ماذا يفعل الجوع بالجسد؟ رحلة البقاء القاسية في زمن المجاعة

عندما يفتقر جسم الإنسان إلى السعرات الحرارية اللازمة لوظائفه الحيوية، يدخل في حالة تُعرف علميًا باسم المجاعة. تحدث هذه الحالة عند نقص حاد في الغذاء أو عدم كفاية تناول العناصر الغذائية، فيستنزف الجسم احتياطياته تدريجيًا في صراعه من أجل البقاء.
لم يعد هذا السيناريو المروع مستبعدًا، إذ يواجه سكان غزة حاليًا ضائقة شديدة بسبب الحصار المستمر ونقص الإمدادات. كثيرون غير قادرين على الحصول على الغذاء والماء، مما يحول الأزمة إلى مجاعة شاملة تهدد الأرواح وتُعرّض الجسم لإجهاد قاتل. وهذا يؤدي إلى اعتلالات صحية ومخاطر صحية للبالغين والأطفال.
فيما يلي نستعرض ما يمكن أن يتعرض له جسم الإنسان عند التعرض للمجاعة، بحسب موقع Healthline الطبي.
لماذا يختلف وقت البقاء على قيد الحياة؟
عندما يكون الحرمان من السعرات الحرارية شديدًا، يُغيّر الجسم أنماطه السلوكية لتقليل استهلاك الطاقة والبقاء على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة. إذا انقطع تناول الطعام مجددًا، فإن هذه الحالة تؤدي في النهاية إلى الوفاة. لا يعرف الخبراء على وجه التحديد المدة التي يمكن أن يعيشها الشخص بدون طعام، لكن تقارير الحالات تُظهر أن أشخاصًا قضوا ما بين 8 و21 يومًا بدون طعام أو ماء. تستند هذه التقديرات إلى حوادث واقعية، مثل الناجين تحت الأنقاض أو المدفونين أحياءً، لأن التجارب البشرية المباشرة على هذا الموضوع غير أخلاقية.
العوامل المؤثرة على مدة البقاء على قيد الحياة
تعتمد مدة بقاء الشخص على قيد الحياة دون طعام أو ماء على عوامل عديدة، منها العمر والصحة العامة وكمية الماء الكافية. يُعدّ الغذاء والماء ضروريين لسلامة أداء أجهزة الجسم. وتعمل وظائف الجسم على أكمل وجه باتباع نظام غذائي متوازن وكمية كافية من السوائل يوميًا. ومع ذلك، بفضل التغيرات الأيضية والحفاظ على الطاقة، يستطيع الجسم التكيف والبقاء على قيد الحياة لعدة أيام دون ماء، وأحيانًا لأسابيع دون طعام.
كيف يستطيع الإنسان أن يبقى على قيد الحياة لعدة أيام بدون طعام؟
قد يبدو الصيام لأيام أو أسابيع دون طعام أو شراب غريبًا أو غير منطقي للبعض، خاصةً وأن الصيام ليوم واحد أو لعدة ساعات قد يؤدي إلى الغضب أو الإرهاق. مع ذلك، فإن جسم الإنسان قادر على التكيف مع الحرمان من الطعام لفترات قصيرة أو طويلة، كالصيام أو اتباع الحميات الغذائية. غالبًا ما يتمكن البالغون الأصحاء من إكمال صيامهم ومواصلة أنشطتهم. لا توجد قاعدة ثابتة بشأن مدة الصيام، إذ تختلف من شخص لآخر ومن حالة لأخرى.
الحد الأقصى للبقاء على قيد الحياة
يُقدّر بعض الخبراء أن أقصى مدة للبقاء على قيد الحياة بدون طعام هي حوالي أسبوع واحد. إذا كان الجسم لا يتوفر لديه سوى الماء بدون طعام، فيمكن تمديد فترة البقاء على قيد الحياة إلى حوالي شهرين إلى ثلاثة أشهر بفضل قدرة الجسم على تعديل استهلاكه من الطاقة. ومع ذلك، فإن انخفاض استهلاك السعرات الحرارية يُقلل من متوسط العمر المتوقع بمرور الوقت. أظهرت دراسة أجريت عام ٢٠١٨ أن انخفاض مؤشر كتلة الجسم (BMI) عن ١٨.٥ يزيد من خطر سوء التغذية ويُقلل متوسط العمر المتوقع بمعدل ٤.٣ سنوات للرجال و٤.٥ سنوات للنساء. ويعود ذلك إلى ضعف جهاز المناعة، ومشاكل في الجهاز الهضمي، وزيادة خطر الإصابة بالسرطان.
