خبراء: زيادة أسعار الغاز للمنازل لن يرفع معدلات التضخم ولكنه يمثل ضغطا على دخول المواطنين

شافي: الزيادة مبررة خاصة في ظل أزمة الغاز الطبيعي التي تعيشها البلاد حاليا.
فؤاد: رغم الزيادة يبقى السعر أقل بكثير من التكلفة الفعلية.
حسن: استهلاك الغاز في المنازل الخاصة ليس مرتفعا وأسعار الغاز منخفضة مقارنة بأسعار الكهرباء والماء.
ويرى بعض الاقتصاديين أن قرار زيادة أسعار الغاز للمنازل لن يكون له تأثير كبير على معدلات التضخم لأن أسعار الغاز للمنازل أقل من أسعار الكهرباء والمياه والاستهلاك أقل. ومع ذلك، فإن ذلك سيؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من الضغوط على دخل المواطنين. ويوضحون أن الزيادة الحالية منطقية، خاصة في ظل أزمة الغاز الطبيعي التي تعاني منها البلاد حاليا، وتمثل إعادة توازن تدريجي للتكاليف على الدولة وسعر البيع.
قال مصدر مسئول بوزارة البترول لـ«الشروق»، إن أسعار الغاز المنزلي سترتفع بنسبة 30%. وأشار إلى أن الشركة القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) أبلغت شركات الغاز بالفعل بالزيادة المقررة لكل شريحة استهلاك في فاتورة يونيو المقبل.
وفي إطار هذه الزيادة، سيصبح سعر المتر المكعب من الغاز في الشريحة السعرية الأولى (من صفر إلى 30 متر مكعب) 4 جنيهات (كان 3 جنيهات سابقًا). وفي الفئة السعرية الثانية (أكثر من 30 متر مكعب وحتى 60 متر مكعب) يرتفع سعر المتر المكعب من 4 جنيهات إلى 5 جنيهات. وتشمل الزيادة أيضًا أعلى شريحة استهلاك (أكثر من 60 مترًا مكعبًا)، حيث يرتفع سعر المتر المكعب من 5 جنيهات إلى 7 جنيهات.
قال الخبير الاقتصادي محمد فؤاد، إن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي سيمثل عبئا إضافيا على المواطنين، لكنها مجرد انعكاس للواقع المالي والاقتصادي الحالي. وسواء كانت هذه الزيادة “مواتية” أم لا، فهي حقيقة لا مفر منها في سياق التعديل التدريجي الذي يهدف إلى الحد من فقدان الدعم وترشيد استخدام الموارد. وهي ضريبة حالية يدفعها المواطنون.
وأضاف فؤاد أن هذه ليست مجرد “قرارات فردية”، بل هي نتائج تراكمية لسياسة اقتصادية توسعية ارتكزت على زيادة مفرطة في الدين العام، وانخفاض كبير في قيمة العملة، وارتفاع تكاليف الإنتاج والمرافق، في حين ظلت الأجور مستقرة نسبيا ولم تواكب هذه التغيرات. والنتيجة الطبيعية لكل هذا هي اختلال التوازن في هيكل الأسعار الحقيقية، وهو ما يعني أن الدولة تواجه الآن فجوة تمويلية غير مستدامة، وخاصة في ضوء الحصة المتزايدة من الغاز الطبيعي المسال المستورد.
وأشار إلى أن الزيادة الحالية ليست إجراء لخفض التكاليف ولا استرداد التكاليف بالكامل، بل هي إعادة تنظيم تدريجي لتكاليف الدولة وسعر البيع. وأضاف أنه لا يتوقع ظهور أي ضغوط تضخمية كبيرة، خاصة إذا ظل الإجراء مقتصرا على شريحة الدخل المتوسط والمتوسط العالي أو على القطاع غير المحلي. وتظل الدولة الراعي الرئيسي، وستستمر في تحمل جزء كبير من التكاليف.
وأوضح فؤاد أن التكلفة الفعلية لإنتاج وتوصيل الغاز الطبيعي تبلغ 0.224 دولار للمتر المكعب. وتنتج هذه التكاليف عن مزيج من 4 مليارات قدم مكعب من الإنتاج المحلي يومياً بسعر 2.375 دولار، ومليار قدم مكعب من الغاز عبر خطوط الأنابيب بسعر 7.55 دولار، و2.2 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي المسال بسعر 13 دولاراً. في المقابل، يبلغ سعر البيع الحكومي الحالي 3.25 جنيه مصري للمتر المكعب، أي ما يعادل 0.065 دولار أميركي. ويعني هذا أن الدولة تتكبد خسارة قدرها 0.159 دولار لكل متر مكعب، وهو ما يعادل نحو 71% من التكلفة.
وأضاف أنه في حالة زيادة السعر إلى 6 جنيهات مصرية للمتر المكعب (أو 0.12 دولار)، فإن الخسارة ستنخفض إلى 0.104 دولار للمتر المكعب، وهو ما يعادل نحو 46% من التكلفة الفعلية. وبالتالي، حتى بعد الزيادة، فإن السعر سيظل أقل بكثير من التكاليف الفعلية.
