مدير المركز الكاثوليكى للسينما بطرس دانيال لـ الشروق: غياب التمويل يضعف حضور الفن الدينى رغم تأثيره العابر للمنابر

• نور الشريف يحذر من استغلال المصالح الربحية.. وهند رستم موّلت فيلماً دينياً من جيبها الخاص. • بعض المسلسلات غير المباشرة تملأ الفجوة الناجمة عن غياب الفن الديني. الفرنسيسكان الموهوبون: مسابقة فنية تجمع أطفال مصر قال الأب بطرس دانيال، مدير المركز الكاثوليكي للسينما، إن اهتمام الكنيسة بالسينما وانخراط رجال الدين فيها بدأ بقيادة البابا بيوس الحادي عشر. ففي عام ١٩٣٦، أرسل مرسومًا إلى الكنائس والأساقفة في أمريكا يُعلمهم فيه باختراع يُسمى “السينما” ويحثهم على استخدامه في الأعمال الخيرية. وهكذا، بدأت مراكز السينما الكاثوليكية بالانتشار عالميًا.
في حديثه مع الشروق، أشار إلى أن الرهبان المصريين انخرطوا في المركز الكاثوليكي الدولي للسينما حتى تأسيسه وتشكيل لجنة تحكيمه عام ١٩٤٩. أُقيم أول مهرجان هناك عام ١٩٥٢، وكرّم العديد من الفنانين مثل فاتن حمامة، وحسين رياض، وأحمد مظهر. افتُتحت قاعة العروض والاحتفالات عام ١٩٩٧، ويُقام المهرجان سنويًا منذ ذلك الحين.
فيما يتعلق بدخول رجال الدين المسيحيين إلى عالم الفن، أوضح أن ذلك مرتبط بوعيهم بقوة الفن وتأثيره. وأشار إلى أن البابا الراحل فرنسيس، بابا الفاتيكان، كان يلتقي سنويًا بالفنانين والإعلاميين لدعمهم وتوجيههم. وقد تجلى ذلك في الصور التي نُشرت في جنازته، والتي تُظهر لقاءاته مع ليوناردو دي كابريو وأنجلينا جولي وفنانين آخرين، بالإضافة إلى مشاركته الشخصية في فيلم للأطفال. وقد سلك البابا ليون الرابع عشر النهج نفسه خلال لقائه الأخير مع آل باتشينو.
وأضاف: “رسالة الكاهن في الكنيسة أو الواعظ في المسجد موجهة لجمهور محدود. علاوة على ذلك، نحن بشر، لذا قد ينسى المستمع شيئًا أو يغفل عنه. لذلك، تحتاج الرسائل النبيلة إلى الفن والسينما، لأنها توصل الرسالة بسرعة أكبر وبأسلوب تفاعلي. والموسيقى مهمة أيضًا، فمعظمنا يحفظ مقتطفات من المسرحيات والأفلام لأنها تؤثر فينا”.
وأوضح أن المركز، من 1 يناير إلى 31 ديسمبر من كل عام، يتابع كل ما يُعرض في دور السينما والمسارح والمهرجانات، وكذلك الأفلام المعروضة في المسارح والمهرجانات، وفق معايير أخلاقية وإنسانية وفنية. وأكد أنه من الطبيعي، كمؤسسة دينية، أن نشجع الفن الذي يخدم المجتمع برسالته، ولا يقوم على الابتذال أو المشاهد الفاضحة أو النقد اللاذع للشخصيات السياسية أو الدينية أو غيرها. وأكد على الانفتاح على جميع أنواع الأفلام السياسية والاجتماعية وغيرها.
كما أكد أن الكنيسة الكاثوليكية لا تعترض على أي صورة أو محتوى، ما دام لا يتضمن أي إساءة أو نقد لاذع لأحد. كما لا تعترض الكنيسة على تصوير الأنبياء أو الملائكة.
برر رفضه المشاركة في الإنتاج الفني للمركز بقلة الإمكانيات الإنتاجية أو التمويل. ورأى أن عدم مشاركته في الإنتاج الفني سيحميه من شبهة التحيز ضد الأعمال الفنية أو الفنانين، كونه عضوًا في لجنة التحكيم.
يرى الأب بطرس دانيال أن ندرة الفنون الدينية الإسلامية والمسيحية تعود لأسباب إنتاجية، إذ يزداد هيمنة الربح والتوزيع. وأشار إلى أن بعض المسلسلات غير المباشرة قد تُمثل بديلاً مقبولاً، مثل “الخواجة عبد القادر” و”جزيرة غمام” وغيرهما.
