الأموال الساخنة.. مخاطرة أم فرصة لمصر؟

منذ 1 شهر
الأموال الساخنة.. مخاطرة أم فرصة لمصر؟

بقلم – أحمد والي:

يشهد الاستثمار الأجنبي المباشر، المعروف أيضًا باسم “الأموال الساخنة”، تزايدًا ملحوظًا في مصر حاليًا. ويستهدف الاستثمار أذون وسندات الخزانة المحلية، مستفيدًا من ارتفاع أسعار الفائدة واستقرار سعر صرف الجنيه المصري.

وساعدت هذه التدفقات على تعزيز الجنيه مع هبوط الدولار إلى أدنى مستوى في تسعة أشهر، مسجلا تعاملات 48.4 جنيه للشراء و48.5 جنيه للبيع، بحسب البنك الأهلي المصري وبنك مصر.

لكن هذا النوع من الاستثمار يثير مخاوف بعض الخبراء، الذين يحذرون من العواقب المحتملة لتدفقات خارجية صافية قد تزيد الضغوط على العملة الوطنية.

يعد الاستثمار الأجنبي المباشر مصدرًا مهمًا للعملة الأجنبية، ولكنه يحمل مخاطر كبيرة لأنه يمكن سحبه بسهولة في أوقات الأزمات، وبالتالي يصبح “أموالًا ساخنة” تتقلب اعتمادًا على ظروف السوق.

وأدى توصية جولدمان ساكس للمستثمرين بزيادة استثماراتهم في الجنيه المصري بسبب انخفاض قيمته بنحو 30% إلى زيادة تدفق الأموال الساخنة إلى السوق المصرية.

وفي العام الأول من تحرير سعر الصرف، اجتذبت مصر نحو 24 مليار دولار من هذه الأموال، مما أدى إلى زيادة إجمالي الاستثمار الأجنبي غير المباشر إلى مستوى قياسي بلغ 38 مليار دولار.

هل يتكرر سيناريو 2022؟

في مارس/آذار 2022، شهدت مصر أزمة متفاقمة في النقد الأجنبي بعد تدفق الاستثمار الأجنبي غير المباشر إلى خارج البلاد بما يقرب من 22 مليار دولار خلال ثلاثة أشهر بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مما أثار مخاوف من تكرار نفس السيناريو.

ورغم المخاوف بشأن تدفق الأموال الساخنة، أكد عدد من الخبراء الذين أجرى ايجي برس مقابلات معهم، أن الوضع الاقتصادي الحالي في مصر يختلف بشكل كبير عن السنوات السابقة التي شهدت تدفقا هائلا لهذه الأموال، مثل الأزمات في عام 2011 خلال فترة عدم الاستقرار السياسي، وفي عام 2020 خلال جائحة كوفيد-19، وفي عام 2022 بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

ولهذه الأسباب، لم يعد يشكل تهديداً.

يرى هاني جنينة، الخبير الاقتصادي والمحاضر في الجامعة الأمريكية، أن الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة المتدفقة حاليًا على السوق المصرية لا تُشكل تهديدًا لاستقرار سعر الصرف. ويشير إلى أن هذه الأموال لم تعد تُستخدم حصريًا للمضاربة بفائدة كما كان الحال سابقًا، بل مدفوعة بتحسن ملحوظ في مؤشرات الاقتصاد الكلي.

وبحسب بيانات البنك المركزي، ارتفعت العائدات على سندات الخزانة قصيرة الأجل إلى أكثر من 29% خلال المزاد الأخير، مع مطالبة المستثمرين بأسعار فائدة أعلى.

وأضاف جنينة لايجي برس أن هناك عوامل إيجابية ستدعم استقرار الجنيه خلال الفترة المقبلة، منها ارتفاع إيرادات السياحة وتحسن تحويلات المصريين بالخارج وتحسن أداء الصادرات، فضلاً عن التقدم في برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.

ومن شأن كل هذا أن يعزز ثقة المستثمرين الأجانب ويقلل من احتمال حدوث تقلبات حادة في أسعار الصرف في الأشهر المقبلة، والتي قد تستمر لمدة تصل إلى 18 شهراً.

