خبراء: مشروع قانون الإيجار القديم لن يحل الأزمة القائمة.. ومطالب بحزمة سياسات تراعي العدالة الاجتماعية

إيهاب منصور: القانون تجاهل الفروقات بين الأراضي والاتفاقيات القديمة. الدولة مسؤولة عن دعم المحتاجين.
ماجد عثمان: 1.4 مليون شقة قديمة غير مستغلة والبيانات الدقيقة غير متوفرة قبل عام 2027
عبلة عبد اللطيف: لا توجد منهجية واضحة لفهم حجم المشكلة. الحل يكمن في لوائح تنفيذية مرنة وصندوق لدعم المتضررين.
يرى العديد من الخبراء أن قانون الإيجار الحالي، بصيغته الحالية، لن يحل الأزمة. ويؤكدون أن مشروع القانون لا يمكنه معالجة هذا الواقع المعقد بمادة واحدة. ويطالبون بحزمة إجراءات تضمن العدالة الاجتماعية والاقتصادية في مصر. جاء ذلك خلال ندوة عقدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أمس الثلاثاء، بعنوان “قانون الإيجار القديم: نقاشات وسيناريوهات الحل”. ناقشت الندوة تعديلات قانون الإيجار القديم، وتقييم حجم المشكلة وطبيعتها بناءً على تحليل المعلومات والبيانات الأساسية، واقتراح سيناريوهات الحل لتحقيق العدالة الاجتماعية.
ومن العيوب الأساسية في مشروع القانون عدم التمييز بين الفئات المختلفة.
قال نائب رئيس الوزراء الأسبق، زياد دبّاع الدين، إن أزمة تعديلات قانون الإيجار القديم تُعدّ مثالاً واضحاً على التضارب بين مفهومي العدالة القانونية والاجتماعية. وأشار إلى أن مشروع القانون لم يستطع معالجة واقع معقد كهذا في مادة واحدة.وأضاف أن القانون الجديد، رغم أنه لا يؤثر إلا على عدد محدود نسبيا من الأسر، فإنه يؤثر في الواقع على حياة ملايين المواطنين ويؤثر بشكل مباشر على حق أساسي مثل الحق في السكن، والذي يمكن اعتباره ليس مجرد منفعة مؤقتة بل حق إنساني دستوري.وشدد على أن أي نقاش حول القانون لا ينبغي أن يتم من منظور الحقوق المجردة للمالكين أو المستأجرين فقط، بل ينبغي أن ينطلق من ضرورة التوفيق بين مفهومين للعدالة: العدالة القانونية التي تتطلب احترام الملكية الخاصة وحرية التصرف بها، والعدالة الاجتماعية التي تحمي حقوق من استقرت أوضاعهم لسنوات بسبب التشريعات السابقة والظروف الاجتماعية والاقتصادية الثابتة.وأكد أن الفجوة بين المفهومين هي سبب الانقسام الاجتماعي الحاد بشأن التعديلات المقترحة. وأشار إلى أن هذا الانقسام طبيعي، ويحدث أيضًا في قضايا مماثلة، مثل قانون العمل، حيث يكون الهدف الأساسي هو الموازنة بين المصالح المتضاربة.وانتقد المشكلة لاقتصارها على نوع العقارات لا على ظروف سكانها. وأكد أن الحكومة، وإن اتخذت خطوات متواضعة لتصنيف العقارات، لم تعالج جذور الأزمة.وأضاف أن عدم وجود معلومات دقيقة عن المستفيدين الفعليين من المساعدات يعد من أبرز النواقص، رغم وجود أدوات تقنية ومؤشرات واضحة لمتابعة الوضع الاجتماعي للأسر، مثل بيانات الحصص الغذائية وبرامج الدعم وفواتير الكهرباء.وحذر من أن النسخة الحالية من القانون قد تفتح الباب أمام موجة جديدة من التقاضي، خاصة في ظل صلاحيات لجان الجرد والتقييم، وهي لجان إدارية ويمكن الطعن على قراراتها أمام القضاء الإداري.وأضاف بهاء الدين أن إقرار القانون بصيغته الحالية ليس حلاً كافياً، ومن المرجح أن يتطلب تعديلات لاحقة. ودعا إلى إتاحة فرصة إضافية للبرلمان للنظر في مشروع القانون بصيغة أكثر مرونة، كقانون إطاري، يسمح بالتطبيق التدريجي والواقعي، ويراعي التنوع الشديد في القضايا، ويجنب الدولة موجة من النزاعات القانونية والاجتماعية غير المتوقعة.
ونتيجة لتأخر تقديم مشروع القانون إلى البرلمان، لم يكن من الممكن الحصول على بيانات رسمية دقيقة.
