تقرير: أطفال غزة.. عمل شاق تحت وطأة التجويع والإبادة الإسرائيلية

في سوق شعبي بخان يونس، جنوب قطاع غزة، بالقرب من ملجأ، تتناوب مجموعة من الأطفال على تشغيل آلة معدنية لطحن الحمص الصلب يدويًا. يحاولون كسب عيشهم بينما تواصل إسرائيل، التي ترتكب إبادة جماعية منذ عشرين شهرًا، تجويع الناس بشكل ممنهج. بأيدٍ صغيرة ووجوهٍ منهكة من الجوع والإرهاق، يُحرّك الأطفال الطاحونة بقوة في حركات دائرية مُرهقة. يُجسّد هذا المشهد حجم المسؤولية التي تُثقل كاهلهم بعد فقدان حقهم في التعليم والحماية والحياة الكريمة. يُجبرون على أداء أعمال شاقة بسبب ظروف معيشتهم البدائية إثر انقطاع التيار الكهربائي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما يُجبرهم على أداء مهام تفوق قدراتهم وأعمارهم. كما أن أعطال الأجهزة الإلكترونية الناتجة عن ذلك، ونقص التكنولوجيا ووسائل النقل، تُجبرهم على أداء هذه المهام. وتشمل هذه الأنشطة، على سبيل المثال، تقطيع الحمص يدوياً بدلاً من استخدام الآلات الكهربائية وسحب العربات الثقيلة، مما يزيد من معاناة الأطفال ويفاقم الآثار السلبية للعمل القسري، وبالتالي انتهاك القانون الدولي والقيم الإنسانية. تدعو منظمة العمل الدولية إلى إلغاء عمالة الأطفال ومكافحتها، وقد حددت يوم 12 يونيو/حزيران من كل عام يوما عالميا لهذا الغرض. وفي 16 مارس/آذار، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من أن الأطفال الفلسطينيين يواجهون ظروفاً “مقلقة للغاية”، ويعيشون في “خوف وقلق شديدين” ويعانون من عواقب حرمانهم من المساعدات الإنسانية والحماية. ويشكل الأطفال دون سن 18 عاماً ما نسبته 43% من إجمالي سكان دولة فلسطين، والذي سيصل، وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إلى نحو 5.5 مليون نسمة بحلول نهاية عام 2024. يدفع الأطفال الثمن الأكبر لهذه الحرب الدائرة. تشير الأرقام الرسمية إلى مقتل أكثر من 18 ألف طفل وإصابة عشرات الآلاف نتيجةً لها، بمن فيهم من بُتر أحد أطرافه أو أكثر، وفقًا لتقارير حقوق الإنسان. يعيش الأطفال المتبقون ظروفًا مأساوية بسبب النزوح المتكرر وفقدان أفراد أسرهم، بمن فيهم المعيل الرئيسي. وهذا يُلقي على عاتقهم مسؤولية كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بسبل عيشهم.
** رعاية الأسرة
عبد الرحمن أبو جامع، وهو مزارع للحمص ونزح من بلدة بني سهيلا إلى مركز خانيونس، قال لمراسل وكالة الأناضول إن الإبادة المستمرة حرمتهم من كل حقوقهم. يشير عبد الرحمن إلى أن أطفال قطاع غزة كانوا يعيشون حياة هانئة قبل الحرب، ويرتادون المدارس، ويرتدون ملابس العيد الجديدة. لكن منذ بداية الإبادة الجماعية، تغيرت حياتهم. وأوضح أنه بسبب الجوع والفقر اضطر لإعداد الفلافل لتلبية احتياجات أسرته اليومية وإطعامهم في الوقت الذي ينتشر فيه المجاعة في قطاع غزة. وأشار إلى أن الطرق الأخرى للحصول على الغذاء، كالذهاب إلى نقاط توزيع المساعدات الأمريكية الإسرائيلية، “قاتلة”. وأضاف: “كل من يخرج لتلقي المساعدات سيُقتل أو يُصاب”. وبحسب وزارة الصحة في غزة، فإن حصيلة القتلى جراء هجمات “المساعدات” بالقرب من نقاط توزيع المساعدات الأمريكية الإسرائيلية وصلت إلى “224 شهيداً و1858 جريحاً” منذ 27 مايو/أيار الماضي. بدأت إسرائيل، تحت إشراف الأمم المتحدة، تنفيذ خطة لتوزيع المساعدات عبر مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل في 27 مايو/أيار. ويقول الفلسطينيون إن الخطة تهدف إلى طردهم من شمال قطاع غزة إلى جنوبه. يأتي هذا في الوقت الذي أغلقت فيه إسرائيل المعابر الحدودية مع قطاع غزة أمام الشاحنات التي تحمل الإمدادات والمساعدات الإنسانية منذ الثاني من مارس/آذار. وتتراكم هذه الشاحنات على الحدود، مما يسمح فقط بدخول بضع عشرات من الشاحنات إلى قطاع غزة، في حين يحتاج الفلسطينيون في قطاع غزة إلى 500 شاحنة على الأقل يومياً. وعبر الطفل الفلسطيني عن خطورة الوضع في قطاع غزة بقوله: “لا يستطيع الفلسطيني ضمان بقائه على قيد الحياة حتى من على بعد خطوتين”، في إشارة إلى إمكانية تعرضه للقصف الإسرائيلي في أي وقت حتى لو تحرك أو مشى.
