السفيرة منى عمر: مصر قادرة على الحسم العسكري في سد النهضة.. لكنها تمنح الأولوية للدبلوماسية |حوار

منذ 2 شهور
السفيرة منى عمر: مصر قادرة على الحسم العسكري في سد النهضة.. لكنها تمنح الأولوية للدبلوماسية |حوار

بقلم – محمد جعفر:

تصوير – محمد معروف

صرحت السفيرة منى عمر، نائبة وزير الخارجية السابقة للشؤون الأفريقية، بأن مصر تتعامل مع أزمة سد النهضة الإثيوبي بأقصى درجات الحكمة والدبلوماسية، وتسعى للتوصل إلى حل سياسي حتى اللحظة الأخيرة. وفي الوقت نفسه، لن تتنازل مصر عن حقوقها المائية، وتحتفظ بحق الرد في حال تعرض مصالحها للخطر.

في مقابلة مع ايجي برس، أضاف عمر أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بشأن افتتاح السد في سبتمبر لم تُمثّل تطورًا فعليًا للأزمة، بل كانت جزءًا من دعاية داخلية. وأكد أن مصر، وإن كان لديها خيار حلّ المسألة عسكريًا في غضون دقائق، فإنها لن تُلجأ إلى هذا الخيار إلا بعد استنفاد جميع خيارات التفاوض. وفيما يلي نص المقابلة:

أولا، كيف تقيمون الوضع في الدول الأفريقية في السنوات الأخيرة، وخاصة فيما يتعلق بالأمن والاقتصاد؟

برأيي، شهدت القارة الأفريقية تطورات ملحوظة في السنوات الأخيرة تدعو إلى التفاؤل. فبينما لا تزال بعض مناطق الصراع قائمة، إلا أن حدتها انخفضت مقارنةً بالماضي. وقد طرأ تحسن ملحوظ على السلام والأمن. وبينما لا تزال بعض الحركات الإرهابية نشطة، إلا أنها اقتصرت على مناطق محددة، وانخفضت أنشطتها بشكل ملحوظ. ولم يعد خطر القرصنة في البحر الأحمر أو قبالة سواحل الصومال كما كان في السابق. حتى حركة الشباب فقدت الكثير من قوتها هناك، وكذلك بوكو حرام في نيجيريا. كل هذه مؤشرات إيجابية على أن القارة تسير نحو مزيد من الاستقرار.

وهناك أيضاً أمثلة ناجحة في المجال الاقتصادي، مثل رواندا التي أصبحت نموذجاً لمعدلات النمو والتنمية، فضلاً عن عدد من البلدان التي تحسنت فيها مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير، وبُذلت فيها جهود حقيقية إلى جانب جهود حقيقية بشأن قضايا المناخ والخدمات العامة.

كيف تقيم تحركات مصر في أفريقيا بعد 2013؟

فيما يتعلق بنشاط مصر في القارة، شهدت سياستها الخارجية تجاه أفريقيا نقلة نوعية منذ عام ٢٠١٣. ولعل أبرز إنجازاتها خلال هذه الفترة هو العودة القوية للدبلوماسية الرئاسية، وهو ما افتقدناه طويلاً. فبينما لم تكن مصر غائبة عن القارة، كان تمثيلها الرئاسي محدودًا، مما أعطى البعض انطباعًا خاطئًا بغيابنا. أما اليوم، فالوضع مختلف تمامًا؛ فقد أولى الرئيس السيسي هذه القضية أولوية، وأصبحت مصر تتمتع بحضور قوي وفعال في القارة.

تجدر الإشارة أيضًا إلى أن القيادة السياسية أتاحت للقطاع الخاص المصري فرصة المشاركة في مشاريع كبرى في القارة. ويمثل الرئيس أفريقيا الآن في العديد من المحافل الدولية، مما منحنا نفوذًا سياسيًا جديدًا. ولم يغفل الرئيس معالجة المشكلات الجوهرية لشعوب القارة، مثل ديون الدول الأفريقية، بل أبرزها كواحدة من أهم التحديات في كل فرصة. لذلك، يمكن القول إن العلاقات المصرية الأفريقية شهدت تحولًا نوعيًا منذ عام ٢٠١٣، استنادًا إلى التبادلات المباشرة والمصالح المشتركة.

ما هو الوضع الراهن للنفوذ الدولي في أفريقيا؟ هل لا تزال القوى التقليدية، كأوروبا، مهيمنة؟

في الواقع، بفضل ثرواتها الطبيعية والبشرية الهائلة، أصبحت أفريقيا موضع تنافس حاد بين مختلف القوى الدولية. تضم أفريقيا أكبر عدد من الشباب في العالم، بينما تعاني قارات مثل أوروبا والولايات المتحدة من شيخوخة السكان. لذلك، يمكن القول إن أفريقيا هي “قارة المستقبل”.