كيف يستخدم الجسم احتياطياته؟
بعد حوالي ٢٤ ساعة من الصيام، يُعيد الجسم تنظيم إنتاجه للطاقة. عادةً، يحتاج الجسم إلى الجلوكوز من الطعام. خلال أول ٢٤ ساعة من الصيام، يستخدم الجسم مخزون الجليكوجين في الكبد والعضلات لإنتاج الجلوكوز. في اليوم الثاني، يبدأ هذا المخزون بالاستنزاف، ويبدأ الجسم بتفكيك أنسجة العضلات للحصول على الطاقة. مع ذلك، ولأن الجسم يحاول الحفاظ على أكبر قدر ممكن من كتلة العضلات، فإن هذه العملية لا تدوم طويلًا.
الدخول في الحالة الكيتونية
لتقليل فقدان العضلات، يلجأ الجسم إلى الدهون المخزنة، محولاً إياها إلى مركبات كيتونية للحصول على الطاقة. تُسمى هذه الحالة بالكيتوزية. خلال الأيام الخمسة الأولى من الصيام، يمكن للشخص أن يفقد من 1 إلى 2 كجم يوميًا، ويعود ذلك أساسًا إلى فقدان الماء واختلال توازن الإلكتروليتات. على مدار الأسابيع، ينخفض فقدان الوزن إلى 0.3 كجم يوميًا. كلما زادت نسبة الدهون في الجسم، طالت فترة الصيام. ومع ذلك، بمجرد استنفاد الدهون، يعود الجسم إلى تكسير العضلات كمصدر أخير للطاقة.
الأعراض والمضاعفات الخطيرة
مع الحرمان المطول من الطعام، تظهر أعراض خطيرة، حيث يستخدم الجسم العضلات للحصول على الطاقة. يتطلب الأمر مراقبة طبية دقيقة. يُسلّط تقرير نُشر في المجلة الطبية البريطانية الضوء على أهمية مراقبة الأفراد الذين يفقدون 10% من وزنهم الأصلي، أو الذين ينخفض مؤشر كتلة الجسم لديهم إلى 16.5 أو أقل. تُحذّر المجلة من أن الأعراض الخطيرة تبدأ بالظهور عند فقدان 18% من الوزن.
تشمل مضاعفات الجوع الإغماء والدوار. التدهور المعرفي انخفاض ضغط الدم بطء القلب ضعف عام وإرهاق شديد أمراض الغدة الدرقية ألم في البطن اختلال توازن الملح خطر الإصابة بقصور القلب أو فشل الأعضاء الأخرى.
خطر إعادة التغذية السريعة
بعد انتهاء الصيام، لا يُمكن العودة فورًا إلى التغذية الطبيعية. يحتاج الجسم إلى استئناف تدريجي لتناول الطعام تحت إشراف طبي لتجنب متلازمة إعادة التغذية. قد تُسبب هذه الحالة الخطيرة مضاعفات في القلب والجهاز العصبي، واختلالًا في توازن الأملاح، وانتفاخًا شديدًا.
أهمية الماء لإطالة الحياة
شرب كمية كافية من الماء يُطيل العمر خلال المجاعة. فبينما يستطيع الجسم تعويض فقدانه للطعام داخليًا، إلا أنه لا يتحمل الجفاف المستمر. يبدأ الفشل الكلوي بعد عدة أيام من الجفاف. تشير الدراسات إلى أن المضربين عن الطعام يحتاجون إلى لتر ونصف من الماء ونصف ملعقة صغيرة من الملح يوميًا للحفاظ على توازن الأملاح في الجسم.
الآثار طويلة المدى للمجاعة
وقد يعاني الناجون من المجاعة من عواقب طويلة الأمد، بما في ذلك توقف النمو عند الأطفال، وهشاشة العظام، واضطرابات الصحة العقلية مثل الاكتئاب أو الصدمة.
قبل الموت، قد يفقد الجسم رغبته في الأكل والشرب. تتضاءل هذه الرغبة مع تدهور وظائف أجهزة الجسم تدريجيًا. في بعض الحالات، قد يُسبب الأكل أو الشرب ألمًا أو يُفاقم الحالة.