تفطر القلوب غزة.. أطفال لا يستطيعون البكاء من شدة الجوع ويموتون بين يدي ذويهم وعالم يراقب بفزع وجزع

تُثير مشاهد وقصص قطاع غزة قلقًا ورعبًا عالميًا. إنها مشاهد غير مسبوقة في تاريخ البشرية، وسط عجز دولي غير مفهوم، وتساؤلات حول مدى الانحطاط والانهيار الأخلاقي للبشرية. في سيناريو لا يليق بالقرن الحادي والعشرين، أصبحت أجنحة مستشفيات غزة أجنحة موت بطيء، حيث يستسلم الضحايا واحدًا تلو الآخر للجوع. تُحذر تقارير الأمم المتحدة من “أسوأ كارثة إنسانية” في العصر الحديث، بينما تكشف الوثائق الطبية تفاصيل مروعة عن وفيات كان من الممكن تجنّبها بأدوية لا تتجاوز قيمتها دولارين.
ساد صمتٌ مرعبٌ قسم الأطفال بمستشفى أصدقاء المريض شمال غزة لمدة أسبوع، حيث توقفت قلوب خمسة أطفال عن النبض – ليس بسبب القصف أو المرض، بل بسبب الجوع الشديد. لم يكن الأطفال يعانون من مرضٍ مزمن، بل ماتوا لأن أجسادهم الصغيرة لم تستطع تحمّل شبح الجوع.
ارتفعت حصيلة الوفيات جراء الجوع وسوء التغذية في قطاع غزة إلى 113 شخصا، بينهم 81 طفلا، بعد تسجيل حالتي وفاة جديدتين خلال الـ24 ساعة الماضية، بحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم الخميس.
أعلنت وزارة الصحة في غزة وفاة 48 شخصًا على الأقل، بينهم 20 طفلًا، بسبب سوء التغذية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية وحدها. وفي الأشهر الخمسة الأولى من العام، لم يتجاوز عدد الوفيات 10 أطفال.
أفادت الدكتورة رنا صبوح من منظمة ميدغلوبال الأمريكية أن الأطفال يُدخلون المستشفيات في مرحلة حرجة غير مسبوقة: “هؤلاء الأطفال لا يستطيعون البكاء. أجسادهم ضعيفة، وعيونهم غائرة، وأطرافهم كالعصي. نشهد أشكالاً جديدة من الموت”.
في الجناح المكتظ، يتشارك 19 طفلاً أسرّةً متداعية، بعضهم لا يتجاوز عمره 11 أو 12 عامًا – وهي فئة لم تكن تُعتبر سابقًا معرضة لخطر الموت جوعًا. في المستشفيات، يُقرر الطاقم الطبي من يتلقى العلاج أولًا. ويعتمد القرار على توافر الحقن أو المغذيات، التي تُعطى الآن بالقطارة.
عُثر على جثتي رجل وامرأة في قسم الطوارئ بمستشفى الشفاء، وعليهما علامات جوع واضحة. أحدهما كان يعاني من مرض السكري، والآخر من أمراض القلب. وقد أدى نقص المواد الغذائية الأساسية إلى وفاتهما.
توفيت سيوار، البالغة من العمر أربع سنوات ونصف، بسبب نقص البوتاسيوم في وحدة العناية المركزة بعد ثلاثة أيام فقط. ولم تجد المستشفيات أي علاج سوى إعطاء سوائل وريدية منخفضة التركيز.
يزن، البالغ من العمر عامين، مجرد هيكل عظمي. تُطعمه عائلته “ماء الباذنجان” بتسعة دولارات للوجبة، بعد أن عجزوا عن شراء الحليب أو الطعام.
حتى الممرضات يحقنن أنفسهن بالسوائل عن طريق الوريد حتى يتمكنّ من مواصلة العمل على الرغم من الجوع والإرهاق.
يُقدر أن 90% من سكان غزة يعانون من الجوع. وقد توفي 13 طفلاً على الأقل جوعاً في يوليو/تموز، بينما ارتفع إجمالي عدد الوفيات الناجمة عن سوء التغذية منذ بداية العام إلى 21 طفلاً دون سن الخامسة. ويحتاج 100 ألف طفل وامرأة آخرين إلى العلاج.
وتؤكد الأمم المتحدة أن عمليات إنقاذ قطاع غزة تعوقها الحصار العسكري المستمر والقيود الصارمة على استيراد الغذاء والدواء.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن رضيعًا في غزة، عمره أحد عشر شهرًا، يزن أربعة كيلوغرامات فقط، وأن أمه لا تستطيع إرضاعه بينما يتركه الأطباء “يموت جوعًا”. وذكرت بي بي سي أن واحدًا من كل خمسة أطفال في غزة يعاني من جوع شديد، بينما ذكرت صحيفة التايمز أن أذرع وأرجل أطفال غزة نحيلة كالعصي، وأن الآباء يحدقون في أجساد أطفالهم الذائبة.
سي إن إن تسأل: “هل نتنياهو يستمع؟ مكالمة من ترامب قد تغير الوضع”.
لا أحد في غزة بمنأى عن الجوع، يقول الدكتور أحمد الفرا، رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر. “حتى أنا، كطبيب، أضطر لشراء الدقيق لعائلتي”.
تقول خديجة المطوق، وهي أم تعيش في خيمة: “أتجول في الشوارع بحثًا عن طعام لأطفالي. كشخص بالغ، أستطيع تحمل ذلك، لكن أطفالي لا يستطيعون”.
تعيش بعض العائلات على علف الحيوانات أو تبحث عن بقايا الطعام في القمامة. لا يُطعم الأطفال سوى ماء العدس والأرز الأبيض. يتناول العاملون في مجال الرعاية الصحية عشر ملاعق من الأرز يوميًا لتأمين قوت يومهم خلال نوبات عملهم الطويلة.
بينما تقرأون هذا التقرير، ربما يكون طفل قد مات جوعًا في غزة. لم يعد السؤال: “هل هناك مجاعة؟”، بل: “كم طفلًا سيموت قبل أن يتحرك العالم؟”