كما أشار إلى أن بعض الفنانين لطالما حذّروا من تأثير إنتاج الفن الديني على الربحية، مثل نور الشريف الذي تحدث عن أجندة الإنتاج. وأشار إلى أن أهداف بعض الفنانين قد تغيرت بالفعل، مؤكدًا أن بعض رموز الفن دفعوا أموالًا من حساباتهم الخاصة سابقًا لإيصال رسالة نبيلة. على سبيل المثال، أنفقت هند رستم 17 ألف جنيه مصري من مالها الخاص لتنفيذ متطلبات فيلم “الراهبة” لضمان أن يكون واقعيًا قدر الإمكان.
وأكد أنه رغم قلة الإنتاج الفني الديني، يُعد مسلسل “المختار” الممتد على عدة مواسم عملاً فنياً متميزاً، إذ يتناول حياة المسيح بأسلوبٍ يتماشى مع الواقع ومع العصر الحديث. وذكر أن شركة الإنتاج أطلقت مشروع الدبلجة العربية في لبنان ومصر وتونس في المركز الكاثوليكي للسينما بمصر، وقد استقطب المشروع عدداً كبيراً من المؤدين الصوتيين المسلمين.
رغم التعاون بين الكنيسة والأزهر في مجالات عديدة، أشار الأب بطرس دانيال إلى غياب التعاون الشامل في المجال الفني، نظرًا لقلة الإنتاج الفني من المؤسستين. وهو مقتنع بضرورة مزيد من الانفتاح من الجانبين في المجال الفني.
وفي هذا السياق، أشار إلى تعاون المركز مع العديد من المؤسسات الأخرى، مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان، وصندوق مكافحة وعلاج المخدرات، ومكتب رئيس الوزراء، ومؤسسة قادر بشكل مختلف.
وأوضح أن المركز يهدف إلى التوعية بأهمية الفن في المجتمع، وتشجيع التنافس فيه، ودعم المواهب الشابة. وينظم المركز سنويًا مسابقة مدارس المجمع الإنجيلي ضمن المهرجان القومي للأفلام القصيرة، وتبلغ قيمة الجائزة الأولى 25 ألف جنيه مصري، والثانية 15 ألف جنيه مصري، والثالثة 10 آلاف جنيه مصري.
تُقام مسابقة “الفرنسيسكان غوت تالنت” على مستوى الجمهورية من الإسكندرية إلى أسوان، وهي مفتوحة للأطفال من الصف الأول إلى الثالث الإعدادي. تشمل المسابقات الرسم والشعر والإذاعة والتمثيل والغناء والموسيقى. تُمنح جوائز نقدية. موضوع هذا العام هو البيئة. وأشار إلى أن العديد من القصائد الدينية ذات البعد الإنساني قد قُدّمت في فئة الشعر.
الأب بطرس دانيال مقتنع بأن هذه التجربة تُقدم فوائد اجتماعية تتجاوز مجرد الترويج للفن. ومن الجدير بالذكر إشراك جميع الفئات الاجتماعية في عملية الاختيار النهائية. يعيش المرشحون وأفراد أسرهم المسلمة والمسيحية مع لجنة التحكيم في دار ضيافة تابعة لدير في جو مجتمعي أصيل وغير رسمي.
وأضاف: “إن تقدير لجنة التحكيم للفنانين وتفاعلهم مع هذه الفئة العمرية يخلق شعورًا بالتكامل بين الكوادر الفنية والأجيال الشابة. وقد استغرب بعض الفنانين، مثل نهال عنبر وإسلام محمد وابنة الفنان أبو بكر عزت، من متابعة الشباب لأعمالهم وتأثرهم بها. وهذا يعني أن الفن التشكيلي لا يزال جاذبًا، والذوق لم يتراجع، ولكن لا يزال هناك حاجة إلى المزيد من العمل”.
فيما يتعلق بالتناول الفني لبعض القضايا الإقليمية، بما في ذلك الحروب والصراعات، وخاصةً مأساة غزة، أكد مدير المركز الكاثوليكي للسينما أن بعض الأعمال الفائزة بالجوائز تناولت بالفعل البعد الإنساني للأزمة. مع ذلك، ينبغي تجنب المواضيع السياسية حتى لا يتسرب الصراع إلى العمل الفني نفسه. وبدلاً من ذلك، ينبغي التركيز على البعد الإنساني والاجتماعي.