“أخشى أن أخرج للبحث عن الطعام فأعود جثة”.. روايات غزيين حول معاناتهم مع الجوع

في قطاع غزة المحاصر، لم يعد هناك ما يشبه الحياة. أصبح الجوع موتًا آخر. يتسلل إلى خيام النازحين، منهكًا أجسادهم، ويحرم الآباء من إطعام أطفالهم.
وتتحدث التقارير الحية من هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن المعاناة المستمرة التي يعيشها سكان قطاع غزة بسبب القيود الإسرائيلية على إيصال المساعدات ونقص الغذاء وانعدام أي وسيلة للبقاء على قيد الحياة.
يقول أحد سكان قطاع غزة المحاصر، وقد امتلأ قلبه بالخوف والألم: “أشعر أنني سأخرج يومًا ما لأُحضر الطعام لأطفالي. سأحمل حقيبة أضع فيها ما أجد من طعام. لكنني سأعود إليهم جثةً ممزقةً في الحقيبة نفسها، محمولةً على ظهور الناس”.
“حتى الآن، كنت أفتقر إلى الضروريات الأساسية للحياة. بصراحة، لم أتناول أي شيء”، هذا ما قاله لبي بي سي.
أكد رجل آخر استحالة الحصول على الطعام. ولخص الوضع قائلاً: “نبحث عن الخبز لإطعام أطفالنا. نريد أشياء كثيرة، لكن لا نملك المال لشرائها. الأسعار باهظة، ونحن محاطون بالصعوبات من كل جانب. الحياة أصبحت لا تُطاق”.
سمعنا شهاداتٍ كثيرة عن الوضع في غزة، لكن بعض من قابلناهم رفضوا الحديث عن جوعهم. قال أحدهم بيأس: “قصصنا تُروى في جميع وسائل الإعلام، لكننا لم نحقق شيئًا”. وتابع: “المجاعة تتفاقم يومًا بعد يوم، بلا أمل”.
تبدو المأساة أشد وطأة على إحدى الأمهات التي أخبرتنا عن ابنها الذي ترى جسده يتلاشى يومًا بعد يوم. قالت الأم: “كان وزنه 40 كيلوغرامًا، والآن يزن 10 كيلوغرامات فقط”. وأضافت: “أصرخ وأموت ألف مرة يوميًا عندما أرى أنه لم يعد قادرًا على المشي، بعد أن كان يتحرك ويلعب كأي طفل طبيعي”.
ليس لدينا فطور، ولا غداء، ولا عشاء. أهم شيء بالنسبة لي هو إطعام أطفالنا؛ لا يهم إن أكلنا أم لا. ابنتي تبكي من الجوع… نأمل أن تُفتح المعابر وأن نحصل على الإغاثة، كما تقول أم منور، وهي أم لخمسة أطفال.
اشتكى أحد المواطنين من غلاء أسعار حتى أبسط المواد الغذائية: “الدقيق والعدس، وحتى الفلافل، أصبحت أسعارها باهظة. كنا نشتري الباذنجان، ونطبخه، ونأكله عاديًا. نحن منهكون تمامًا من قلة الطعام، ولا حل لنا”.
لخّصت امرأة أخرى الوضع قائلةً: “تريد أن تعجن، فتُحضر 100 غرام من الدقيق وتُضيف العدس إن وُجد. الخبز أساس غذائنا، وهو غير متوفر. الأطفال لا يجدون ما يكفيهم من الطعام، والأسعار مرتفعة، والدخل معدوم. الناس لا يستطيعون المشي أو الوقوف”.
نبيل أبو جراد، 76 عامًا، من بيت حانون، وصف معاناته لبي بي سي: “لم آكل خبزًا منذ أكثر من 15 يومًا، حساء فقط. لا أستطيع الوقوف من الجوع والدوار بسبب انخفاض سكر الدم. كفى يا ناس. والله، نحن منهكون ونموت”.
