تقرير: انقطاع الاتصالات يعزل غزة.. وصحفيوها يخاطرون لنقل الحقيقة

لليوم الثالث على التوالي، اضطر الصحفيون في غزة إلى الاعتماد على شرائح إلكترونية متصلة بشبكات إسرائيلية لإرسال موادهم إلى العالم الخارجي. وقد انطوى ذلك على مخاطرة كبيرة وجهد متزايد، إذ اضطروا للبقاء في مناطق مفتوحة ومعرضة لخطر الجيش. الصحفي معاذ العمور: منطقة الميناء في قطاع غزة أصبحت المنفذ الوحيد الذي يسمح بالوصول إلى الشبكات الإسرائيلية، ولكن مع وجود خطر الاستهداف. الصحفي مايكل بحر: انقطاع الإنترنت في غزة تسبب في أزمة حقيقية للمؤسسات الإعلامية والصحفيين. **المصور الصحفي محمود عيسى: لا توجد وسائل اتصال فعالة، مما يمنعنا من معرفة أماكن الأحداث في قطاع غزة.
لليوم الثالث على التوالي، يضطر الصحافيون الفلسطينيون إلى المخاطرة بحياتهم من أجل نقل الحقيقة للعالم، في حين انقطعت خدمات الإنترنت والاتصالات في قطاع غزة بشكل كامل بسبب القصف الإسرائيلي للبنية التحتية. وإزاء انقطاع التيار الكهربائي، انتقل العديد من الصحافيين إلى ميناء غزة المعرض للقصف الإسرائيلي، أو إلى مناطق مرتفعة مكشوفة تتعرض لقصف الجيش بشكل متكرر، محاولين التقاط إشارة ضعيفة من شرائحهم الإلكترونية لإرسال الصور والتقارير إلى العالم الخارجي. يواجه الصحفيون أيضًا مخاطر كبيرة عند استخدام هذه الشرائح المتصلة بالشبكات الإسرائيلية. ووفقًا لمصادر أمنية، استهدفت تل أبيب بالفعل العديد من مستخدمي هذه الشرائح خلال الحرب، مما زاد المخاوف من إمكانية استهدافهم بشكل مباشر. أعلنت هيئة تنظيم الاتصالات الفلسطينية، يوم الخميس، عن توقف جميع خدمات الإنترنت والهاتف الثابت في قطاع غزة، إثر قصف إسرائيلي استهدف البنية التحتية للقطاع. واستمر الانقطاع ليومين في قطاع غزة والمحافظات الشمالية، ويمتد الآن إلى المحافظات الجنوبية والوسطى. وقالت الوكالة في بيان لها إن العزلة الرقمية في قطاع غزة تفاقمت بسبب الهجمات الإسرائيلية الممنهجة على البنية التحتية للاتصالات، على الرغم من المحاولات العديدة السابقة لاستعادة العديد من الطرق البديلة والمغلقة منذ فترة طويلة. جاء هذا الانقطاع وسط اتهامات لإسرائيل بتعمد عرقلة الوضع في قطاع غزة. وفي وقت سابق من صباح الجمعة، شنت إسرائيل عدوانًا واسع النطاق على إيران بدعم ضمني من الولايات المتحدة. وشملت عملية “الأسد الصاعد” أكثر من 200 طائرة مقاتلة، قصفت منشآت نووية وقواعد صاروخية في مناطق مختلفة، واغتالت قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين. أعلن الجيش الإسرائيلي أن “هجومه الاستباقي”، الذي يستمر على دفعات متتالية، نُفذ بناءً على تعليمات من المستوى السياسي. في غضون ذلك، جددت إيران تأكيدها على حقها المشروع في الرد على الهجوم، وهدد المرشد الأعلى علي خامنئي، في رسالة إلى شعبه، إسرائيل بـ”رد ساحق” سيجعلها تندم على هجومها.