“الطفولة حلم”
حبيبة (8 سنوات) تتجول في ملجأ الحيوانات بحثًا عن أشخاص يشترون لها البسكويت لمساعدتها في دعم أسرتها ماليًا. وتقول حبيبة التي نزحت مع عائلتها من شرق خانيونس إلى مأوى مؤقت، إنها تبيع البسكويت لمساعدة عائلتها في العيش على الضروريات الأساسية. وأضافت لوكالة الأناضول أنها تعمل على شراء الدقيق في ظل المجاعة ومنع استيراد المساعدات. وعن أحلامها، توضح حبيبة أنها تأمل أن “تعيش حياة طبيعية مثل الأطفال الآخرين”، مشيرة إلى أنها قبل الحرب “كانت تلعب وتتعلم”. ولكن مع بداية حرب الإبادة، أدركت أن إسرائيل لم تترك شيئاً إلا ومسّته، بينما انتشر الدمار في كل مكان. وبحسب آخر إحصائيات مكتب الحكومة في غزة، فإن الدمار الناجم عن الإبادة الجماعية وصل إلى نحو 88 في المائة من البنية التحتية والمنازل والمباني في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
**الخوف والخطر
تذهب نور الشوا، البالغة من العمر 11 عامًا، يوميًا إلى مستشفى ناصر مع عائلتها لتعبئة المياه الخاصة بهم. وتقول وهي تدفع كرسيها المتحرك المحمل بزجاجات المياه الثقيلة، إنها فقدت دراستها وتعليمها. تعرب نور عن خوفها من الإبادة الجماعية المستمرة في إسرائيل، والتي حرمتهم من طفولتهم وراحة بالهم. تالا الشنبري، طفلة، تشارك معاناتهم وتضطر للعمل وبيع الطعام لمساعدة أسرتها في تلبية احتياجاتهم. تستذكر تالا حياتها قبل الحرب بمرارة قائلةً: “كنا نعيش حياةً جيدة، أما الآن فقد تغير كل شيء. المعابر مغلقة، ولا يوجد طعام ولا ماء، والوضع يزداد صعوبةً بسبب الغارات الجوية المستمرة”. وأوضحت أنها وعائلتها فتحوا “كشكًا صغيرًا لكسب العيش”، وتابعت بمرارة “سنذهب إلى موتنا للحصول على الطعام”. وتأمل الفتاة الفلسطينية أن تنتهي الحرب قريبا وأن تتمكن من العودة إلى منازلها في شمال غزة ولقاء أقاربها.
**آمال في نهاية الحرب
“أبيع الملابس لمساعدة عائلتي في شراء الدقيق”، يقول يامن القرة، وهو مستلقٍ على الأرض مع عدد من قطع الملابس البالية جزئياً. تحت أشعة الشمس الحارقة، يشرح يامن أنه فقد حقه في التعلم واللعب، ويجب عليه الآن أن يعمل كعامل لدعم أسرته. وأعرب عن أمله في التوصل إلى هدنة ووقف إطلاق النار في غزة حتى يتمكن من العودة إلى الدراسة واستئناف حياته الطبيعية. تحت ضغط المجاعة المتفاقمة، تضطر منى الشنبري، البالغة من العمر 14 عاماً، إلى بيع الخبز للفلسطينيين لإطعام أسرتها. بدلاً من اللعب والضحك، تنادي منى بصوت عالٍ لجذب انتباه المارة في السوق الشعبي: “تعالوا من أجل الخبز”. منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل، بدعم أمريكي، إبادة جماعية في قطاع غزة. قُتل وجُرح أكثر من 182 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وفُقد أكثر من 11 ألفًا. كما شُرّد مئات الآلاف، وأودت المجاعة بحياة الكثيرين، بمن فيهم الأطفال.