“شغف المسرح وجذور التجربة”.. المخرج سعيد سليمان والكاتبة ياسمين إمام في ضيافة القومي للمسرح

بقلم: منال الجيوشي
في إطار الأنشطة الفكرية للدورة الثامنة عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري، وتحت مظلة برنامج “وصلة” الذي يهدف إلى بناء جسور التواصل والحوار بين الأجيال المختلفة من العاملين في المسرح، التقى الجمهور في جلسة شيقة بين المخرج والكاتب المسرحي سعيد سليمان والكاتبة ياسمين إمام شغف، أدارها الناقد والأكاديمي الدكتور محمد أمين عبد الصمد.
افتتح الدكتور عبد الصمد اللقاء بنقاش حول خصوصية كل جيل مسرحي منذ ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم. وأشار إلى أن لكل جيل خصائصه ومفاهيمه وتجاربه التي أثرت على ممارساته الفنية والمسرحية. وأكد على أهمية مثل هذه اللقاءات التي تُسهّل تبادل الخبرات وتلاقي الرؤى.
كشف المخرج سعيد سليمان عن تفاصيل أول تجربة سينمائية له، وقال:
بدأت رحلتي مع المسرح في غرفة صغيرة بمركز شبابي. حينها، لم أكن قد قرأت سوى كتاب واحد عن المسرح لدوستويفسكي، وهو كتابٌ متمرد. وهكذا، بدأ المسرح بالنسبة لي موقفًا متمردًا. قدمتُ أول عرض مسرحي لي بعنوان “الصرخة” في غرفة بمركز الشباب. دعوتُ الدكتور أحمد سخسوس لمشاهدته. بعد العرض، أخبرنا أننا قدمنا عرضنا وفقًا للمعايير النقدية وطبقنا إحدى مدارس المسرح. فذهبتُ للبحث عنه.
ثم شرح كيف قادته هذه التجربة إلى استكشاف التراث الشعبي والتصوف في حلقات الذكر والموال، مما دفعه إلى صياغة ما أسماه “الأوبرا الشعبية”. وأكد أن كل عرض من عروضه يعكس تجربة داخلية وفكرية يعيشها، ويطرح تساؤلاته الفنية والوجودية.
وأضاف سليمان: “أثبتت تجربتي مع التراث الشعبي أن استكشاف التراث هو دائمًا صراع أيديولوجي. ففي قصة حسن ونعيمة، على سبيل المثال، تُصوَّر نعيمة كفتاة متمردة تتمرد على تقاليد القبيلة وتتمرد على سلطة والدها. تكشف هذه الحكايات الشعبية عن جوهر الإنسان وصراعاته الداخلية، وهذا تحديدًا ما أريد تصويره مسرحيًا”.
وأكد اهتمامه الشديد بجسد الممثل، قائلاً: “الممثل المتكامل هو مشروعي. أدرب الممثلين على العروض الجسدية والصوفية واليوغا، حسب نوع العرض، حتى يصبح جسد الممثل وسيلة تعبير متكاملة تصل إلى الجمهور دون وسطاء”.
روت الكاتبة ياسمين إمام شغف تجاربها، التي تراوحت بين القصة القصيرة والمسرح: “بدأتُ بكتابة اليوميات، ثم القصص القصيرة. في الجامعة، تعرضتُ لانتقادات لاذعة، لكنني استفدتُ منها وتطورتُ تدريجيًا من الشعر إلى القصة القصيرة، وأخيرًا إلى كتابة السيناريوهات، حتى كانت أهم محطاتي هي الانتقال إلى القاهرة”.
تتابع شغف: “في البداية، كنتُ مجرد متفرجة على المسرح، ثم انبهرتُ وبدأتُ بكتابة أول سيناريو مسرحي لي. كان مليئًا بالتجارب والتعديلات، بما في ذلك سيناريو “حذاء واحد يناسب الجميع”، الذي فاز بالمركز الثاني في جائزة ساويرس”.
تعتقد ياسمين أن التغيير الجذري في تجربتها حدث قبل عامين عندما بدأت تُركز على جودة النص بدلاً من مجرد كتابته. وتعتقد أن “قلقها الإبداعي” وتجاربها المستمرة دفعاها إلى الأمام.
ورفضت شغف تصنيف كتاباتها ضمن “الكتابات النسوية” وقالت:
أكتب عن الناس، عن التجربة الإنسانية بكل عمقها وتناقضاتها، لا عن النساء كفئة مستقلة. مشروعي الأدبي هو تصوير النساء كبشر، لا كنوع اجتماعي مُصاغ في قوالب نمطية مسبقة. لقد أكدتُ أن تصنيف الكاتبات حسب الجنس يُقصي التجارب الحقيقية، وأنني أريد كسر الحدود المصطنعة للإبداع النسائي.
كان لقاء سعيد سليمان وياسمين شغف مثيرًا وملهمًا. جمع بين خبرة فنانة مسرح تجريبي، وصوفية، وممثلة متعددة المواهب، وكاتبة تضع القيم الإنسانية والفنية في صميم مشروعها. ورغم اختلاف بداياتهما، اتفقا على أهمية الخوف الإبداعي، وعلى أن المسرح تجربة داخلية، تُعبّر عنها أعمال فنية تُخاطب الروح الإنسانية.
ويواصل مسلسل وصلة نجاحه ضمن المهرجان، مقدماً حوارات عميقة تكشف عن التحول الفني بين الأجيال، وتؤسس لحوار حقيقي يتجاوز الزمان والوسيلة ليصل إلى جوهر المسرح كشكل فني حي، ينبض بالتجدد.