إسرائيل تحتجز أموال المقاصة.. كيف يؤثر ذلك على الوضع المالي للسلطة الفلسطينية؟

منذ 21 ساعات
إسرائيل تحتجز أموال المقاصة.. كيف يؤثر ذلك على الوضع المالي للسلطة الفلسطينية؟

تحتجز إسرائيل الأموال الفلسطينية لخنق السلطة الفلسطينية ودفع الضفة الغربية نحو الانهيار. منذ توقيع بروتوكول باريس الاقتصادي عام ١٩٩٤، الملحق باتفاقية أوسلو، اعتمدت السلطة الفلسطينية بشكل أساسي على عائدات الجمارك التي تجمعها إسرائيل نيابةً عنها. تُشكل هذه العائدات ٧٥٪ من مواردها المالية، بينما يُموّل باقي ميزانية السلطة الفلسطينية من الإيرادات الداخلية والمنح الدولية.

بلغت قيمة أموال المقاصة المحولة شهريًا ما بين 700 و800 مليون شيكل. إلا أن الحرب الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أدت إلى زيادة الاستقطاعات بنحو النصف، مع استمرار احتجاز الأموال. وقد أدى ذلك إلى أزمة مالية خانقة للسلطة الفلسطينية وتراكم رواتب موظفيها، مما هدد بانهيار السلطة واستقرار مؤسساتها، وحق الشعب في حياة كريمة ومساعدات إنسانية أساسية.

– ما هو التطهير؟

تشير أموال المقاصة إلى عائدات الضرائب والجمارك التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية وفقاً لبروتوكول باريس الاقتصادي الموقع في عام 1994، والذي تم ضمه إلى اتفاقيات أوسلو الثانية لعام 1995.

وبموجب البروتوكول، تقوم إسرائيل بتحصيل رسوم الاستيراد وضريبة القيمة المضافة وضرائب الدخل من العمال الفلسطينيين في إسرائيل، ثم تقوم بتحويلها شهريا إلى السلطة الفلسطينية، بعد خصم رسوم المعالجة بنسبة 3% وخصم ضريبة الدخل بنسبة 25%، كما يقتضي النظام.

– حجم الأموال وكيف تم تحصيلها ومن يملكها؟

وتشكل المقاصة المصدر الأكبر لإيرادات السلطة الفلسطينية، حيث تمثل ما يقرب من 70-75% من إجمالي الإيرادات المحلية للسلطة، بحسب بيانات سابقة.

وبحسب وزارة المالية الفلسطينية، احتجزت إسرائيل أكثر من 10 مليارات شيكل (حوالي 3 مليارات دولار) من عام 2019 حتى أوائل عام 2025، في حين بلغ إجمالي المبالغ المخصومة من عام 2012 حتى فبراير/شباط 2025 حوالي 20.6 مليار شيكل (5.6 مليار دولار).

خلال الحرب التي أعقبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، سحبت إسرائيل ما معدله نحو 500 مليون شيكل شهرياً (نحو 100 مليون دولار)، مقارنة بـ 200 مليون شيكل في السابق، مما أدى إلى خفض الإيرادات الفلسطينية من 200 مليون دولار إلى نحو 100 مليون دولار شهرياً.

وتشمل الاستقطاعات أيضًا ما يسمى بـ “مدفوعات الشهداء” ورسوم العبور (مثل ضريبة الخروج عبر الحدود مع الأردن).

– دور إسرائيل في مصادرة الأموال واحتجازها

تجمع إسرائيل الضرائب نيابةً عن السلطة الفلسطينية، مع أن هذه الأموال ليست ملكًا لها، ثم تُحوّلها وفقًا للبروتوكول. وتمارس إسرائيل سيطرةً غير قانونية على هذه الأموال بذريعة سداد ديون لشركات إسرائيلية، مثل شركة الكهرباء، أو كعقوبة سياسية على السلطة الفلسطينية. وهكذا، تستطيع إسرائيل الوصول إلى أموال ليست ملكًا لها، بل للشعب الفلسطيني، وفقًا لوكالة الأنباء الفلسطينية “معًا”.

قرارات مثل قانون “تعويضات القتل” تسمح للحكومة الإسرائيلية بالاحتفاظ بمبلغ يعادل ما تدفعه السلطة الفلسطينية لعائلات الشهداء والأسرى. هذا القانون ساري المفعول منذ حوالي عام ٢٠١٨.

منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، سمح وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش باستخدام الأموال الفلسطينية المحتجزة لسداد ما يقرب من 1.9 مليار شيكل من الديون المستحقة على السلطة الفلسطينية لشركة الكهرباء الإسرائيلية، بما في ذلك 800 مليون شيكل من الأموال المجمدة منذ ذلك التاريخ.

– التصميم القانوني والوصف القانوني الدولي للفعل

وبحسب بروتوكول باريس، فإن حجب إسرائيل لهذه الأموال يشكل انتهاكا واضحا لالتزاماتها بضمان التحويل الكامل والشهري للإيرادات بعد خصم رسمي للمبلغ المتفق عليه.

ووصفت وكالات الأمم المتحدة، مثل الأمم المتحدة ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ومنظمات حقوق الإنسان، عملية الاستيلاء بأنها “قوة مالية استراتيجية” تهدد أسس دولة السلطة الفلسطينية، وخاصة الأجور والخدمات العامة.

وخلص البرلمان الأوروبي والأمم المتحدة إلى أن الإجراءات الإسرائيلية تنتهك أحكام البروتوكول وتهدد “الاستقرار المالي والتنمية الاقتصادية” للسلطة الفلسطينية.

من منظور القانون الدولي، يُشكل احتجاز إسرائيل لأموال الإخلاء الفلسطينية عملاً غير قانوني يُعادل “الاستيلاء القسري على ممتلكات الغير دون مبرر”. ويمكن اعتبار هذا شكلاً من أشكال “السرقة السياسية المنظمة” إذا وقع خارج الإطار التعاقدي ودون موافقة الجانب الفلسطيني.

وفقًا لاتفاقية باريس الاقتصادية (1994)، فإن واجب إسرائيل هو تحصيل وتحويل الأموال المستحقة للسلطة الفلسطينية فورًا دون قيود سياسية. أي سحب غير طوعي أو احتجاز متكرر لهذه الأموال بذرائع سياسية يُشكل انتهاكًا للاتفاقية الثنائية واختلاسًا لأموال ليست ملكًا لإسرائيل، بل للشعب الفلسطيني.

يؤكد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 1، الفقرة 2) على حق الشعوب في التصرف بمواردها و”عدم حرمانها من وسائل عيشها”. وبالتالي، يُشكل هذا الإجراء الإسرائيلي انتهاكًا للحقوق المالية السيادية، ويندرج ضمن فئة “نهب الموارد”، وهو أمر تحظره اتفاقية جنيف الرابعة عندما ترتكبه قوة احتلال ضد سكانها.

وتشير سوابق مماثلة في القانون الدولي إلى أن مثل هذا السلوك، عندما ترتكبه قوة احتلال، يشكل نهباً منهجياً لموارد الشعب المحتل، وهو ما تحظره صراحة اتفاقية جنيف الرابعة (المادة 33) باعتباره شكلاً من أشكال العقوبة الجماعية المحظورة.


شارك