طالبان فقط في 14 عامًا.. لماذا تغيب السويس عن قائمة أوائل الجمهورية؟

السويس – حسام الدين أحمد :
تتنافس المحافظات المصرية على استقطاب أفضل الطلاب. بعد العاصمة، استحوذت محافظة المنوفية على نصيب الأسد، حيث تفوق ستة طلاب في كلٍّ من المادتين العلمية والأدبية. مع ذلك، لم تُدرج محافظات القناة وسيناء وصعيد مصر في قائمة هذا العام .
ورغم أن غياب أغلب هذه المحافظات مؤقت، إلا أن طلاب محافظة السويس غائبون باستمرار عن التصنيفات خلال السنوات العشر الماضية، ونادراً ما يتم تمثيلهم في التصنيفات .
اثنان فقط في 14 سنة
من عام ٢٠١١ إلى عام ٢٠١٩، لم ينضم إلى قائمة المتفوقين في المرحلة الثانوية سوى طالبين من السويس. الأول هو أحمد كمال سيد البقلي، الذي حقق المركز الرابع في العلوم والرياضيات عام ٢٠١١ بمجموع ٤٠٠ ، ليعود السويس إلى القائمة بعد غياب دام ١١ عامًا . وصرح أحمد كمال لموقع ايجي برس قبل أربع سنوات أن العام الدراسي لم يكن سهلًا، وأن نظام الامتحانات الجديد كان تجربة غير مألوفة للطلاب .
الطالبة الثانية هي منى الله غريب، الحاصلة على المركز السادس في الفنون العام الماضي . تنحدر منى من عائلة متوسطة الحال. والدها مُعلّم متقاعد، ووالدتها مُعلّمة في المرحلة الثانوية. فضّلت الطالبة التعلّم عن بُعد وحضور الحصص على الدروس الخصوصية. مع ذلك، قبل شهر من الامتحان، لم تتلقَّ سوى درس خصوصي واحد في مادة واحدة .
الأسباب والآثار
يُجري المعلمون تحقيقاتٍ حول الأسباب الكامنة وراء استمرار غياب السويس عن قائمة الطلاب المتفوقين ، كاشفين عن عوامل قد تُشير إلى خللٍ في النظام التعليمي. وقد ساهمت الأسرة في هذا الخلل من خلال الخوف أو الجهل، في حين تراجع دور المدارس في السنوات الأخيرة، وأصبح الحضور إلى المدرسة مُضيعةً للوقت في نظر أولياء الأمور والطلاب .
يبدأ أنور فتح الباب، الرئيس السابق لمديرية تعليم جنوب السويس ومعلم التاريخ، عرضه حول التراجع العام في التعليم بالسويس موضحًا أن طلاب المرحلة الثانوية لم يعودوا يشعرون بالارتباط بالمدرسة، وأن الدروس الخصوصية تُمثل بديلًا فعالًا لهم ولأسرهم. في الوقت نفسه، تعتمد هذه الأسر على المعلمين الذين يحشرون أعدادًا كبيرة من الطلاب في مراكز الدروس الخصوصية دون تقديم أي فائدة تعليمية حقيقية لهم ، ويركزون فقط على حل الامتحانات دون طرح أفكار جديدة .
تغيير شكل الامتحان والخروج من الكفاءات
يضيف أنور فتح الباب أن أسئلة امتحانات الثانوية العامة قد تغيرت منذ عام ٢٠١٨ ، مما أدخل العديد من المتغيرات والأفكار التي لم يتناولها مدرسو الدروس الخصوصية في السويس. فهم يعتمدون على الطريقة التقليدية ويركزون على القدرة على حل الامتحانات وفقًا لقواعد الامتحان القديمة. وقد اتضحت عواقب ذلك عندما فوجئ العديد من الطلاب، بسبب تغيير صيغة الأسئلة، بأسئلة امتحانية لم يروها من قبل. حتى في المواد التي لم تكن تتلقى أي شكاوى سابقًا، مثل اللغة العربية، بدأ الطلاب في الشكوى، وخاصة من أهمية المفردات، لأن المعلمين لم يأخذوا في الاعتبار التغييرات في أسئلة الامتحان القائمة على التنوع والتغيير المستمر والمنهجيات الجديدة .
كما صرّح وزير التربية والتعليم السابق بأن منظومة التعليم في السويس فقدت العديد من معلميها. تقاعد العديد من المعلمين المرموقين الذين مثّلوا الأفكار التأسيسية، وظهر جيل جديد يُوجّه التعليم نحو قوى السوق أكثر من مبادئ الجودة. ونتيجةً لذلك، يفشلون في إيصال المعرفة الحقيقية للطلاب. وأضاف أن هذا يعكس غياب القيم التربوية لدى جيل لا يهتم إلا بالدروس الخصوصية، ويعتبر الامتحانات الحل الوحيد .