“لن تشفى جروحي لأنني أحتاج فقط إلى قطعة من الخبز.”
مع استمرار معاناة سكان قطاع غزة من نقص الغذاء وانتشار المجاعة، صرّح طبيب ميداني لبي بي سي بارتفاع ملحوظ في حالات سوء التغذية، التي لا تقتصر على الأطفال فحسب، بل تشمل البالغين أيضًا. وأوضح: “لدينا حوالي 20 مريضًا يعانون من سوء تغذية حاد. علاج هذه الحالات صعب للغاية نظرًا لنقص الأدوية والمستلزمات الطبية”.
يتحدث فتى في السابعة عشرة من عمره، أصيب في الحرب، من سريره في المستشفى: “الأوضاع سيئة للغاية. لا يوجد طعام ولا دواء. أعاني من سوء التغذية، وجرحي لا يلتئم لأني أحتاج إلى الطعام. لا أطلب سوى قطعة خبز”.
قالت والدة مصعب الدبس: “كان وزن ابني 40 كيلوغرامًا، أما الآن فقد أصبح وزنه أقل من 10 كيلوغرامات. وهو يرقد في العناية المركزة بمستشفى الشفاء، ولكن لا يوجد دواء ولا ماء ولا طعام ولا حتى حليب للأطفال في غزة”.
آية يوسف إسبيتة، البالغة من العمر خمسة عشر عامًا، أُصيبت وفقدت ذراعها في هجوم بقنبلة على خيمة للنازحين. قالت لبي بي سي: “غزة غير صالحة للسكن. نعاني من المجاعة. سعر كيلو الأرز 75 دولارًا. أنا مصابة وأحتاج إلى البروتين والمكملات الغذائية، لكن لا يتوفر أي منها. لا أستطيع مغادرة المستشفى”.
ماذا يحدث لجسم الإنسان عندما يتوقف عن الأكل بشكل كامل؟
خلال الأيام الثلاثة الأولى من الصيام، ستبدأ بفقدان الوزن. ومع ذلك، يستطيع جسمك التكيف مع مقدار معين من فقدان الوزن. أما إذا تجاوزت الثلاثة أيام، فستنخفض درجة حرارة جسمك، وستشعر بالخمول والإرهاق.
وفي وقت لاحق، تحدث تأثيرات على الكبد والكلى، مما يضعف قدرة الجسم على تنظيم ضغط الدم ويؤدي إلى فقدان الوعي.
وفي مرحلة لاحقة، يعاني الشخص المصاب من أمراض مثل الإسقربوط والبلاجرا بسبب نقص الفيتامينات والمعادن، حتى تفشل جميع أعضاء الجسم تدريجياً في النهاية، باستثناء الدماغ.
يعتمد بقاء الشخص على قيد الحياة على وزنه، واحتياطيات الدهون في جسمه، وظروفه الصحية. ومع ذلك، عادةً ما يموت الشخص عندما يصل إلى نصف وزنه الطبيعي (الذي يُقاس بمؤشر كتلة الجسم)، بعد حوالي 45 إلى 61 يومًا من الامتناع التام عن الطعام.
قد تكون النساء أكثر قدرة على مقاومة الجوع من الرجال.
في الواقع، لا. يؤثر الجوع على الطول، ويؤدي على المدى الطويل إلى تقزم النمو. ولوحظ أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين سنة وثلاث سنوات كانوا أقصر من أقرانهم بحوالي 2.1 سم خلال المجاعة التي ضربت الصين بين عامي 1959 و1961. كما انخفض مستواهم التعليمي، وارتفع معدل الإجهاض بين النساء خلال المجاعة.
في مناطق الحرب، يستخدم مصطلح “المجاعة” للضغط على السكان المدنيين من خلال حرمانهم من الغذاء والماء وإجبار الأطراف المسؤولة عن حياتهم – سواء كانت منظمات أو دول – على الخضوع سياسياً أو عسكرياً.