متحدث الدفاع المدني بغزة يواصل إضرابه عن الطعام: لن آكل وأطفالنا جائعون

لن أصمت ما دام في هذا الجسد روح. أنا أعيش فقط على الماء والملح. لقد أثرت المجاعة على الجميع: الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى وجميع فئات المجتمع. ومن قلب المعاناة والألم والأزمة، أدعو كل الأحرار في العالم إلى عدم الصمت.
وسط هدير الطائرات الحربية الإسرائيلية، يواصل محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في غزة، عمله الإنساني. يشرب قليلًا من الماء المملح، وهو المشروب الوحيد الذي يعتمد عليه منذ أكثر من أسبوع بعد بدء إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجًا على سياسات إسرائيل في تقليص الطعام، والتي تطال جميع شرائح المجتمع، وخاصة الأطفال.
بخطوات متعبة، سار باسل، الذي كانت تظهر عليه علامات الإرهاق الواضحة، نحو سيارة الإسعاف التي وصلت إلى مستشفى المعمدان في مدينة غزة للمساعدة في نقل المصابين إلى غرفة الطوارئ.
ورغم أن باسل دخل يومه التاسع في إضرابه عن الطعام يوم الثلاثاء، إلا أنه يحاول الصمود، لكن جسده المنهك بدأ ينهار ببطء بعد أيام من الإضراب عن الطعام التي أعقبت أسابيع طويلة من الحرمان والجوع.
وفي حديثه لوكالة الأناضول، أصر باسل على مواصلة إضرابه عن الطعام، قائلاً: “لن أصمت ما دام في هذا الجسد روح”.
حذر برنامج الغذاء العالمي الأسبوع الماضي من أن ثلث الفلسطينيين في قطاع غزة لم يحصلوا على أي طعام منذ عدة أيام بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
وقال روس سميث، مدير برنامج الأغذية العالمي للاستعداد والاستجابة للطوارئ، في بيان: “لقد وصلت أزمة الجوع في غزة إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يظل ثلث السكان بلا طعام لعدة أيام”.
وبحسب تقديرات برنامج الغذاء العالمي، فإن ربع سكان قطاع غزة يواجهون ظروفاً أشبه بالمجاعة، كما يعاني 100 ألف امرأة وطفل فلسطيني من سوء التغذية الحاد.
**بداية الإضراب
وقال بصل الذي يخوض إضرابا عن الطعام لليوم التاسع على التوالي، إنه لن يأكل شيئا طالما أن الأطفال في غزة يتضورون جوعاً.
وأضاف بصل: “الرسالة التي أبثها منذ بداية الإضراب عن الطعام هي أنني لن آكل أي شيء طالما أن الأطفال في غزة يتضورون جوعاً ويتم تقديم المساعدات بطريقة غير إنسانية”.
وأوضح أنه عاش على “الماء والملح” لمدة تسعة أيام تضامناً مع الجياع، رغم أنه كان واحداً منهم واضطر إلى البقاء على قيد الحياة لعدة أسابيع على قدر ضئيل جداً من الغذاء.
وتابع: “في غزة لم يتبق إلا ما يكفي لجميع فئات المجتمع”.
منذ بداية الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ارتكبت إسرائيل بالتزامن جريمة مجاعة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. ففي 2 مارس/آذار، شددت إجراءاتها وأغلقت جميع المعابر أمام المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية. ونتيجةً لذلك، اتسع نطاق المجاعة ووصلت إلى أبعاد “كارثية”.
وبحسب آخر إحصائيات وزارة الصحة في غزة، فإن حصيلة القتلى جراء الجوع وسوء التغذية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وصلت إلى نحو 147 فلسطينياً، بينهم 88 طفلاً.
**استمرار العمل الإنساني
خلال إضرابه عن الطعام، يواصل بصل عمله الإنساني ويراقب التطورات على الأرض بينما تواصل إسرائيل الإبادة الجماعية التي بدأت منذ 22 شهرًا.
وقال إنه سيواصل تزويد وسائل الإعلام يوميا بمستجدات الأحداث في قطاع غزة كما كان يفعل دائما.