لطالما كانت الصين محط أنظار القوى العالمية، لكنها تتمتع حاليًا بأكبر نفوذ بفضل تسهيلاتها المالية واستثماراتها في البنية التحتية، بدءًا من الطرق والموانئ ووصولًا إلى القروض والمشاريع الكبرى. ويتجاوز هذا النفوذ الصيني نفوذ الولايات المتحدة وأوروبا. إضافةً إلى ذلك، برزت قوى إقليمية جديدة، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر، وتلعب دورًا متزايدًا في أفريقيا، لا سيما في قطاعات رئيسية كالموانئ والمطارات والموارد الطبيعية.

رغم بقاء أوروبا حاضرةً، إلا أنها لم تعد تحمل نفس الثقل الذي كانت تحمله سابقًا. ويعود ذلك إلى تحوّل كبير في وعي سكان القارة، وخاصةً الشباب، الذين أصبحوا أكثر تعليمًا وثقافةً. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، تتزايد مقاومة أي تأثير خارجي لا يحترم إرادة الشعب الأفريقي.

كيف تقيمون إجراءات مصر لمواجهة النفوذ الإقليمي والدولي في القارة الأفريقية؟

برأيي، لا ينبغي بالضرورة اعتبار الوجود الدولي أو الإقليمي في أفريقيا تهديدًا. فالمقصود ليس مواجهة النفوذ، بل تشكيل هذا الوجود بما يحقق المصالح المشتركة ويخلق فرصًا حقيقية للتعاون. على سبيل المثال، لماذا لا نتعاون مع الصين أو المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة في مشاريع زراعية كبرى في القارة؟ يمكن أن يأتي التمويل من هذه الدول، بينما تساهم مصر بخبرتها التقنية وعمالها الماهرين. بهذه الطريقة، يمكننا تحقيق منافع متبادلة دون صراع. وينطبق الأمر نفسه على القوى الكبرى مثل الصين. مشروع طريق الحرير مثال واضح، وتلعب مصر دورًا رئيسيًا فيه. من الأفضل الاستثمار في هذه الشراكات بدلًا من اتخاذ موقف تصادمي لا طائل منه، لا سيما في ظل التغيرات العالمية التي أنهت فكرة القطب الواحد. التحدي ليس في إقصاء الآخرين، بل في ضمان مقعد مؤثر على طاولة المفاوضات.

كيف تُقيّم الأزمة الحالية في السودان؟ وإلى أي مدى تُشكّل تهديدًا للأمن القومي المصري؟

الأزمة في السودان مأساوية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولا يمكن تجاهل المعاناة التي تجلبها – بما في ذلك الضحايا، والجرائم ضد المرأة، وتدمير البنية التحتية، وتدمير قرى ومؤسسات بأكملها، لا سيما في دارفور والخرطوم. لهذه التطورات آثار نفسية وإنسانية عميقة على إخواننا وأخواتنا، وتؤثر علينا كمصريين. فالسودان امتداد طبيعي للأمن القومي المصري، ليس جغرافيًا فحسب، بل أيضًا على المستويين الأسري والاجتماعي.

رغم خطورة الأزمة الحالية في السودان، لا أعتبرها تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري من منظور عسكري أو أمني. لم نلحظ خلال النزاع أي تسلل عبر الحدود أو عمليات إرهابية داخل البلاد. مع ذلك، كان للأزمة تداعيات اقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى، إذ أدت إلى نزوح جماعي من السودان إلى مصر. ورغم أن الكثيرين منهم قدموا إلى مصر بأموالهم الخاصة واضطروا لدفع تكاليف الإقامة والخدمات، إلا أن هذا يُشكل ضغطًا على الموارد المحدودة، لا سيما في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به مصر.

في ظل الاهتمام الإقليمي والدولي بالعدوان على غزة، هل تعتبرون مأساة السودان أقل خطورة؟ وكيف تُقيّمون العواقب الإنسانية والسياسية في حال استمرار الصراع هناك دون حل؟

رغم حجم العدوان والجرائم في غزة، فإن أحداث السودان لا تقل مأساوية، بل قد تكون أشد وطأة. الصراع صراع داخلي، يدور بين أبناء الوطن، وليس بين شعب ومحتل. وقد تجاوز عدد الضحايا في السودان عدد ضحايا غزة. والمؤلم أكثر أن القتلى إخوة، وليسوا أعداءً خارجيين. وهذا ما يزيد الألم الإنساني عمقًا، ويزيد الجراح تعقيدًا.