صرّح إيهاب منصور، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي المصري بمجلس النواب، بأنّ أزمة الإيجارات ليست مسؤولية المؤجرين ولا المستأجرين، بل تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على عاتق الدولة. وتنص المادة 78 من الدستور على إلزام الدولة بتوفير مسكن لائق وصحي وآمن لكل مواطن.وأشار منصور إلى أن عدد الأسر المتضررة من نظام الإيجار القديم انخفض من 2.6 مليون أسرة عام 2006 إلى نحو 1.6 مليون أسرة عام 2017. وتوقع أن ينخفض هذا العدد إلى 756 ألف أسرة عام 2027 وإلى نحو 303 آلاف أسرة عام 2032 إذا استمر الوضع على ما هو عليه. وأكد أن هذه الأرقام لا تزال تُمثل شريحةً كبيرةً من المجتمع لا يُمكن تجاهلها. ولمعالجتها، لا بدّ من تصنيف دقيق، يُراعي من يستطيع السداد ومن لا يستطيع، مع توفير الدعم اللازم لمن لا يستطيع السداد. وأكد أن هذا الدعم يجب أن تتحمله الدولة، لا المُؤجّر.وأشار إلى أن مشروع القانون الحالي لا يُراعي عدة عوامل أساسية عند تحديد الإيجارات، منها مساحة السكن، وعمر العقار، والموقع، وتاريخ توقيع العقد. وهذا يُؤدي إلى تطبيق غير عادل. وقال إن مساواة شقة بمساحة 40 مترًا مربعًا بشقة بمساحة 400 متر مربع أمر غير منطقي. كما أن عدم التمييز بين عقود الإيجار القديمة جدًا وعقود التسعينيات يُظلم المستأجرين الذين دفعوا مقدمًا أو غادروا العقار عندما كان ذلك لا يزال مسموحًا به ووفق القانون.انتقد منصور مشروع القانون لعدم نصه على إجراءات الصيانة، رغم أن ذلك يُشكل تهديدًا كبيرًا لسلامة المواطنين. وأشار إلى أن محافظ القاهرة أعلن أن 5000 عقار “خطير للغاية”، بينما في الإسكندرية، أكثر من 24 ألف مبنى مُعرّض لخطر الانهيار. وجادل بأن الإيجارات الرمزية التي يتقاضاها مُلّاك العقارات لا تكفي لإجراء أعمال الصيانة، مما يُعرّض حياة السكان للخطر. لذلك، يُعدّ التدخل الحكومي في هذا الصدد أمرًا ضروريًا.كما دعا منصور الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى البدء في دراسة ميدانية الآن، بدلاً من عام ٢٠٢٧، لتحديد عدد المستأجرين من أصحاب المعاشات أو مستفيدي برنامجي تكافل وكرامة، بالإضافة إلى الفئات الأخرى غير القادرة على سداد الإيجار الجديد. وأكد أن هذه البيانات ستحدد مدى انطباق القانون. وأضاف أن الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن للمتقاعد دفعه يجب ألا يتجاوز ١٥٪ من الإيجار، وأن تتحمل الدولة الباقي. واقترح تخصيص مليار جنيه مصري سنويًا من الموازنة العامة لهذا الغرض. وهذا المبلغ “ليس بالقليل” مقارنةً بالمخصصات السنوية للإسكان الاجتماعي، والتي تتراوح بين ١٠ و١١ مليار جنيه مصري سنويًا.
وكان لفجوة المعلومات تأثير سلبي على فاتورة الإيجار القديمة.
قال ماجد عثمان المدير التنفيذي للمركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) ووزير الاتصالات الأسبق، إن هناك فجوة حقيقية بين البيانات المتاحة وصنع القرار في مصر، مما يؤثر سلباً على صياغة السياسات والقوانين، ومن بينها مشروع قانون الإيجار القديم. وأشار إلى أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يجري تعداداً كل عشر سنوات، وآخرها عام 2017، والمقبل في مارس 2027، مؤكداً أنه لا يمكن تقديم موعد التعداد بأي حال من الأحوال، ونظراً لتعقيد الاستعدادات التي تسبق التعداد، فمن غير الواقعي الاعتماد على بيانات دقيقة في هذا الملف قبل هذا الموعد. أكد على أهمية النظر إلى المشكلة من منظورين: عدد الأسر وعدد الوحدات السكنية. وأشار إلى أنه في عام ٢٠١٧، كان عدد الأسر التي تسكن في مساكن قديمة حوالي ١.٦ مليون أسرة، بينما بلغ عدد الوحدات السكنية القديمة حوالي ٣ ملايين وحدة. هذا يعني أن حوالي ١.٤ مليون وحدة سكنية لا تزال شاغرة، إما مغلقة أو محجوزة أو في مدينة أخرى.
اقتراح إنشاء صندوق خاص لدعم المتضررين من تعديل القانون
أوضحت عبلة عبد اللطيف، المديرة التنفيذية ومديرة الأبحاث في المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن جوهر الأزمة يكمن في غياب منهجية واضحة لتقييم حجم المشكلة بدقة. وأشارت إلى أن أصوات المتضررين عالية، والأهم من ذلك، أن على الحكومة أن تفهم حجم المشكلة. وأضاف عبد اللطيف أن تحديد مهلة إشعار مدتها سبع سنوات دون توضيح آليات التمديد أو الخروج الآمن يفتح الباب أمام تفسيرات متباينة ويتجاهل الاختلافات بين الحالات. فعلى سبيل المثال، لا يُفرّق بين المستأجر الذي دفع “خلو راجول” وآخر شغل العقار لعقود دون تعويض كافٍ. طرح عبد اللطيف عددًا من المقترحات لمعالجة الأزمة بفعالية وإنصاف. ومن هذه المقترحات: أن تُعالج اللائحة التنفيذية للقانون جميع أوجه القصور فيه؛ وأن تُعاد نصوصه إلى مجلس النواب قبل إقرارها في جلسات يحضرها ممثلو الأسر المتضررة؛ وأن يُوضع حل مناسب لكل حالة، بالإضافة إلى رصد المعلومات اللازمة حول مختلف الحالات (مثل الحالات التي دُفعت فيها مبالغ طائلة كـ”أحرار” أو ما شابه).
واقترحت أيضًا أن تُنشئ الدولة صندوقًا خاصًا للمتضررين من التعديل، كالمتقاعدين، وأن تُعطي الأولوية لتطبيق القانون المُعدّل على الحالات التي سُوّيت، كالوحدات السكنية المغلقة أو التي تحتاج إلى صيانة وترميم. كما اقترحت رقابة فعّالة على عمل لجان التعداد السكاني لضمان الشفافية في عملية تقسيم المناطق، وضمان تنفيذها بنزاهة ودون تحيز.