بعد هجوم قاعدة العديد.. ما شكل العلاقة بين دول الخليج وإيران؟

منذ 6 ساعات
بعد هجوم قاعدة العديد.. ما شكل العلاقة بين دول الخليج وإيران؟

بي بي سي

وزاد الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة العديد الجوية في قطر، حيث تتمركز القوات الأميركية، من تعقيد العلاقات بين دول الخليج وإيران.

وبحسب التصريحات الإيرانية، كان الهجوم موجهًا ضد القوات الأمريكية ولم يُسفر عن أي إصابات. ووقع على الأراضي القطرية، وأدانته الدوحة ودول الخليج الأخرى رسميًا.

وتأتي تصريحات دول الخليج التي تدين الهجوم الإيراني بعد أقل من أسبوعين من تبني دول الخليج موقفا موحدا يدين الهجوم الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو/حزيران الماضي.

يمكن القول إن العلاقات بين إيران ودول الخليج ظلت دائمًا غير مستقرة. فمنذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام ١٩٧٩، تراوحت هذه العلاقات بين التصعيد والتراخي.

رافقت هذه التغييرات محاولاتٌ للتهدئة، لكنها لم تُغيّر جوهر المخاوف المتبادلة. وظلّت العوامل الطائفية، والطموحات الإقليمية، والتدخل في الشؤون الداخلية، والبرنامج النووي الإيراني، وأزمة الجزر الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى) – التي ضمّتها إيران عام ١٩٧١ وتطالب بها الإمارات العربية المتحدة – القضايا الرئيسية في هذه العلاقات المتقلبة.

أهم المحطات في العلاقات بين إيران ودول الخليج

1980-1988: الحرب الإيرانية العراقية وانقطاع العلاقات

بقيادة آية الله الخميني، انتهجت إيران سياسة خارجية ثورية تهدف إلى تصدير الثورة الإسلامية. أثار هذا مخاوف دول الخليج، وخاصةً السعودية والبحرين، من تأثير الثورة الإسلامية على أقلياتها الشيعية. مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في سبتمبر/أيلول 1980، انحازت معظم دول الخليج، وخاصةً السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب العراق ماليًا وسياسيًا، خوفًا من انتشار الثورة الإسلامية الإيرانية في المنطقة.

قدّم الخليج مليارات الدولارات دعمًا للعراق، مما فاقم التوترات مع طهران، التي اعتبرت هذا الدعم تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. هاجمت إيران ناقلات نفط في الخليج، مما دفع المملكة العربية السعودية إلى الرد بإسقاط طائرتين مقاتلتين إيرانيتين عام ١٩٨٤.

1987: حادثة مكة وتصاعد التوترات

في يوليو/تموز 1987، أسفرت اشتباكات بين الحجاج الإيرانيين وقوات الأمن السعودية عن مقتل أكثر من 400 شخص، معظمهم من الإيرانيين. أدى ذلك إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين حتى عام 1991. استغلت إيران هذا الحدث لتعزيز خطابها الثوري ضد ما اعتبرته “أنظمة عميلة للغرب”.

1988–1990: نهاية الحرب وعلامات انفتاح حذر

مع انتهاء الحرب الإيرانية العراقية عام ١٩٨٨ ووفاة الخميني عام ١٩٨٩، بدأت إيران، بقيادة الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني، باتباع سياسة خارجية براغماتية تُركز على إعادة بناء الاقتصاد وتحسين العلاقات مع جيرانها. خلال هذه الفترة، تحسنت العلاقات مع دول الخليج، وخاصة قطر وعُمان، نسبيًا، حيث اتخذت هذه الدول موقفًا أكثر حيادية تجاه إيران.

1990-1991: غزو العراق للكويت والإدانة الإيرانية

عندما غزا العراق الكويت عام ١٩٩٠، أدانت إيران الغزو. وكان هذا الموقف مفاجئًا بالنظر إلى عدائها السابق للكويت لدعمها العراق في حربها ضدها. ورحبت بعض دول الخليج، وخاصة الكويت وقطر، بالموقف الإيراني، وظهرت قنوات دبلوماسية جديدة بين الجانبين.

1991-1997: تقارب حذر في عهد رفسنجاني

خلال رئاسة علي أكبر هاشمي رفسنجاني، بُذلت محاولات ملموسة للتقارب مع دول الخليج، وخاصةً عُمان وقطر. سعى رفسنجاني إلى إعادة بناء الاقتصاد الإيراني، مُدركًا أن الاستقرار الإقليمي ضروري لجذب الاستثمارات. استُؤنفت العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران عام ١٩٩١ بعد انقطاعها إثر أحداث الحج عام ١٩٨٧.

1997-2005: عهد خاتمي والانفراج النسبي

أدى انتخاب محمد خاتمي عام ١٩٩٧ إلى تدشين سياسة “حوار الحضارات”، التي كان لها أثر إيجابي على علاقات إيران الإقليمية. زار خاتمي المملكة العربية السعودية عام ١٩٩٩ – وهي أول زيارة لرئيس إيراني منذ الثورة – وأعطى انطباعًا بتغيير جذري في السياسة الإيرانية. كما زار أمير قطر، حمد بن خليفة آل ثاني، طهران عام ٢٠٠٠ – وهي أول زيارة لحاكم خليجي منذ الثورة الإسلامية. ووقعت إيران ودول الخليج ٤٢ اتفاقية تعاون اقتصادي وأمني بين عامي ١٩٩٧ و٢٠٠٢.