قال محمد حسن العضو المنتدب لشركة ألفا لإدارة الاستثمارات المالية إن ارتفاع أسعار الغاز المنزلي لن يكون له تأثير على معدلات التضخم والاقتصاد ككل لأن استهلاك الغاز المنزلي ليس مرتفعا وأسعار الغاز منخفضة مقارنة بأسعار الكهرباء والمياه. وأوضح أن الأزمة ستزداد سوءاً في حال رفع أسعار البنزين للمصانع والشركات، حيث سيؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع في الأسواق.
ارتفع معدل التضخم السنوي على مستوى الجمهورية إلى 13.5% في أبريل، مقابل 13.1% في مارس، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والتي أظهرت ارتفاعا شهريا بنسبة 1.3% مقارنة بشهر مارس 2025.
وأوضح حسن أن الزيادة سيكون لها تأثير سلبي على دخل المواطنين وميزانياتهم الفردية. وأضاف أن فاتورة الغاز للمنازل لا تتجاوز 200 جنيه، وقد تصل إلى 250 جنيها بعد الزيادة.
من جانبه، قال مصطفى شفيع رئيس قطاع البحوث بشركة عرب أون لاين لتداول الأوراق المالية، إن قرار الوزارة بزيادة أسعار الغاز محلياً منطقي ومبرر، خاصة في ظل أزمة الغاز الطبيعي التي تعاني منها البلاد حالياً، والتحول إلى الاستيراد بعد تصدير الغاز سابقاً، وتشغيل أربع وحدات تغويز مؤخراً بعد إسالة الغاز في محطات محلية ثم تصديره.
وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال عرضه على الرئيس عبد الفتاح السيسي الأربعاء الماضي، إنه تم تحسين منظومة استقبال الغاز من خلال زيادة عدد سفن التغويز إلى أربع سفن، مقارنة بسفينة واحدة فقط الصيف الماضي. وأشار إلى أن سفينتين جديدتين ستصلان الشهر المقبل، ما سيزيد من كفاءة استيراد الغاز وبالتالي تلبية الطلب المتزايد خلال ذروة الاستهلاك في الصيف.
وأوضح الشافعي أن زيادة الدخل من شأنها أن تزيد الضغوط على المواطنين. ورغم أن البنزين ليس عاملاً قوياً مثل الديزل والبنزين، فإنه في نهاية المطاف يفرض ضغوطاً على دخل المواطنين، مما يؤثر سلباً على مختلف فئات الدخل المنخفض.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، رفعت الحكومة سعر الغاز الطبيعي للمنازل الخاصة بواقع يتراوح بين 40 إلى 100 قرش للمتر المكعب. ويأتي هذا في إطار خطة أوسع نطاقا للدولة لإلغاء دعم الوقود تدريجيا. وارتفع سعر المتر المكعب من 2.60 جنيه إلى 3 جنيهات للمنازل التي يصل استهلاكها من الغاز إلى 30 مترا مكعبا. وبالنسبة للمنازل التي يتراوح استهلاكها من الغاز بين 31 و60 مترا مكعبا، ارتفع السعر من 3.35 جنيه إلى 4 جنيهات للمتر المكعب، وبالنسبة للمنازل التي يزيد استهلاكها من الغاز عن 60 مترا مكعبا ارتفع السعر إلى 5 جنيهات للمتر المكعب (من 4 جنيهات سابقا).
وفي أبريل الماضي، قررت لجنة تسعير المواد البترولية زيادة سعر أسطوانة البوتاجاز سعة 12.5 كيلوجرام للاستخدام المنزلي من 150 جنيهاً إلى 200 جنيه. وقررت اللجنة أيضًا زيادة سعر أسطوانة البوتاجاز التجاري من 300 جنيه إلى 400 جنيه.
على مدار العام الماضي، تحولت مصر من دولة مصدرة للغاز الطبيعي إلى دولة مستوردة للغاز الطبيعي. وتتمثل أسباب ذلك في زيادة الاستهلاك وفي الوقت نفسه انخفاض الإنتاج المحلي بسبب الاختناقات في حقول الغاز الحالية. وقد أدى ذلك إلى أزمة في الصناعة وكان له تأثير سلبي على إمدادات الغاز المحلية والصادرات. وتعمل وزارة البترول حالياً على زيادة إنتاجها من الغاز من خلال حفر آبار جديدة وتطوير الحقول القائمة.
وفي الآونة الأخيرة، شهدت العديد من الحقول تراجعاً في الإنتاج، وخاصة في حقل ظهر، بعد أن حققت مصر الاكتفاء الذاتي. ووصل إنتاج الحقل إلى نحو 3 مليارات قدم مكعبة غاز يومياً بعد بدء الإنتاج المحلي من حقل ظهر في ديسمبر 2017، وكان هذا أحد أكبر اكتشافات الغاز في البحر المتوسط في الآونة الأخيرة.
ارتفعت واردات مصر من الغاز الطبيعي بنسبة 103.3% في عام 2024 لتصل إلى 4.90 مليار دولار، مقابل 2.41 مليار دولار في عام 2023 بزيادة قدرها 2.48 مليار دولار. في غضون ذلك، انخفضت قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال خلال العام الماضي، لتسجل 313.8 مليون دولار، مقابل 2.56 مليار دولار في عام 2023، بانخفاض قدره 2.25 مليار دولار. وفقاً لنشرة التجارة الخارجية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.