استثمارات صينية مرتقبة.. كيف يستفيد السوق المصري؟

بقلم: أماني عاصم
وتشهد قطاعات مختلفة في السوق المحلية المصرية زيادة كبيرة في تدفقات رأس المال الصيني، حيث يسعى المستثمرون الصينيون إلى الاستفادة من مزايا السوق المصرية، وخاصة موقعها الجغرافي واتفاقيات التجارة الحرة التي تربط مصر بالعديد من التكتلات الدولية.
وقعت الهيئة المصرية العامة للاستثمار والبترول والبنك المركزي المصري اتفاقيات مع شركات وبنوك صينية لزيادة استثماراتها في مصر في قطاعات المنسوجات والبتروكيماويات والخدمات اللوجستية والخدمات المصرفية وغيرها.
الاستثمارات الصينية والتركية تطرق أبواب السوق المصرية
قال محمد المرشدي، رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات المصرية، إن هناك بالفعل تحركا واضحا من المستثمرين الصينيين والأتراك الراغبين في نقل بعض استثماراتهم إلى مصر.
وأشار المرشدي إلى أن العديد من هؤلاء المستثمرين يرغبون في إقامة مصانع في مصر للحصول على شهادة المنشأ المصرية، التي تسمح لهم بتصدير منتجاتهم معفاة من الرسوم الجمركية إلى الأسواق العالمية، وهو ما يشكل حافزاً قوياً لنقل خطوط الإنتاج.
وأضاف أن هناك بالفعل توسعًا كبيرًا للاستثمار الصيني في قطاع الملابس الجاهزة، وكذلك في الصناعات ذات الصلة مثل المنسوجات والمواد الخام.
وفيما يتعلق بالتحديات التي قد تواجههم، أكد المرشدي أن الحكومة المصرية تبذل جهودًا كبيرة لتبسيط الإجراءات وتهيئة مناخ استثماري جاذب. وأوضح أن المستثمرين لا يواجهون حاليًا أي صعوبات في دخول السوق المحلية.
الاهتمام الصيني بالزجاج والرخام والجرانيت
وفيما يتعلق بقطاع مواد البناء، أوضح أحمد عبد الحميد، رئيس غرفة مواد البناء بجمعية الصناعات المصرية، أن هناك اهتمامًا صينيًا بقطاعات معينة، مثل الزجاج والرخام والجرانيت. وأشار إلى أن شركة صينية كبيرة تسعى حاليًا للاستثمار في قطاع الزجاج.
وفيما يتعلق بقطاع المحاجر، أوضح أن الحديث عن توسع صيني قوي غير دقيق حاليًا، إذ لا توجد شركات صينية كبيرة في هذا القطاع تدفع ضرائب أو تمتلك أراضٍ مخصصة رسميًا. ومع ذلك، هناك بعض الأفراد الناشطين في هذا القطاع بطرق مختلفة.
وأكد أن الغرفة لم تتلق أي اتصال مباشر من المستثمرين الصينيين خلال الفترة الأخيرة، ولكن هناك مؤشرات على نشاط في بعض القطاعات.
هل يساعد توسع رأس المال الأجنبي الصيني في السوق المحلية مصر على تجاوز الأزمة؟
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي وائل النحاس أنه ينبغي التعامل مع توسع الاستثمارات الصينية بحذر شديد. ويرى أن بعض هذه الاستثمارات قد لا يعود بفائدة حقيقية على الاقتصاد المصري، بل قد يؤدي إلى إضعاف المنافسة المحلية.
أكد الخبير الاقتصادي وائل النحاس على ضرورة التعامل بحذر شديد مع توسع الاستثمارات الصينية في مصر، مشيرًا إلى أن بعض هذه الاستثمارات لا يحقق بالضرورة منافع اقتصادية حقيقية لمصر، بل قد تكون له آثار سلبية طويلة المدى.
وأضاف أن المشكلة من وجهة نظره تكمن في غياب الشفافية بشأن رأس المال المستثمر وخطط التشغيل والعائد المتوقع على تلك الاستثمارات.
وتابع: “لا أحد يستفيد من شراكة صناعية مع الصين، فهي أبخل دولة في العالم. وهذا بالضبط ما نشهده في أكثر من قطاع: المواد الخام تُشترى بأسعار منخفضة للغاية، وشروط مجحفة تُفرض على العمال المصريين”.