**خطر وشيك
وقال مراسل قناة الجزيرة مباشر، الصحفي معاذ العمور، إن الفرق الإعلامية في غزة “تبحث بشكل يائس عن بدائل لبث المادة الصحفية منذ انقطاع الإنترنت قبل ثلاثة أيام”. وحول هذه البدائل أضاف العمور: «أصبحت منطقة الميناء (المدمرة) هي المخرج الوحيد، فهي الوحيدة التي تسمح بالاتصال بالشبكات الإسرائيلية (عبر الشرائح الإلكترونية)». وأوضح أن الفرق الإعلامية تبذل جهوداً كبيرة لإرسال المواد الصحفية إلى الخارج، وخاصة إلى منطقة ميناء غزة، حيث تقوم بإخراج المواد منها بشكل سريع بعد إرسالها باستخدام الشرائح الإلكترونية. وأكد العمور أن هذه العملية المستمرة تجري في ظل التهديد المستمر بالهجمات الإسرائيلية المباشرة، خاصة وأن البحرية الإسرائيلية لا تبعد سوى مئات الأمتار عن الساحل وبالتالي يمكنها إطلاق النار في أي لحظة، إضافة إلى تحليق مكثف للطائرات المسيرة على ارتفاع منخفض. واختتم حديثه بالإشارة إلى أنه بقطع الإنترنت والاتصالات، “تُسكت أصوات الفلسطينيين في غزة أمام العالم في وقت تتصاعد فيه المجازر والمجاعات. لا يوجد توثيق للجرائم ولا وسيلة لنقل الحقيقة. وهذا يمنح إسرائيل مجالًا أكبر لمواصلة جرائم الإبادة الجماعية بعيدًا عن أنظار العالم”.
**أزمة حقيقية
من جانبه أكد الصحافي مايكل بحر أن انقطاع الإنترنت في غزة تسبب في أزمة حقيقية للمؤسسات الإعلامية والصحافيين.وأضاف بحر “نضطر للسفر إلى مناطق مرتفعة وخطيرة للغاية فقط من أجل استقبال الإشارة عبر شرائح إلكترونية تعتمد على تغطية الشركات الإسرائيلية، في حين أن شركتي جوال وأوريدو الفلسطينيتين لا تقدمان هذه الخدمة”.وأوضح أنه رغم المخاطر الأمنية الكبيرة، لم يكن أمام الصحافيين في غزة خيار سوى استخدام هذه الشرائح للتواصل مع العالم الخارجي.وأضاف بهار “نتعرض لأشعة الشمس الحارقة ونضطر للبقاء في الهواء الطلق لساعات طويلة فقط من أجل جمع المواد الصحفية، على الرغم من أن التقارير سيئة للغاية والجهد مرهق وخطير”.وأشار إلى صعوبة استخدام هذه الشرائح، بالإضافة إلى “ضعف الإرسال” الذي يتطلب الاشتراك من خارج قطاع غزة.وأضاف بهار: “نواجه صعوبة في تجديد الاشتراكات لأنها تتطلب دفعات من خارج القطاع. كنا نعتمد سابقًا على الاتصالات المحلية، لكن اليوم تغير ذلك تمامًا”.وأضاف: “إن الاهتمام الدولي منصب حاليا على التطورات في إيران، في حين أن غزة تتجاهلها وسائل الإعلام بشكل شبه كامل، وترتكب الجرائم دون أن يلاحظها أحد”.يصف المصور الصحفي محمود عيسى وضع الاتصالات في غزة بالشلل التام: “لم تعد هناك وسائل اتصال فعّالة. شبكة جوال المحلية ضعيفة للغاية، لذا يصعب معرفة مكان الأحداث. لا يوجد إنترنت ولا وسيلة لنقل المعلومات”.ويشرح عيسى حجم التحدي اليومي: “يتعين علينا الذهاب إلى ميناء غزة، على الرغم من أنه منطقة خطيرة للغاية، فقط لفتح هواتفنا وتحميل الصور ومقاطع الفيديو عبر بطاقة SIM المتصلة بالشبكة الإسرائيلية”.ويتابع: “نقوم بتصوير الحدث في أقل من ساعة، لكن تسليم اللقطات قد يستغرق خمس ساعات من العمل والمخاطرة فقط من أجل إخبار العالم بما يحدث”.بدعم أمريكي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة، بما في ذلك القتل والتجويع وتدمير المنازل والخدمات والمساجد والكنائس والبنية التحتية والتهجير القسري، متجاهلة كل النداءات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لوقف العملية.خلّفت الإبادة الجماعية أكثر من 182 ألف قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 11 ألف مفقود. وشُرّد مئات الآلاف، وأودت المجاعة بحياة الكثيرين، بمن فيهم الأطفال.