من كأس السُم إلى سياسة النفس الطويل.. كيف تُنهي إيران حروبها حين لا تُهزم؟

منذ 5 ساعات
من كأس السُم إلى سياسة النفس الطويل.. كيف تُنهي إيران حروبها حين لا تُهزم؟

ورغم إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، فإن صور الدمار لا تزال واضحة على الأرض، في حين تصر طهران على بيع نهاية الحرب باعتبارها “نصراً سياسياً”.

إن تكرار مشهد “كأس السم” هو تذكير بكيفية إنهاء إيران لحروبها عندما لا تكون مهزومة عسكرياً بل منهكة استراتيجياً.

المشهد الأخير يتكرر: الاحتفال رغم الرماد.

في مشهد يذكّر بنهاية الحروب السابقة، تجمع آلاف الأشخاص في ساحة الثورة في وسط طهران بعد ظهر الثلاثاء، وهم يلوحون بالأعلام الإيرانية وصور المرشد الأعلى علي خامنئي وشهداء الهجمات الإسرائيلية للاحتفال بنهاية المواجهة العسكرية التي استمرت 12 يوما بين إيران وإسرائيل.

ورفع المشاركون لافتات مكتوبة بخط اليد تحمل شعارات مثل “سنصمد حتى النهاية” و”لا للسلام المفروض، نعم للسلام الدائم” بهدف خلق انطباع بالنصر على الرغم من الدمار الواسع النطاق الذي لحق بالمنشآت الإيرانية خلال تبادل إطلاق النار.

وعقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، منهياً تصعيداً استمر أسبوعين استهدف المنشآت النووية والبنية التحتية الاستراتيجية على الجانبين.

“كأس السم” مرة أخرى: سياق يعيد خلق التاريخ

يعتقد المراقبون أن نهاية هذه الجولة من الحرب تُذكّر بقرار المرشد الأعلى الإيراني الأول، آية الله الخميني، بإنهاء الحرب الإيرانية العراقية عام 1988. في ذلك الوقت، شبّه قراره بالموافقة على وقف إطلاق النار بـ”تجرع كأس من السم”.

جاء هذا القرار التاريخي بعد ثماني سنوات من حربٍ مدمرة، واستنزافٍ سياسي واقتصادي وإنسانيٍّ لإيران. وأجبر القيادة على قبول قرار الأمم المتحدة رقم 598، رغم رفضها سابقًا أي تسوية لا تتضمن إسقاط نظام صدام حسين ودفع التعويضات.

البداية الفوضوية: هشاشة الذات الداخلية وإغراء الهجوم

بدأت الحرب الإيرانية العراقية في ظل التفكك الداخلي الذي أعقب الثورة الإسلامية عام 1979. وقامت القيادة الجديدة بحل جيش النظام السابق وأجهزة الأمن، وشجعت العراق على شن هجوم واسع النطاق في سبتمبر/أيلول 1980، مستغلة ضعف هيكل الدولة.

وعلى الرغم من احتلال العراق لخرمشهر ومحاولته الاستيلاء على مصفاة عبادان، فقد ردت إيران بموجات من المتطوعين غير المدربين، على الرغم من أن العراق كان يمتلك بوضوح قوة جوية أفضل وأسلحة كيميائية أفضل، الأمر الذي أدى إلى تكاليف بشرية عالية بالنسبة لإيران.

القتال من بيت إلى بيت والإرهاق المتبادل: الطريق إلى الاتفاق

مع اتساع رقعة الحرب، امتد الصراع إلى المدن. تبادل الطرفان قصف الأحياء السكنية والمرافق الحيوية. وأدى ما يُسمى بـ”حرب المدن” إلى انهيار اقتصادي لكلا الطرفين.

وبحلول عام 1987، بدأ التعب يتسلل إلى إيران، مما أدى إلى جهود الوساطة التي بذلتها الأمم المتحدة، والتي انتهت في نهاية المطاف بقبول إيران لقرار وقف إطلاق النار في يوليو/تموز 1988. وأعلن الخميني قراره في رسالة مشحونة قال فيها إنه يقبل القرار وكأنه يتجرع السم ــ وهو اعتراف واضح بتغير موازين القوى والانقسامات الداخلية.

دروس من الحرب: عقيدة الردع الجديدة

شكّلت نهاية الحرب الإيرانية العراقية نقطة تحوّل في العقيدة العسكرية الإيرانية. أُعيد هيكلة الحرس الثوري، وطُوّرت أدوات ردع، واستُحدثت “الحرب غير المتكافئة”، التي استندت، وفقًا لمجلة “تاريخ الحرب”، إلى دعم الوكلاء الإقليميين بدلًا من المواجهة المباشرة.

إن هذا المبدأ الجديد يفسر إلى حد كبير كيف تتعامل طهران اليوم مع الحروب المعقدة وكيف تنهيها عندما لا تتمكن من الفوز بها، كما حدث هذه المرة مع إسرائيل.


شارك