أما بالنسبة لمستقبل الصراع، فلا أعتقد أنه سيدوم إلى الأبد. فبينما لا تزال الأزمة مستعصية، والحل السياسي بعيد المنال، هناك بعض المؤشرات الإيجابية الأولية، أبرزها استعادة الجيش السوداني لبعض البلدات التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع، والمحاولات الأولى لاستعادة مؤسسات الدولة. قد يطول أمد الصراع، لكنه بالتأكيد لن يدوم إلى الأبد. لذلك، يجب على قوات الدعم السريع وقف القتال، وإلقاء السلاح، ووقف الهجمات على المدنيين، لأن هذا المسار لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار وإراقة الدماء.

زعم الرئيس ترامب في تصريحات أن الولايات المتحدة “موّلت سد النهضة الإثيوبي الكبير بحماقة”. برأيك، هل هناك تمويل أمريكي أو إسرائيلي للسد؟ ما تقييمك لخلفية هذه الادعاءات؟

أعتقد أن تصريحات الرئيس ترامب بشأن تمويل الولايات المتحدة لسد النهضة الإثيوبي الكبير لا تستند إلى حقائق موثقة، بل هي مبنية على انطباعات سياسية أكثر منها على حقائق فعلية. خلال عملي الدبلوماسي في أديس أبابا، تابعتُ عن كثب آليات تمويل السد، والتي اعتمدت بشكل أساسي على مساهمات الجاليات الإثيوبية في الخارج، وعلى الاستقطاعات المباشرة من رواتب موظفي الحكومة، بدلاً من التمويل الأجنبي المباشر، سواءً من الولايات المتحدة أو من دول أخرى.

لو كان هناك دعم مالي من واشنطن بالفعل، كما يزعم ترامب، لكانت الولايات المتحدة قد استخدمت هذا النفوذ المالي للضغط على إثيوبيا لتوقيع الاتفاق، الذي صيغ خلال مفاوضات واشنطن عامي 2019 و2020 برعاية وزير الخزانة الأمريكي آنذاك ستيفن منوشين. إلا أن رفض إثيوبيا التوقيع آنذاك يُثبت أنها لم تكن تحت ضغط مالي أمريكي.

أما بالنسبة لإسرائيل، فالعلاقات مع إثيوبيا عريقة وتاريخية، وليست مرتبطة مباشرةً بسد النهضة الإثيوبي الكبير. على سبيل المثال، هناك جالية يهودية إثيوبية، تُعرف باسم يهود الفلاشا، نُقل الآلاف منهم إلى إسرائيل في عمليات سرية. وهذا يُفسر العلاقة الوثيقة بين الجانبين. مع ذلك، لا يوجد دليل على تورط إسرائيلي مباشر في بناء السد أو إدارته.

تعثرت مفاوضات سد النهضة الإثيوبي الكبير، وأعلن آبي أحمد افتتاح السد في سبتمبر/أيلول. كيف تقيمون موقف مصر؟ وهل لا يزال الخيار العسكري قيد النقاش؟

في الواقع، توقفت مفاوضات سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) لفترة طويلة، لا سيما بعد انهيار المحادثات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا. ولا تعكس دعوة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لحضور حفل افتتاح السد في سبتمبر المقبل أي تطورات فعلية في الأزمة، بل هي موجهة بالأساس للاستهلاك المحلي الإثيوبي، وجزء من حملة دعائية سياسية. وبحسب الخبراء، لم يكتمل بناء السد بعد، ورغم عدم تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، فإن إثيوبيا تريد من خلال هذه الدعوة توجيه رسالتين: إحداهما داخلية، تُشير إلى نجاح سياسي، والأخرى خارجية، تُشير إلى أنها لا تريد الإضرار بمصر والسودان، وهو ما يتناقض مع الواقع.

لا تسعى مصر إلى الخيار العسكري، مع أنه قد يحل المشكلة في دقائق. مع ذلك، لطالما فضّلت القيادة السياسية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي إعطاء الدبلوماسية أكبر قدر ممكن من المساحة. وهذا موقف محترم يعكس التزام الدولة المصرية بالسلام والاستقرار. ومع ذلك، وبعد أكثر من أحد عشر عامًا من المفاوضات غير المثمرة، لا يزال من حق مصر الدفاع عن مصالحها المائية عند المساس بها، في ظل تعنت الجانب الإثيوبي وتجاهله للقانون الدولي.

أكدت مصر مرارًا أن البحر الأحمر خط أحمر. كيف تُقيّمون جهود إثيوبيا للوصول إلى البحر؟

سعت إثيوبيا، وهي دولة غير ساحلية، مؤخرًا إلى الحصول على منفذ على البحر الأحمر عبر اتفاقية مع أرض الصومال، رغم أن ذلك يُعدّ انتهاكًا واضحًا للسيادة الصومالية. إلا أن هذه الخطوة قوبلت بمعارضة مصرية واضحة وقاطعة، على المستويين الثنائي والدولي. بل تمكنا من إحباط هذه الخطوة بعد أن أعلنت الصومال رفضها للاتفاقية، مما حال دون تنفيذها.


شارك