إسرائيل أولاً أم أمريكا أولاً؟ ضربة نتنياهو لإيران تفجّر التناقض داخل إدارة ترامب

منذ 15 ساعات
إسرائيل أولاً أم أمريكا أولاً؟ ضربة نتنياهو لإيران تفجّر التناقض داخل إدارة ترامب

نشرت مجلة بوليتيكو تقريرًا يكشف عن الانقسامات العميقة داخل معسكر ترامب عقب الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية في طهران. يأتي هذا في وقت يواجه فيه الرئيس الأمريكي أصعب اختبار لمبدأ “أمريكا أولاً”.

وبينما تحاول واشنطن رسميا النأي بنفسها عن العملية، يغلي الغضب في الدوائر اليمينية المحيطة بترامب، محذرين من احتمال اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط قد تكرر سيناريو العراق أو تكون أكثر تعقيدا.

منذ انطلاق حملته الرئاسية الأولى عام ٢٠١٦، روّج دونالد ترامب لشعار “أمريكا أولاً” وهاجم بشدة ما اعتبره “مغامرات خارجية فاشلة” للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. سخر من الغزو الأمريكي للعراق، وانتقد التدخل المستمر في أفغانستان، ووعد بعدم توريط بلاده في حروب جديدة لا طائل منها.

ولكن عندما شنت إسرائيل ضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية فجر أمس، بدا أن هذا الإرث الموعود يواجه اختباره الأكثر خطورة.

فتحت الغارة الجوية، التي لم تشارك فيها الولايات المتحدة بشكل مباشر، وفقًا للرواية الرسمية، الباب أمام احتمال الانجرار إلى صراع عسكري جديد في المنطقة. وهذا يضع ترامب في مأزق: إما الوفاء بوعده بعدم شن حروب جديدة، أو دعم أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، إسرائيل، في حال واجهت ردًا إيرانيًا مدمرًا.

قاعدة غاضبة

 

في حركة “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، التي أعادها ترامب إلى السلطة، اندلعت موجة غضب عارم بعد الإعلان عن الهجوم الإسرائيلي. فالأصوات التي طالما دافعت عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” تُحذر الآن من أن الهجوم “استفزاز مُدبّر” يهدف إلى جر واشنطن إلى حرب مع إيران – حرب يخشون أن تكون أكثر عنفًا وطولًا من حرب العراق.

قال الصحفي اليميني ساغار إنجيتي، أحد أبرز ممثلي وسائل الإعلام الجديدة لليمين الأمريكي: “إسرائيل تسخر الآن من الولايات المتحدة”. وأضاف: “إذا انجرت أمريكا إلى هذا الصراع، فستبدو كارثة العراق مجرد لعبة أطفال”. وذهب إنجيتي إلى أبعد من ذلك، قائلاً إن الهجوم الإسرائيلي كان محاولة متعمدة لتقويض العملية الدبلوماسية. وكان يشير إلى المحادثات المقررة يوم الأحد بين المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف وطهران.

قال تشارلي كيرك، مؤسس منظمة “نقطة تحول الولايات المتحدة الأمريكية” والشخصية المؤثرة في البيت الأبيض، لمناصريه فور وقوع الهجوم: “ما حدث اليوم سيقلب المشهد السياسي الأمريكي رأسًا على عقب. الأمر لا يتعلق فقط بالدعم العسكري لإسرائيل، بل بمصير استراتيجية ترامب برمتها”.

 

انقسام في معسكر ترامب: دعم حليف أم تجنب الحرب؟

جاء الهجوم الإسرائيلي في وقت حساس للغاية بالنسبة لترامب. فقبل ساعات، دعا سياسيون بارزون من معسكره علنًا إلى التدخل لمنع إسرائيل من تنفيذ العملية.

وكتبت مولي همنغواي، رئيسة تحرير مجلة “الفيدراليست” والمقربة من ترامب: “إن السماح باستمرار الهجوم دون تدخل سيكون خيانة لا تُغتفر لملايين الناخبين الذين أعادوا انتخابه للرئاسة”.