لا يُعفي مُعلّم التاريخ السابق العائلة من مسؤوليتها. يقول إنه حتى لو كانت الدروس الخصوصية حتمية، فإن العائلة لا تُريد مُعلّمًا يُفيد الطالب، بل تبحث عن “نجوم” ومُعلّمين مشهورين، وتبدأ عمليات الحجز قبل أشهر من دخول الطالب الصف الثالث الثانوي، دون النظر في كفاءة المُعلّم .
الدروس الخصوصية هي بديل للدراسة.
وأضاف أن الأسرة قضت جزءًا كبيرًا من حياة الطالب في حضور الدروس الخصوصية، فأصبحت هذه الدروس ليست بديلاً عن المدرسة فحسب، بل بديلاً عن التعلم والتحصيل الدراسي، اللذين كانا مهمة فردية تقع على عاتق الطالب وحده. ونتيجةً لذلك، كان الطالب يتنقل بين المراكز طوال اليوم، بمعدل حصتين إلى ثلاث حصص يوميًا، دون أن يكون لديه وقت للدراسة أو قاعدة معرفية. وقد أدى ذلك إلى انتشار ظاهرة الغش، التي أصبحت نموذجًا عامًا لا نموذجًا محددًا، إذ كان الطالب يعتمد على غش طالب آخر في اللجنة لديه نفس المعلومات الضئيلة دون إتقان التعلم أو فهم المادة .
عوامل أخرى
تشير أمل محمود، معلمة لغة عربية، إلى أن جودة التعليم في السويس آخذة في التدهور منذ عام ٢٠٢٠. فقد الطلاب اهتمامهم وحماسهم للحضور المدرسي، الذي كان في السابق أولوية قصوى. وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، نقل أولياء الأمور أبناءهم من المدارس الحكومية إلى مدارس خاصة لا تولي اهتمامًا بالحضور، وأصبحت الدروس الخصوصية المصدر الوحيد للمعلومات .
تؤكد أمل محمود أن بعض الطلاب اشتكوا من اكتظاظ الفصول. كانت الفصول تضم ما بين 35 و 40 طالبًا. أما في مراكز الدروس الخصوصية، فكان العدد ضعف ذلك، بل يتجاوز أحيانًا 100 طالب. ورغم ازدياد العدد أثناء التحضير للامتحانات، إلا أن الطلاب كانوا قادرين على التكيف .
فقدان الطموح
وأوضح مسؤول اللغة العربية أن عمل بعض الشباب في وظائف لا تتطلب شهادة جامعية مرموقة وتدر دخلاً مرتفعاً، دفع العديد من الطلاب إلى فقدان طموحهم في العمل الجاد لتحقيق أعلى الدرجات التي تؤهلهم للالتحاق بكليات الطب والهندسة والصيدلة. ويعزز هذا الشعور التحاق الكثير منهم بالتخصصات التي يرغبون بها، ولكن في جامعات خاصة. ولذلك، فإن فقدان نقطة أو خمس أو حتى عشر نقاط في كل تخصص لم يُضعف رغبتهم .
تُشير أمل محمود إلى سبب آخر لتراجع ترتيب السويس في القائمة، وهو قلة عدد طلابها. إذ لا يتجاوز عدد طلاب محافظة السويس 4500 طالب، وهذا العدد القليل يُقلل من احتمالية ظهور عباقرة ومتفوقين بدرجات تُضعهم بين الأفضل في البلاد. لذلك، نادرًا ما يحصل طالب على أكثر من 310 نقاط، وهو أقل من درجة طالب في المركز العاشر، سواءً في العلوم أو الرياضيات أو الأدب .
الرفاهية المفرطة
تعتقد نجوى عبد الغفار، معلمة الصف الأول الثانوي، أن الأزمة الحقيقية التي يواجهها طلاب السويس تكمن في اعتبارهم المرحلة الثانوية مرحلة عابرة ستمر مهما طال الزمن، وأن رب الأسرة يستطيع إرسالهم إلى مدرسة خاصة. ورغم الرفاهية التي تحاول الأسر توفيرها لأبنائها وغرس المسؤولية فيهم، إلا أن بعض الطلاب ينشغلون بما يملكون، ويهتمون بتفاهات الأمور، ويهملون محتوى الكتب الدراسية. ويتحقق حلم الالتحاق بجامعة مرموقة، ولكن ليس بالاجتهاد والدراسة، بل بالمال .