أوروبا وإفريقيا.. شراكة معقدة في مزيج من التكامل والتبعية

منذ 21 ساعات
أوروبا وإفريقيا.. شراكة معقدة في مزيج من التكامل والتبعية

الباحث المغربي الأفريقي زكريا أكنوش: رغم أن أفريقيا استطاعت التغلب على الاستعمار، إلا أنها ظلت تابعة وخاضعة للدول الأوروبية. تشهد أفريقيا صراعا على السلطة بين القوى الكبرى بقيادة الصين.

انعقد الأسبوع الماضي في العاصمة البلجيكية بروكسل الاجتماع الوزاري الثالث لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي. لمناقشة شراكتهما وسبل تعزيزها، في ضوء الشكاوى المستمرة بشأن عدم تكافؤ الفرص بين القارتين، واستمرار التبعية وتأجيج الصراعات العرقية.

وبحسب بيان مشترك، ناقش الجانبان التقدم في شراكتهما، فضلاً عن مجموعة من القضايا بما في ذلك الأمن والتعاون الاقتصادي.

بلغت استثمارات الاتحاد الأوروبي في القارة الأفريقية نحو 257 مليار يورو في عام 2023، بحسب الاتحاد الذي يعتبر أكبر مستثمر في أفريقيا وأكبر شريك تجاري للقارة.

قال الباحث المغربي في الشؤون الأفريقية زكريا أكنوش لوكالة الأناضول للأنباء، إن القارة رغم تحررها من الاستعمار “لا تزال تعيش في حالة من التبعية والخضوع للدول الأوروبية”. وأشار إلى أن أفريقيا “غنية بالموارد الطبيعية ولكنها فقيرة في التنمية”.

واتهم أقنوش بعض الدول الأوروبية بـ”تأجيج الصراعات العرقية في القارة وتفاقم مشاكلها الاقتصادية والتنموية”.

ودعا الباحث المغربي السياسيين الأفارقة إلى “تنويع شركائهم من أجل حماية مصالح بلدانهم في ظل صراع القوى الكبرى على القارة، وخاصة الصين”.

– آفاق جديدة

وكان الاجتماع الوزاري الثالث لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي بمثابة التحضير لقمة رفيعة المستوى لرؤساء الدول والحكومات من كلا الطرفين في موعد سيتم تحديده لاحقًا.

وبحسب بيان مشترك، ركز الجانبان على القضايا الأمنية والاقتصادية والتنموية، مثل التوترات في السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، فضلاً عن جهود تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الساحل، التي لم تشارك دولها الثلاث (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) في الاجتماع.

وبحسب البيان، أكد الجانبان على ضرورة تعزيز التعاون السياسي والأمني لمواجهة التحديات المشتركة.

وقال أقنوش إن هذا اللقاء يأتي في إطار مواصلة توسيع الشراكة الاستراتيجية بين القارتين من خلال مراجعة وتقييم نتائج القمة المشتركة السادسة في بروكسل في فبراير 2022.

وأوضح أن القمة أرست سلسلة من الالتزامات السياسية والتنموية الرامية إلى تعزيز التعاون الثنائي في مجالات السلام والأمن والتنمية المستدامة والتكامل الاقتصادي والتبادل الثقافي.

وقال إنه خلال الاجتماع الوزاري الثالث للاتحادين الأسبوع الماضي، “أُجريت مناقشات مكثفة حول آليات تعزيز التنسيق المشترك واستكشاف آفاق جديدة للتعاون الاستراتيجي متعدد الأبعاد. جاء ذلك تمهيدًا للقمة السابعة بين الجانبين، في ظل التحديات والمتغيرات المتسارعة على الصعيدين الأفريقي والدولي”.

– القضايا الأمنية

وركز الاجتماع الأخير بين الاتحادين على القضايا الأمنية، في ظل استمرار التوترات في العديد من البلدان، بما في ذلك السودان ومنطقة الساحل.

منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، تشهد السودان حرباً بين الجيش وقوات الدعم السريع، أسفرت، بحسب الأمم المتحدة والسلطات المحلية، عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح نحو 15 مليوناً ولاجئ. وتشير دراسات أجرتها جامعات أميركية إلى أن عدد القتلى بلغ نحو 130 ألف شخص.

وتظل المشكلة الأمنية في منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا تشكل مصدر قلق بالنسبة لدول المنطقة ولممثلي الأمم المتحدة. ويعتبر عدد ضحايا الإرهاب في منطقة الساحل هو “الأعلى” في العالم خلال السنوات الثلاث الماضية.