وحذر جاك بوسوبيك، وهو قومي بارز مؤيد لترامب، من العواقب الاقتصادية المباشرة: “ما رأيك فيما سيحدث لأسعار الغاز في الصيف إذا اندلعت حرب مع إيران؟”

وتعكس هذه التحذيرات الاعتقاد المتزايد بين أنصار ترامب بأن “الضربات الاستباقية” ليست أكثر من فخ لإسرائيل يهدف إلى إحراج الرئيس الأميركي أو تقديمه أمام الأمر الواقع.

 

هل فقد ترامب السيطرة على نتنياهو؟

كان السؤال المتكرر مساء الخميس: هل حاول ترامب فعلاً منع الهجوم وفشل؟ أم أنه أذن به سراً رغم معارضة قاعدته الشعبية؟ في حين تنفي الحكومة الأمريكية أي تورط لها في الهجوم، إلا أن التوقيت والظروف المحيطة به تثير الشكوك.

صرح مسؤول في البيت الأبيض قائلاً: “حذّر الرئيس علناً من هجوم محتمل، وأكد تفضيله للنهج الدبلوماسي”. إلا أن منتقدي ترامب اليمينيين يجادلون بأن تحذيره لم يكن كافياً. وإذا فشل في منع الهجوم، فسيتحمل المسؤولية، شاء أم أبى.

قال الصحفي المحافظ مات بويل، وهو من المقربين من ترامب: “يمر الرئيس بمرحلة حرجة. عليه أن يوازن بين حماية إسرائيل وتجنب جر أمريكا إلى حرب أخرى. هذه لحظة حرجة قد تؤثر على رئاسته بأكملها”.

 

الغضب يتحول إلى خوف من الانتخابات

في الخلفية، لم يغب التركيز عن انتخابات التجديد النصفي المقبلة، إذ يخشى الجمهوريون من أن يُلحق بهم صراع جديد في الشرق الأوسط ضررًا. تساءل معلق في بودكاست ستيف بانون “غرفة الحرب”: “هل يدرك البيت الأبيض أن الانقسام داخل معسكر ترامب قد يُكلفه أغلبيته في الكونغرس؟”

وفي ضوء التقارير التي تتحدث عن إجلاء بعض المسؤولين الأميركيين من المنطقة والمخاوف المتزايدة من الانتقام الإيراني ضد القواعد الأميركية في الخليج والعراق وسوريا، يبدو أن المخاوف من التورط في المواجهة ليست نظرية فحسب.

 

ترامب يحاول الحفاظ على رباطة جأشه.. أمريكا أولا أم إسرائيل أولا؟

في مواجهة هذا الضغط غير المسبوق، كرّر ترامب في وقت متأخر من الليلة الماضية تأكيده على أن إدارته “لا تزال ملتزمة بالتوصل إلى حل دبلوماسي للقضية النووية الإيرانية”. وأضاف على منصته “تروث سوشيال”: “لقد وجهتُ الإدارة لمواصلة التركيز الكامل على المفاوضات”.

ولكن بعد ساعات من هذا التصريح، قصفت الطائرات الإسرائيلية أهدافاً في طهران، وطغت ضجيج القنابل على رسالة الهدوء.

 

سؤال اللحظة: إلى أين تتجه عقيدة ترامب؟

يبدو أن الهجوم الإسرائيلي كشف هشاشة أحد أهم ركائز سياسة ترامب الخارجية. فالصيغة التي اعتمد عليها منذ حملته الانتخابية الأولى – اعتبار إسرائيل شريكًا استراتيجيًا لا يُضاهى مع تجنب التدخلات العسكرية الأمريكية الجديدة – لم تعد صالحة.

مع تصاعد الغضب في صفوفه، يجب على ترامب توضيح موقفه أكثر من أي وقت مضى: هل يستطيع حقًا إبعاد أمريكا عن الحرب؟ هل يستطيع في الوقت نفسه الحفاظ على تحالفه المتين مع نتنياهو؟ أم أن أحد هذين الركيزتين سينهار لا محالة؟

وفي نهاية المطاف، قد يكون هذا الهجوم بمثابة اللحظة الحاسمة في ولاية ترامب الثانية، لأنه يسلط الضوء على القيود التي تفرضها استراتيجية “أميركا أولا” في مقابل استراتيجية “إسرائيل أولا”.

 


شارك