلصات، ولا يأكل سوى الحليب، الذي غالبًا ما يكون غير متوفر.
يفحص الدكتور فواز الحسيني أطفاله في مستشفى أصدقاء المريض بمدينة غزة. تتدهور صحة المرضى بسبب سوء التغذية، بالإضافة إلى نقص الغذاء والدواء الناجم عن حرب الإبادة والتجويع الإسرائيلية الممنهجة.
وأضاف الحسيني لوكالة الأناضول أن هناك أكثر من 15 حالة سوء تغذية في قسم الأطفال بالمستشفى، بعضهم وصل إلى حالة سوء تغذية “شديد”.
وبحسب طبيب الأطفال وأخصائي سوء التغذية الدكتور الحسيني، فإن هؤلاء الأطفال يعانون من أعراض متشابهة، منها فقدان الوزن وانتفاخ البطن وبروز العظام، بالإضافة إلى الهزال الشديد وتأخر النمو.
وتتفاقم هذه الأعراض لدى بعض الأطفال، ما يؤدي إلى ضعف الجهاز المناعي وفشل الأعضاء الحيوية، وهو ما يؤدي، حسب الطبيب، إلى الوفاة.
وأضاف أنه بالإضافة إلى الحالات الـ15، فإن جمعية أصدقاء المرضى ترعى مئات الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية خارج أسوار المستشفى.
ويشهد قطاع غزة حاليا واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه: مجاعة شديدة مصحوبة بحرب إبادة جماعية تشنها إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
حذرت منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية مرارا وتكرارا من ارتفاع حالات سوء التغذية في قطاع غزة مع استمرار إسرائيل في إغلاق المعابر الحدودية منذ مارس/آذار الماضي، مما أدى إلى انتشار المجاعة التي وصلت إلى أبعاد “كارثية”.
وبحسب تقديرات برنامج الغذاء العالمي، فإن ربع الفلسطينيين في قطاع غزة (حوالي 2.4 مليون شخص) يواجهون ظروفاً أشبه بالمجاعة؛ ويعاني 100 ألف طفل وامرأة من سوء التغذية الحاد.
حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، الجمعة، من أن قطاع غزة يشهد معدل وفيات “غير مسبوق” بين الأطفال بسبب المجاعة وتدهور الأوضاع نتيجة الحرب الإسرائيلية المستمرة.
وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن وزارة الصحة في غزة، الثلاثاء، ارتفع عدد القتلى جراء سياسة المجاعة الإسرائيلية إلى 188 فلسطينيا، بينهم 94 طفلا، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
** “نحن نعيش كارثة”
وقال الحسيني إن مستشفى أصدقاء المريض يعاني من أزمة خانقة نتيجة ارتفاع حالات سوء التغذية نتيجة تشديد الحصار الإسرائيلي والحرب الإبادة والمجاعة.
وتابع: “نشهد ارتفاعًا غير مسبوق في حالات سوء التغذية. كنا نقرأ عنها في الكتب فقط، أما الآن فنراها بأعيننا”.
ووصف وضع الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية بأنه “مأساوي ومؤلم”، حيث تتفاقم هذه الحالات بسبب نقص الموارد والإمدادات الطبية.
وأكد أن المستشفى يتابع “المئات” من حالات سوء التغذية في المنازل، فيما يبقى في الجناح نحو 15 طفلاً ويتلقون العلاج المستمر.
وأكد صعوبة علاج هذه الحالات في ظل التحول في الموارد، قائلاً: “لا يوجد حليب أطفال، ولا زبدة، ولا مكملات غذائية”.
وتابع الطبيب: “إننا نعيش كارثة بكل معنى الكلمة. والواقع مؤلم، ولا أحد ينكره”.
** مضاعفات خطيرة
وتحدث الحسيني عن المضاعفات الخطيرة التي يعاني منها الأطفال نتيجة نقص الغذاء والحليب وسوء التغذية.
وقال إن التقارير الأخيرة أشارت إلى أن “خلط الحليب مع (الكثير من) الماء لإطعام الأطفال يؤدي إلى احتباس الماء في الأطراف السفلية وتورم الجسم”.
