كمية شحيحة وتوزيع مهين.. وقائع بغزة تفضح عبث إسرائيل بملف المساعدات

أعلنت إسرائيل، الأحد، تعليق المساعدات الإنسانية لقطاع غزة. وأفاد مصدر فلسطيني رسمي بأن المساعدات اقتصرت على شاحنتين فقط. واعتبرت حكومة غزة الخطوة الإسرائيلية “مسرحية هزلية مبنية على وعود كاذبة”. ودعا المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة إلى إدخال المساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية “للحفاظ على كرامة الفلسطينيين”. واعتبر الفلسطينيون في شمال قطاع غزة أن عمليات الإنزال الجوي تمثل “إهانة متعمدة”.
كشفت التصريحات والوقائع الرسمية خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية عن خداع إسرائيل: فقد سلمت مساعدات شحيحة للغاية إلى قطاع غزة، مدعيةً السماح بدخول شاحنات المساعدات إلى القطاع. وصرح مصدر فلسطيني بأن هذا ليس سوى “مسرحية” في ظل تفاقم المجاعة في قطاع غزة.
أعلن الجيش الإسرائيلي يوم الأحد عن “موافقته” على إسقاط مساعدات إنسانية محدودة جواً على غزة وبدء ما أسماه “تعليقاً تكتيكياً للأنشطة العسكرية” في مناطق معينة من غزة للسماح بمرور المساعدات الإنسانية، وسط الإبادة الجماعية والمجاعة التي ارتكبتها تل أبيب ضد أكثر من 2.4 مليون فلسطيني في الجيب المحاصر.
وتصف المنظمات والهيئات الدولية هذه الخطوة الإسرائيلية بأنها “تعزيز لوهم الإغاثة”، وتعتبرها تكتيكاً من قبل النظام الإسرائيلي لمواصلة استخدام الجوع كسلاح ضد السكان المدنيين.
**73 شاحنة فقط
وكان الدليل الأخير على استمرار المجاعة رغم الاتهامات الإسرائيلية هو بيان وزارة الصحة في قطاع غزة يوم الاثنين: “سجلت مستشفيات غزة 14 حالة وفاة جديدة بسبب الجوع وسوء التغذية خلال الـ24 ساعة الماضية، بما في ذلك طفلان منهكان من الجوع”.
وأضافت أن هذا يرفع إجمالي عدد الوفيات بسبب الجوع وسوء التغذية منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 147 شخصا، بينهم 88 طفلا.
فيما يتعلق بالمساعدات المزعومة، صرّح المكتب الإعلامي الحكومي في غزة يوم الأحد: “الواقع مُخزٍ… لم تصل سوى 73 شاحنة إلى شمال وجنوب قطاع غزة (هناك حاجة إلى 600 شاحنة يوميًا)، وقد نُهبت وسُرقت معظمها تحت أعين قوات الاحتلال وطائراتها المُسيّرة. رغبتهم الواضحة هي منعها من الوصول إلى مراكز التوزيع. وهذا جزء من سياسة مُصممة لإحداث الفوضى والمجاعة”.
وأضاف المكتب: “إن ما يحدث هنا هو مسرحية هزلية يتآمر فيها المجتمع الدولي ضد سكان قطاع غزة الجائعين من خلال وعود كاذبة أو معلومات مضللة تنشرها دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها (دونالد ترامب) الذي فقد ذرة من مصداقيته”.
وفيما يتعلق بالإسقاطات الجوية، أكد المكتب أنه “تم تنفيذ ثلاث عمليات إسقاط جوي في قطاع غزة بمجموع شاحنتين فقط من المساعدات، وأن حمولتها هبطت في مناطق قتالية حمراء خطيرة، كما هو موضح على خرائط الاحتلال (الإسرائيلي)، والتي يحظر على المدنيين الوصول إليها”.
وأشار إلى أن “الحل الجذري لا يكمن إلا في فتح المعابر بشكل عاجل وغير مشروط، وإنهاء الحصار الجائر (الإسرائيلي)، وإدخال الغذاء وحليب الأطفال إلى البلاد فوراً قبل فوات الأوان. إن العالم يواجه مسؤولية تاريخية”.
انتقدت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عمليات الإسقاط الجوي الإسرائيلية للمساعدات على غزة، مؤكدةً أنها “لن تُنهي” المجاعة المتفاقمة. جاء ذلك في تصريحٍ لجولييت توما، مديرة الإعلام والاتصالات في الوكالة، لصحيفة نيويورك تايمز، ونُشر على صفحة الأونروا على تويتر.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان يوم الأحد إن استئناف تسليم المساعدات الجوية “يعزز الوهم بالإغاثة بعد أشهر من المجاعة الجماعية، في حين تواصل الآلة الإسرائيلية استخدام الجوع كسلاح ضد السكان المدنيين”.
في مطلع مارس/آذار، انتهكت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حماس، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني، واستأنفت جرائمها الإبادة الجماعية. ومنذ ذلك الحين، رفضت إسرائيل جميع المبادرات الدولية والأممية والدعوات لوقف إطلاق النار.
قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في بيان لها يوم الاثنين إن جميع الفلسطينيين في قطاع غزة يعانون من الجوع، لكن الأطفال “عانوا أكثر من غيرهم. وحتى 25 يوليو/تموز، أفادت التقارير بوفاة 83 طفلاً بسبب سوء التغذية”.
وأضافت: “بدلاً من الذهاب إلى المدرسة، يُخاطر الأولاد والبنات بحياتهم أملاً في الحصول على ما يسد رمقهم. والآن، يجب السماح بدخول مساعدات كافية إلى البلاد”.
** الإذلال المتعمد
وعلى الصعيد الشعبي، رصدت وكالة الأناضول آراء بعض الفلسطينيين شمال قطاع غزة، الذين عبروا عن استيائهم مما وصفوه بـ”الإذلال المتعمد” تحت غطاء المساعدات الإنسانية.
كما أعربوا عن استيائهم من “طريقة توزيع المساعدات وقصورها التام”. ورفضوا بشدة أسلوب الإنزال الجوي، وطالبوا بتمكين المنظمات الدولية من توزيع المساعدات الإنسانية بجميع أشكالها بشكل مناسب وصادق، في ظل النقص في جميع مناحي الحياة في قطاع غزة.
قال محمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة، لوكالة الأناضول، إن إسقاط المساعدات جوًا يُشكل مخاطر عديدة على الفلسطينيين، منها خطر سقوطها في خيام النازحين أو في مناطق تمركز الجيش الإسرائيلي وإطلاقه النار عليهم بشكل متكرر.
وأشار بصل إلى أن هذه الطريقة تعد “تكتيكاً مهيناً” للفلسطينيين، مشيراً إلى أن المصابين وكبار السن لا يستطيعون السفر إلى هذه المناطق.
ودعا إلى إدخال المساعدات الإنسانية عبر المعابر وعبر المنظمات الرسمية والدولية، “بما يحترم كرامة المواطن الفلسطيني”.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية على غزة، تتضمن القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة كل النداءات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لإنهاء هذه الحرب.
خلّفت الإبادة الجماعية المدعومة من الولايات المتحدة أكثر من 204 آلاف قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 9 آلاف مفقود. وشُرّد مئات الآلاف، وأودت المجاعة بحياة الكثيرين، بمن فيهم عشرات الأطفال.