وأوضح أن المستثمرين الأجانب يشعرون بقلق متزايد بشأن استقرار سعر صرف الدولار وميزان الحساب الجاري، لأن ذلك يوفر لهم ضمانات أفضل من الفترات السابقة.

وأشار إلى أن البنك المركزي المصري اتخذ إجراءات احترازية، منها تخصيص جزء من هذه التدفقات كاحتياطي للتدفقات الخارجية تحسبًا للتقلبات المفاجئة. على عكس ما حدث في عام ٢٠٢٢، حين اضطر البنك إلى استخدام احتياطياته من النقد الأجنبي لمواجهة تدفقات رأس المال الخارجة.

وأشار جنينة إلى أن احتياطيات النقد الأجنبي الحالية أعلى مما كانت عليه خلال الأزمة الروسية الأوكرانية، مما يمنح الاقتصاد قدرة أكبر على امتصاص الصدمات.

وأشار إلى أن انخفاض هامش مخاطر الديون السيادية إلى نحو 4.5%، وهو أدنى مستوى منذ عام 2021، يعكس تحسن التوقعات العالمية للاقتصاد المصري ويخفف من مخاوف المستثمرين.

من جانبه، أكد الخبير المصرفي محمد بدرة، أن الدولة أصبحت أكثر وعياً وخبرة في التعامل مع تدفقات الأموال الساخنة بعد أن شهدت مصر ثلاث أزمات كبرى أثرت سلباً على سوق الصرف الأجنبي: أحداث 2011، وجائحة كوفيد-19 في 2020، والحرب الروسية الأوكرانية في 2022. وكل هذه الأزمات أدت إلى خروج مفاجئ لرؤوس الأموال من الأسواق الناشئة.

أوضح بدرة لايجي برس أن السياسات المالية والنقدية الحالية تراعي طبيعة هذه الأموال وتقلباتها. وأوضح أنه سيتم توزيع هذه الأموال ضمن فترات زمنية قصيرة ومناسبة لضمان عدم استخدامها لتمويل مشاريع طويلة الأجل.

وأضاف: “الوزارة والبنك المركزي أكثر وعيًا بما مررنا به، ووضعا ضمانات صارمة لضمان عدم الوقوع في أزمة مماثلة في حال قرر المستثمرون سحب أموالهم. احتياطيات النقد الأجنبي قوية، والدولة قادرة على استيعاب أي سحب مفاجئ”.

وأكد بدرة أن هذه الإجراءات من شأنها أن توفر مزيداً من الأمن للاقتصاد المصري: “في الوضع الحالي لا يوجد خطر من الأموال الساخنة، وحتى لو خرجت فإن الدولة مستعدة والاحتياطيات كافية والوضع يتم التعامل معه بمستوى من الاحترافية مختلف تماماً عن الفترات السابقة”.

عالية الخطورة

حذّر مصطفى شفيع، رئيس قسم الأبحاث في شركة “عربية أونلاين للأوراق المالية”، من الاعتماد المفرط على الاستثمار الأجنبي غير المباشر. وأوضح أن هذا النوع من تدفقات رأس المال يُستخدم غالبًا لتغطية عجز الموازنة في العديد من دول العالم، ولكنه يُشكّل مخاطر كبيرة في حال حدوث اضطرابات مفاجئة.

صرح الشافعي لموقع ايجي برس أن مصر شهدت تدفقات خارجية بنحو 20 مليار دولار من سوق الدين خلال أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، مما ضغط بشكل مباشر على الجنيه المصري. في الوقت نفسه، أدت أزمة كوفيد-19 إلى تدفقات خارجية ضخمة لرؤوس الأموال من الأسواق الناشئة بقيمة تراوحت بين 50 و60 مليار دولار. وقد أظهر هذا هشاشة اعتماد البلاد على هذه الصناديق في ظل غياب بدائل مستدامة.

وأوضح أن الخطر الرئيسي هو أن هذه الاستثمارات قصيرة الأجل وهشة للغاية ويمكن سحبها فجأة إذا اهتزت ثقة السوق.

وأوضح أنه لتخفيف هذه المخاطر، يجب تطوير مصادر مستدامة للدولارات مثل الصادرات والسياحة وتحويلات العاملين في الخارج، ويجب جذب الاستثمار الأجنبي المباشر لتقليل الاعتماد على أدوات الدين قصيرة الأجل.


شارك