أعلن مركز مكافحة الإرهاب التابع للاتحاد الأفريقي أنه سجل أكثر من 3200 هجوم إرهابي في مختلف أنحاء القارة بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2024، ما أسفر عن مقتل 8400 مدني.

أوضح أقنوش أن أفريقيا، الغنية بالموارد الطبيعية والمواد الخام، “تشهد صراعًا على النفوذ بين القوى الكبرى بقيادة الصين. ونتيجةً لذلك، أصبحت أفريقيا محورًا للطموحات الدولية. ولذلك، يرغب الاتحاد الأوروبي في أن تكون الشراكة التي يقترحها مبتكرةً وتحترم الدول الأفريقية”.

وأشار إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية “أثرت على الاجتماع الأوروبي الأفريقي الأسبوع الماضي”.

وأعرب عن اعتقاده بأن “زعزعة الاستقرار في القارة مدفوعة من قبل جهات صينية وروسية تختلف أساليبها ونواياها بشكل كبير عن أساليب ونوايا الاتحاد الأوروبي”.

منذ 24 فبراير/شباط 2022، تشن روسيا هجوما عسكريا على جارتها أوكرانيا وتطالب كييف بالانسحاب من عضويتها في القوات العسكرية الغربية كشرط لإنهاء الهجوم. وتعتبر كييف هذا بمثابة “تدخل” في شؤونها الداخلية.

– ورقة اقتصادية

وكان التركيز الرئيسي في جدول أعمال الاجتماع الأخير على تعزيز التعاون الاقتصادي بين القارتين، وخاصة من خلال الاستثمارات الأوروبية في الطاقة والبنية الأساسية، فضلاً عن الدعوات التي وجهها الوزراء الأفارقة لإعادة توجيه العلاقات الاقتصادية مع أوروبا.

وفي مؤتمر صحفي عقب الاجتماع، قالت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس إن الاتحاد الأوروبي يظل الشريك التعاوني الأول والأقرب لأفريقيا.

وأعلنت عن التزام استثماري بقيمة 150 مليار يورو تقريبًا كجزء من استراتيجية البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي؛ لتحسين البنية التحتية والاتصال الرقمي والتحول الأخضر في جميع أنحاء القارة.

وفي مارس/آذار الماضي، وقع الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي اتفاقية تمويل بقيمة 20 مليون يورو. ويهدف المشروع إلى تنفيذ مشاريع التنمية في القارة الأفريقية، على سبيل المثال في مجالات التحول الرقمي والاتصالات والطاقة ودعم النمو الاقتصادي.

وفي تعليقه على تطورات الشراكة بين الطرفين، وصف أقنوش العلاقة بين الجمعيتين بأنها “معقدة وتتضمن جوانب إيجابية وأخرى سلبية”.

وأضاف: “بينما هناك عناصر من التكامل، مثل الشراكات التجارية والتعاون في مختلف المجالات، هناك أيضا جوانب من التبعية بسبب اختلاف القدرات والاعتماد على المساعدات”.

– موازنة المصالح

ورأى أقنوش أن العلاقة بين القارتين الأفريقية والأوروبية “تقوم على مزيج من التكامل والتبعية وتتطلب التوازن بين مصالح الطرفين”.

وأشار إلى أن الدول الأفريقية “من أغنى الدول من حيث الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز، ولكنها أفقر المناطق من حيث التنمية”.

وتابع: “رغم تحرر أفريقيا من الاستعمار، إلا أنها ظلت تابعة وخاضعة للدول الأوروبية، التي لا تزال تغذي الصراعات العرقية والطائفية، والحروب الأهلية والقبلية، وتشعل الصراعات على الأرض والمياه والموارد الطبيعية في جميع أنحاء القارة”.

وأوضح أن هذا التدخل “يحول القارة إلى منطقة غير مستقرة بسبب غياب الاستقرار، مما يؤدي إلى تفاقم مشاكلها الاقتصادية والتنموية”.

ويقول الباحث المغربي إن “23 دولة أفريقية من أصل 53 دولة تصنف ضمن أفقر دول العالم حسب تقارير التنمية الدولية”.

ودعا الدول الأفريقية إلى “احتضان الديمقراطية من أجل التحرر من الوصاية الأوروبية”.

وأضاف: “لا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا تجنبنا الأنظمة الشمولية والاستبدادية السائدة في الدول الأفريقية والتي يتم تعزيزها وتعزيزها شكلا ومضمونا بفضل الدعم الأوروبي”.

واختتم أقنوش تصريحاته بالتأكيد على ضرورة قيام الدول الأفريقية بتنويع شركائها التجاريين بدلاً من الاعتماد بشكل كبير على الاتحاد الأوروبي.


شارك