ونظراً للنقص الشديد في الحليب بالمستشفيات وارتفاع سعره في السوق السوداء بقطاع غزة، تلجأ الأمهات إلى هذه الطريقة لإطعام أطفالهن عند توفره.
وأكد الحسيني أن عدم حصول الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية على الغذاء والإمدادات الغذائية والمكملات الغذائية أدى إلى تدهور حالتهم وتطور حالة “سوء التغذية الحاد”.
وحذرت وزارة الصحة في غزة مراراً من نقص خطير في الأدوية والمستلزمات الطبية والمكملات الغذائية، ودعت الجهات المعنية إلى ضمان استيرادها.
وأكد الحسيني أن سوء التغذية لدى الأطفال يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، منها ضعف جهاز المناعة والفشل الكلوي والكبدي.
وأشار إلى أن قطاع غزة “يحتاج بشكل عاجل إلى الغذاء والمكملات الغذائية وحليب الأطفال، ويجب أن تنتهي الإبادة الجماعية”.
وقال الطبيب الفلسطيني: “الواقع مأساوي والوضع الصحي (للأطفال) يتدهور”.
**يبلغ وزن الطائر الصغير 4 كيلوغرامات
في “أصدقاء المريض” تجلس والدة الطفل محمد عصفور بجوار ابنها على سرير المستشفى وتنظر بحسرة إلى جسده النحيل.
يبلغ وزن الطائر الصغير الذي يبلغ عمره عامًا وأربعة أشهر 4 كيلوغرامات فقط، وبطنه منتفخة، وأضلاعه بارزة.
وينظر الطفل إلى أمه بعينين غائرتين، وكأنه يتوسل إليها لإنقاذه من هذه المجاعة القاتلة التي تسببت له بمضاعفات صحية تهدد حياته.
وقالت الأم التي لم تكشف عن اسمها لوكالة الأناضول، إن ابنها محمد يعاني من مشاكل صحية بسبب سوء التغذية ونقص الحليب.
وأضافت أنه يعاني من تقلصات وجفاف بسبب الإسهال الشديد.
وأوضحت أن طفلها يعاني من ارتفاع في درجة الحرارة، حيث وصلت إلى 40.5 درجة مئوية.
بدأ جسد طفلها الضعيف يرفض جميع أنواع الطعام ولا يستجيب إلا للحليب، الذي كان متوفرًا بكميات قليلة بالفعل.
وتابعت: “في كثير من الأحيان لا يتوفر الحليب” ويذهب طفلها إلى الفراش جائعًا.
وأعربت عن أملها في تحسن صحة طفلها، وقالت إنه لا يطاق بالنسبة لها رؤيته بهذه الحالة.
وأضافت أن نقص الإمدادات الطبية، وخاصة حفاضات الأطفال، يزيد من معاناة أم محمد لأن طفلها يعاني من مشاكل صحية.
وأوضحت أنها قامت باستبدال حفاضات الأطفال بحفاضات قماشية غير آمنة وغير ذات علامة تجارية على الرغم من أن طفلها يعاني من الإسهال الشديد بسبب سوء التغذية.
وفي 24 يوليو/تموز، حذرت منظمة أوكسفام الدولية للمساعدات الإنسانية في بيان لها من أن المرض في قطاع غزة قد يتحول إلى كارثة مميتة بسبب الجوع، وصعوبة الوصول إلى المياه النظيفة، ونقص المأوى والرعاية الطبية.
ورغم أن إسرائيل زعمت منذ 27 يوليو/تموز أنها سمحت بدخول عشرات الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة يومياً (حيث ستكون هناك حاجة إلى 600 شاحنة على الأقل يومياً لإنقاذ الأرواح)، فإنها سهلت السرقة ووفرت الحماية لها، وفقاً لبيان صادر عن مكتب الإعلام الحكومي في غزة.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه مستشفيات قطاع غزة من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات، وانهارت قدراتها التشخيصية والعلاجية بشكل شبه كامل.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية على غزة، تتضمن القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة كل النداءات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لإنهاء هذه الحرب.
خلّفت الإبادة الجماعية المدعومة من الولايات المتحدة أكثر من 211 ألف قتيل وجريح في فلسطين، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 9 آلاف مفقود. إضافةً إلى ذلك، شُرّد مئات الآلاف، وأودت المجاعة بحياة الكثيرين.