وأضاف: “لكنني اليوم أتحدث إلى هذا الجسد المنهك الذي لم يعد يستطيع الوقوف طويلاً بسبب الإضراب”.
وأكد أنه سيواصل إضرابه عن الطعام لإيصال رسالته للعالم، قائلاً: “لن أصمت ما دام في هذا الجسد روح”.
وبالإضافة إلى عمله على الأرض في تقديم التقارير عن الأشخاص المحاصرين تحت أنقاض المنازل المدمرة وتنسيق إجلائهم مع وكالات الأمم المتحدة، وخاصة من المناطق المحددة باللون الأحمر من قبل الجيش الإسرائيلي، أكد بصل أنه يواصل جهوده لكشف “سياسة التجويع الإسرائيلية ضد مواطني قطاع غزة”.
وتابع: “أكرر هذا النداء للعالم ولكل من يملك ضميرًا حيًا من غزة، من قلب المعاناة والألم والجوع والمجاعة: لا تتركوا غزة وحدها. عليكم أن تنهضوا وتتحركوا”.
ووجه رسالة في هذا الصدد قائلا: “لا تتخلوا عن الأطفال هنا في غزة”.
** “الجميع جائعون”
وفيما يتعلق بالمجاعة في قطاع غزة، قال بصل إن كافة الفئات العمرية والمجتمعات تعاني من سياسة المجاعة التي تنتهجها إسرائيل.
وقال إن “المجاعة أثرت على الجميع: الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى وجميع فئات المجتمع”.
وأضاف: “النساء في غزة يعطين أطفالهن الماء بدلاً من إرضاعهم. لا يوجد طعام أو شراب”.
وأوضح أن الصحفي الذي يقدم تقارير عن المجاعة في العالم اليوم يعاني من الجوع تماما مثل الطبيب الذي يعالج الجياع والمصابين والمرضى.
وأشار إلى أن الأمر نفسه ينطبق على قوات الحماية المدنية التي تواصل عملها الإنساني وانتشال جثث القتلى من تحت الأنقاض وإنقاذ الجرحى.
ودعا العالم إلى التحرك والوقوف إلى جانب غزة ومعاناتها. وقال: “لا تصمتوا. الجميع يعاني من هذه السياسات الإسرائيلية”.
وأضاف: “في قلب المعاناة والألم والأزمة، أدعو كل الأحرار في العالم إلى عدم الصمت”.
“أنا أناشد كإنسان “
في 25 يونيو/حزيران، وجّه بصل رسالةً للعالم عبر صفحته على تيليجرام: “أنا محمود بصل من أنقاض قطاع غزة. أكتب إليكم ليس بصفتي متحدثًا رسميًا باسم الدفاع المدني، بل كشخصٍ يشاهد معاناة شعبه في صمت”.
وتابع: “أولادنا لا يسألون عن السياسة، بل يسألون فقط: أمي متى سنأكل؟”
وأشار إلى أن الأطفال لا يفهمون معنى الحصار، لكنهم “جياع”. كما أنهم لا يفهمون معنى العطش، لكنهم “يبكون من العطش”، كما جاء في الرسالة.
وتابع: “أصبح الخبز حلمًا والماء أمنية”، وتساءل: “هل أصبح تأمين لقمة العيش جريمة؟ هل من المعقول أن يموت الناس جوعًا في القرن الحادي والعشرين؟”
وأكد أن رسالته للعالم بسيطة: “افتحوا طريق الحياة للفلسطينيين في قطاع غزة، وأرسلوا لهم الطعام والماء، ودعوهم يعيشون مثل بقية الناس”.
بدعم من الولايات المتحدة، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية في غزة، مما أسفر عن القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة كل النداءات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لإنهاء الحملة.
خلّفت الإبادة الجماعية المدعومة من الولايات المتحدة أكثر من 205 آلاف قتيل وجريح في فلسطين، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 9 آلاف مفقود. إضافةً إلى ذلك، شُرّد مئات الآلاف، وأودت المجاعة بحياة الكثيرين.