2005–2013: أحمدي نجاد وعودة التوترات

أدى انتخاب محمود أحمدي نجاد إلى تصعيد متجدد في العلاقات. ركز خطابه على العداء للغرب ودعم الجماعات الموالية لإيران في لبنان والبحرين واليمن. أعربت دول الخليج، وخاصةً السعودية، عن قلقها المتجدد إزاء طموحات إيران الإقليمية وبرنامجها النووي. تصاعدت التوترات عقب تصريحات أحمدي نجاد بشأن البحرين، التي اعتبرتها المنامة تدخلاً في شؤونها الداخلية وتهديدًا لسيادتها. وشهدت هذه الفترة أيضًا تصعيدًا في النزاع على الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، عندما جددت الإمارات العربية المتحدة مطالبتها بهذه الجزر عام ٢٠٠٨.

2011: الربيع العربي والمواجهة مع النفوذ الإيراني

أدت ثورات الربيع العربي إلى تفاقم الانقسامات الطائفية في المنطقة. دعمت إيران الحركات الشيعية في البحرين واليمن، بينما دعمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الحكومات السنية. أثارت التدخلات الإيرانية في اليمن، وخاصة دعمها لجماعة الحوثيين، قلق المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مما أدى إلى تدخلهما العسكري في اليمن عام ٢٠١٥.

2015: الاتفاق النووي ومخاوف دول الخليج

رغم أن الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥ بين إيران والقوى الكبرى خفف من حدة المخاوف الغربية، إلا أنه زاد من قلق دول الخليج، التي رأت أن دور إيران المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط يُتجاهل. وبينما رحبت عُمان بالاتفاق، أعربت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عن قلقهما. وأكدتا أن رفع العقوبات سيسمح لإيران بتمويل حلفائها الإقليميين وتعزيز نفوذها في المنطقة.

2016: إعدام النمر وقطع العلاقات

أعدمت المملكة العربية السعودية رجل الدين الشيعي نمر النمر في يناير/كانون الثاني 2016، مما أثار رد فعل إيراني غاضب. هاجمت حشود غاضبة السفارة السعودية في طهران وأحرقتها، مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية رسميًا. وكان هذا بمثابة ذروة جديدة في تدهور العلاقات بين البلدين. كما قطعت البحرين علاقاتها مع طهران، بينما خفضت الإمارات رتبة بعثتها الدبلوماسية إلى مستوى القائم بالأعمال. واستدعت قطر والكويت سفيريهما، بينما أرسلت الدوحة سفيرها إلى طهران.

2017-2020: تصعيد بالوكالة وهجمات على أرامكو

خلال هذه الفترة، اشتدت المواجهات غير المباشرة، لا سيما في اليمن، حيث دعمت السعودية حكومة عبد ربه منصور هادي، بينما دعمت إيران الحوثيين. وبلغت التوترات ذروتها في سبتمبر/أيلول 2019، عندما أُلقي باللوم على إيران في الهجوم على منشآت أرامكو في السعودية، مما أدى إلى توقف نصف إنتاج النفط السعودي مؤقتًا. ورغم نفي طهران مسؤوليتها عن الهجوم، فقد صُنف الحادث على أنه “تصعيد استراتيجي خطير”.

2021-2022: مفاوضات في بغداد ومحاولات للتهدئة

مع تنصيب إبراهيم رئيسي في إيران عام ٢٠٢١، بدأت إيران سياسة بناء الثقة مع دول الخليج، بدعم من الجهود الدبلوماسية من قطر وعُمان. في عام ٢٠٢١، أعرب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن رغبته في تحسين العلاقات مع إيران. تزامن ذلك مع مفاوضات بين الرياض وطهران في بغداد بهدف تخفيف حدة التوترات المتصاعدة. استضاف العراق خمس جولات من الحوار غير المباشر، والتي لاقت ترحيبًا من دول مثل الكويت وعُمان. في أغسطس ٢٠٢٢، أرسلت الكويت والإمارات العربية المتحدة سفيريهما إلى طهران.

2023: اتفاق سعودي إيراني برعاية الصين

في مارس/آذار 2023، أُعلن عن اتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بوساطة صينية. وقد مثّل هذا تغييرًا جذريًا في المشهد الإقليمي، لا سيما مع اضطلاع الصين بدور الوسيط لأول مرة. وتلا ذلك زيارات دبلوماسية متبادلة وتوقيع اتفاقيات اقتصادية.

2024 – حتى الآن: استمرار النهج الحذر وإدانة الهجمات الإسرائيلية

منذ توليه منصبه في يوليو 2024، عمل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على تعزيز التعاون مع دول الخليج وتخفيف التوترات الإقليمية. من جانبها، تركز دول الخليج على التحول من المنافسة الجيوسياسية إلى التعاون الاقتصادي. يعكس هذا التقارب تحولًا استراتيجيًا في المنطقة، مدفوعًا بالضغوط الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد-19، والحرب في اليمن، والحاجة إلى الاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، لا تزال قضايا مثل الجزر الثلاث، والبرنامج النووي الإيراني، ودعم طهران المستمر للحوثيين في اليمن والحركات المسلحة في العراق ولبنان عوامل تدفع دول الخليج إلى توخي الحذر تجاه إيران. ومع ذلك، سارعت دول الخليج المجاورة إلى إدانة الضربات الجوية الإسرائيلية ضد المنشآت العسكرية والنووية الإيرانية، حتى قبل الهجوم الإيراني على قاعدة العديد الجوية والإدانة الرسمية اللاحقة.


شارك