غزة بلا أضاحٍ.. إسرائيل تقضي على شعائر العيد للعام الثاني

المزارع طه صلاح: كنا نبيع مئات الأبقار يومياً، أما الآن فلا يوجد بيع ولا ذبح.
المزارع عامر صلاح: إسرائيل منعت استيراد المواشي إلى غزة منذ بداية الحرب.
عبد الرحمن عماد صاحب المزرعة: لا لحوم ولا ذبح ولا فرحة في هذا العيد.
وللعام الثاني على التوالي، لم يتم إجراء طقوس التضحية في قطاع غزة بعد أن قامت إسرائيل، خلال حربها الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، بتدمير مزارع الماشية وقتل الماشية المتبقية من خلال التجويع أو القصف على مدى العشرين شهرا الماضية.
يُعدّ نقص الأضاحي من أبرز مظاهر الحصار والمجاعة التي يعاني منها الفلسطينيون في قطاع غزة، نتيجةً لحظر استيراد الماشية، ونقص الأعلاف، والهجمات المتكررة على المزارع والمراكز البيطرية.
وتعرضت معظم مزارع الثروة الحيوانية في قطاع غزة لتدمير كلي أو جزئي بسبب القصف الإسرائيلي، فيما نفقت آلاف الحيوانات نتيجة التجويع الممنهج من قبل الإسرائيليين، أو الإصابات، أو نقص الرعاية البيطرية.
يصادف عيد الأضحى المبارك غدًا الجمعة، وهو يُمثل الإبادة الجماعية الرابعة للفلسطينيين، والتي خلّفت أكثر من 180 ألف قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، وأكثر من 11 ألف مفقود. وشُرّد مئات الآلاف، وأودت المجاعة بحياة الكثيرين، بمن فيهم الأطفال.
وعلى النقيض من الأعياد الثلاثة السابقة، يأتي هذا العيد في وقت من المجاعة غير المسبوقة، حيث أغلقت إسرائيل المعابر الحدودية أمام الإمدادات منذ الثاني من مارس/آذار.
** المزارع الفارغة
في جباليا، شمال غزة، اختفى صوت الماشية. تحولت المزارع إلى أراضٍ قاحلة، لا يسكنها سوى الإبل الضعيفة التي ترعى الصبار – مشهدٌ مؤلمٌ يُبرز حجم الكارثة.
وقال طه صلاح، صاحب إحدى المزارع التي تعرضت للقصف: “قبل العيد كنا نملك مئات الرؤوس من الماشية، واليوم المزرعة فارغة”.
دُمّرت مزرعة صلاح جزئيًا جراء القصف الإسرائيلي، ما اضطره إلى تحويل جزء منها إلى زراعة الخضراوات. وفي الوقت نفسه، جرفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مزرعته الثانية شرق قطاع غزة.
ويضيف صلاح بحزن: “كنا نبيع من ٢٠٠ إلى ٣٠٠ رأس ماشية يوميًا، أما الآن فلا بيع ولا شراء. ليس لدينا ما نبيعه على الإطلاق”.
ويوضح أنه في الماضي كان يتم ذبح 10 آلاف رأس من الماشية خلال عيد الفطر في شمال قطاع غزة وحده، “لكن هذا العام قد لا يكون هناك أي ذبح على الإطلاق في مزرعته”.
ويشير إلى أن الثروة الحيوانية المتبقية في شمال قطاع غزة لا يزيد عددها عن 14 رأساً هزيلة لم يتم بيعها حتى الآن.
قبل اندلاع الإبادة الجماعية في أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان موسم عيد الأضحى في غزة مسرحاً لاستقرار نسبي على الرغم من الحصار المفروض على قطاع غزة.
بحسب وزارة الزراعة الفلسطينية، ذبح حوالي 17 ألف عجل و24 ألف رأس من الأغنام في يوليو/تموز 2023، أي قبل ثلاثة أشهر من بدء الحرب. وبلغ عدد العائلات التي ضحّت بالأضاحي حوالي 130 ألف عائلة، أي ما يعادل 28% من إجمالي سكان قطاع غزة.
**أسعار رائعة
في ظل هذا الواقع الصعب، وصلت أسعار الإبل إلى مستويات فلكية، مما جعلها بعيدة المنال بالنسبة للفلسطينيين المنهكين من الحرب الدائرة. ووفقًا للمزارع طه، يتجاوز سعر الجمل الواحد 15 ألف دولار، بينما يتراوح سعر الكيلوغرام الحي بين 67.57 دولارًا و81 دولارًا.
وأضاف: «أما الأغنام فهي شبه معدومة، وعندما يتم العثور عليها تكون هزيلة وضعيفة وغير صالحة للذبح».
