محمود محيي الدين: أزمة الدين في الدول النامية تتصدر قائمة الأولويات الملحة

أكد الدكتور محمود محيي الدين المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للتنمية المستدامة ورئيس لجنة الخبراء التي عينها الأمين العام للبحث عن حلول لأزمة الديون العالمية، أن أزمة الديون العالمية تتصدر قائمة الأولويات العاجلة في منطقتنا العربية وفي الدول النامية بشكل عام، في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم على المستويات الجيوسياسية والاقتصادية والتكنولوجية.
جاء ذلك خلال كلمة الدكتور محمود محيي الدين في المنتدى الأول للمالية العامة حول “إدارة الدين الحكومي في عالم متغير”، المنعقد حاليًا في إسطنبول، تركيا. وكان عنوان الكلمة “حلول عملية لمعالجة أزمة الدين العالمي”.
وشدد على ضرورة بلورة رؤى مشتركة وإيجاد سبل جديدة وفعالة لمواجهة هذه التحديات بشكل شامل ومستدام، وضمان استقرار المالية العامة، وتحقيق الأهداف التنموية والاقتصادية والاجتماعية لشعوبنا.
وشدد أيضا على أهمية التحرك قدما على ثلاثة مسارات متوازية: الأول هو اتخاذ إجراءات على المستوى الدولي لمعالجة أزمة الديون العالمية ضمن إطار أوسع لتمويل أهداف التنمية المستدامة ومعالجة الأزمات الكبرى، وخاصة تغير المناخ.
وتابع: “أثبتت التجارب السابقة أن الأساليب التقليدية التي تعتمد على إعادة هيكلة الديون أو خفض تكاليف التمويل، دون أن تقترن برؤية تنموية متكاملة، لا تكفي لتحقيق الاستدامة المنشودة. وهذا يؤكد ضرورة تطوير أدوات تمويل مبتكرة مصممة خصيصًا لتلبية احتياجاتنا، مثل مقايضات الديون بمشاريع المناخ أو الاستثمارات المتعلقة بالتنمية، وصكوك التنمية. وفي الوقت نفسه، يجب استخدام آليات التمويل الإسلامي والأخضر لتعبئة الموارد المالية بطريقة مسؤولة ومرنة.”
وأضاف محيي الدين أن المسار الثاني هو المسؤولية المشتركة بين جميع الأطراف المعنية. فالتحديات المعقدة والمتشابكة لنظام الدين العالمي لا يمكن معالجتها من خلال إجراءات أحادية أو حلول جزئية، بل من خلال التزام مشترك بمبادئ الشفافية والإنصاف وتقاسم الأعباء بشكل متوازن.
وأكد على ضرورة مراعاة الدائنين للأثر التنموي للقروض وشروطها وأحكامها، بينما يتعين على المقترضين تعزيز حوكمتهم المالية، وضمان إدارة سليمة للدين العام، وتوجيه الأموال إلى مشاريع إنتاجية ذات جدوى تنموية واقتصادية. وينبغي للمؤسسات الدولية أن تشارك بفعالية في دعم السيولة وتقديم الدعم الفني والمالي.
وأشار إلى أن نقطة الانطلاق الثالثة تتمثل في الحاجة إلى منصات تنسيق إقليمية في مجال إدارة الديون، إذ أن تعدد الجهات الدائنة وتنوع أدوات التمويل واختلاف الهياكل الاقتصادية في بلداننا تتطلب اعتماد مقاربات جماعية تعتمد على تبادل الخبرات وتنسيق المواقف.
وأضاف: “في هذا السياق، يمكننا العمل معًا لتطوير سياسات إقليمية لتحسين شفافية الديون، وإنشاء آليات تفاوض مشتركة، وإنشاء منصات مستدامة للمشاركة وتبادل المعرفة”.
واختتم الدكتور محمود محيي الدين كلمته مؤكدًا أن معالجة أزمة الديون الحالية تتجاوز الحلول الجزئية أو التقليدية المحدودة، بل تتطلب نهجًا شاملًا وإصلاحات جذرية قائمة على مبادئ مبتكرة، وقناعة راسخة من جميع الأطراف المعنية بأن معالجة أزمة الديون لا تعود بالنفع على الدول المقترضة فحسب، بل تخدم أيضًا المصالح المشتركة للمقترضين والمقرضين، مما يُسهم في تعزيز استقرار النظام المالي العالمي ككل.