وتحدث النحاس عن ما يسمى بالاستثمارات السلبية، موضحا أن بعض الاستثمارات الأجنبية تهدف إلى القضاء على المنافسة المحلية بدلا من تعزيزها.
وأشار إلى حالات سابقة مثل شركة أيديال الرائدة في تصنيع الأجهزة المنزلية والتي استحوذت عليها شركة إيطالية، ما أدى إلى تراجعها وفقدان قدرتها التنافسية في السوقين المحلية والإفريقية.
وضرب مثالاً آخر: شركة الأهرام للمشروبات، المُصنِّعة لمشروب فيروز، التي حققت نجاحًا باهرًا في المنطقة العربية وتسببت في خسائر فادحة لشركات مثل بيبسي وكوكاكولا. إلا أن مستثمرًا أجنبيًا استحوذ على الشركة، واختفى اسم فيروز من السوق. وجادل بأن هذه الخطوة تهدف إلى “إبعاد المنافسة عن السوق”.
برر تصريحاته قائلاً: “يجب أن نميز بين الاستثمارات الإيجابية التي تُضيف قيمة للاقتصاد المصري، والاستثمارات السلبية التي تهدف ببساطة إلى إقصاء المنافسين والسيطرة على السوق. كدولة، يجب أن نكون حذرين بشأن الجهات التي نمنحها حق الوصول إلى قطاعاتنا الحيوية”.
وتبحث الصين عن أسواق بديلة، ومصر واحدة منها.
ويرى الخبير الاقتصادي يمان الحماقي أن الصين لديها بالفعل أكبر فائض تجاري مع الولايات المتحدة، وبالتالي فهي تبحث عن أسواق بديلة لتقليل الخسائر المحتملة وزيادة قدرتها التنافسية.
وأضافت أن الصين تحاول حاليا توسيع استثماراتها في الأسواق ذات التعريفات الجمركية المنخفضة للالتفاف على آثار الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
أوضح الحماقي أن مصر أصبحت سوقًا مستهدفة للصين، خاصةً بعد أن فرضت الحكومة الأمريكية رسومًا جمركية منخفضة نسبيًا تصل إلى 10% على المنتجات المصرية مقارنةً بدول شرق آسيا. وهذا يُمثل ميزة نسبية للشركات الصينية مقارنةً بالرسوم الجمركية المفروضة عليها مباشرةً عند التصدير من الصين إلى الولايات المتحدة، والتي قد تصل إلى 30%.
وأضافت: “يمكن للصين تصنيع منتجاتها في مصر ثم تصديرها إلى الولايات المتحدة، مستفيدةً من فارق تعريفة جمركية قدره 20%. كما يوفر ذلك تكاليف النقل والشحن، لأن مصر والولايات المتحدة أقرب من الصين، مما يزيد من فرص تحقيق أرباح مضمونة”.
ولكنها أكدت أن قدرة مصر على الاستفادة من هذه الاستثمارات تعتمد على عدة عوامل، أبرزها وجود إدارة محترفة للاستثمار الأجنبي المباشر، وهي المهمة التي تقع حاليا على عاتق وزير الاستثمار.
وطالب الحماقي بإنشاء هيئة متخصصة لتقييم الاستثمارات الأجنبية ووضع رؤى واضحة لرصد وتقييم أدائها لضمان أن تكون هذه الاستثمارات في صالح الاقتصاد المصري وليس فقط خدمة مصالح المستثمرين الأجانب.
وقالت: “نرحب بجميع الاستثمارات الأجنبية، بما في ذلك الاستثمارات الصينية، شريطة أن تخضع للمراقبة والتقييم وأن تتوافق مع الأهداف الاقتصادية للبلاد. ويجب إعطاء الأولوية لتوسيع قاعدة التصدير، وتعميق التصنيع المحلي، ونقل التكنولوجيا. هذه مكاسب محتملة، لكننا ندرك تمامًا أن الاستثمارات الصينية تسعى دائمًا إلى تعظيم أرباحها، حتى على حساب الدولة المضيفة. لذلك، يجب تحقيق توازن واضح للمصالح”.
اقرأ أيضاً:
كيف يؤثر انخفاض الدولار على أرباح المستثمرين الأجانب في البورصة المصرية؟
محللون اقتصاديون: توقعات متباينة للتضخم في يوليو بسبب تأثير أسعار السجائر والسياسة النقدية
العاشر من رمضان: مستثمرون يحذرون: غرامات المياه الجديدة تهدد بإغلاق المصانع وتسريح العمال