ويوضح أن مزرعته كانت مصدر رزق لنحو 50 عائلة فلسطينية، خاصة خلال عيد الأضحى، إلا أن الحرب والحصار دمرا هذا المصدر للدخل، وتركا جميع العاملين فيها عاطلين عن العمل.
ويأتي عيد الفطر في غزة في وقت يكافح فيه المواطنون يومياً للحصول على الضروريات الأساسية للبقاء على قيد الحياة في ظل القصف المستمر والدمار الواسع وانعدام الدخل ونقص المساعدات الإنسانية.
بلغت الخسائر المباشرة في الزراعة وتربية الماشية والصيد أكثر من 2.2 مليار دولار، بحسب مكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة.
وعلى الجانب الآخر من المزرعة يقف العامل عامر صلاح، الذي بدأ في قطع الصبار لإطعام الإبل الهزيلة المتبقية.
قال لمراسل وكالة أنباء الأناضول: “كنا نوفر للماشية علفًا جيدًا، لكننا الآن لا نجد شيئًا. حتى لو كان لدينا علف، فإن سعر الكيس الواحد يتجاوز 5000 شيكل (1351 دولارًا)”.
وأضاف أن إسرائيل منذ بداية الحرب استمرت في منع دخول الماشية إلى قطاع غزة، ولم تسمح إلا بكميات محدودة من اللحوم المجمدة خلال فترات السلم.
ويتابع بحزن: “لا أحد يستطيع شراء الأضاحي، لا الإبل ولا الغنم الصغيرة. وعندما تتوفر، تكون الأسعار جنونية”.
ومن خلال تجويع الفلسطينيين عمداً وبالتالي تمهيد الطريق لنزوحهم القسري، فإن إسرائيل دفعتهم إلى المجاعة من خلال إغلاق المعابر أمام المساعدات الإنسانية، وخاصة الغذاء.
وقال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، لوكالة أنباء الأناضول، الخميس، إن إسرائيل أدخلت غزة في “أخطر مرحلة من المجاعة”.
وحذر من أن عواقب الجوع ستستمر لأجيال، وأكد أن ما يحدث في قطاع غزة هو “إبادة جماعية وجوع وجريمة ضد الإنسانية وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان”.
حوّلت إسرائيل غزة إلى أكبر سجن في العالم، وتحاصرها منذ ثمانية عشر عامًا. أجبرت حرب الإبادة ما يقرب من مليوني نسمة على الفرار من منازلهم في ظروف مروعة، حيث أصبح الغذاء والماء والدواء شحيحًا بشكل متعمد.
** لا ذبح في هذا القسم
ويشير عبد الرحمن عماد، وهو مزارع في دير البلح (وسط قطاع غزة)، إلى الارتفاع الكبير في أسعار اللحوم، قائلاً: “قبل الحرب كان سعر كيلوغرام الأغنام الحية 25 شيكلاً كحد أقصى (6.76 دولار)، أما اليوم ورغم نقص الأغنام فقد ارتفع إلى أكثر من 250 شيكلاً (67.57 دولار)”.
وأكد عماد لمراسل وكالة الأناضول أن “الأغنام عندما تعرض للبيع لا يتم منحها إلا للمؤسسات والجمعيات الخيرية بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين”.
ويشير إلى أن تربية الماشية قد انهارت تمامًا، مضيفًا: “لا يوجد علف، ولا أدوية، ولا لقاحات، ولا حتى أطباء بيطريين. الاحتلال يمنع استيراد كل شيء. حتى الأغنام القليلة المتبقية تزن أقل من 30 كيلوغرامًا، مع أن وزنها المفترض أن يكون ضعف ذلك”.
يقول: “لم يبقَ لدينا شيء. حتى من يرغب بالتضحية لا يستطيع تحمّلها. سيكون هذا العيد مختلفًا عن غيره. لا لحم، لا ذبح، لا فرح”.
ناشد أصحاب المزارع السياسيين العرب والمؤسسات الدولية التدخل العاجل لإنقاذ ما تبقى من الماشية قبل انتهاء موسم الأضاحي، مطالبين بفتح المعابر واستيراد المواشي والسلع الأساسية والأعلاف.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل ـ بدعم أميركي ـ جرائم إبادة جماعية في غزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير، متجاهلة النداءات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لوضع حد لها.
خلّفت الإبادة الجماعية ما يقارب 180 ألف قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 11 ألف مفقود. وشُرّد مئات الآلاف، وأودت المجاعة بحياة الكثيرين، بمن فيهم الأطفال، وأدت إلى دمار واسع النطاق.
وتفرض إسرائيل حصارا خانقا على غزة منذ 18 عاما، مما أدى إلى نزوح نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل 2.4 مليون نسمة بعد تدمير منازلهم بسبب الحرب.