«جيتوهات» مساعدات إسرائيل تقتل فلسطينيي غزة وتذكر العالم بالنازية

وفي مشهد يذكرنا بأحد أحلك فصول التاريخ البشري، تقلصت معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة اليوم إلى مشاهد تذكرنا بملاجئ الحرب العالمية الثانية، حيث كان الجوع والموت يتربصان خلف الأسلاك الشائكة.
بعد أكثر من ثمانية عقود من مأساة الأحياء اليهودية ومعسكرات الاعتقال النازية ضد اليهود في أوروبا الشرقية، عادت هذه الصور المأساوية إلى الواجهة مرة أخرى، ولكن هذه المرة من غزة المحاصرة.
وأظهرت صور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي مئات الفلسطينيين الجائعين داخل أقفاص حديدية ملفوفة بالأسلاك الشائكة، وهم يحاولون الحصول على مساعدات غذائية. يصف الكثيرون هذا المشهد بأنه إعادة تمثيل حديثة للغيتو النازي.
وفي الجزء الغربي من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، تحولت محاولة توزيع المساعدات الإنسانية الأساسية إلى مشهد مأساوي فوضوي، حيث سار آلاف الفلسطينيين سيراً على الأقدام من مناطق مختلفة إلى نقطة توزيع محصنة تديرها مؤسسة الإغاثة الإسرائيلية الأميركية في غزة.
ومع تصاعد الفوضى، فتح الجيش الإسرائيلي النار على الفلسطينيين الجائعين. وأفاد مكتب الإعلام الحكومي في غزة بمقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 46 آخرين وفقد سبعة آخرين.
ووصف المكتب الحكومي هذه المشاهد بأنها “تلاعب سياسي ممنهج لإدامة الجوع وتدمير المجتمع الفلسطيني”، وأكد أن إنشاء ما يشبه “جيتوهات العزل” لا يعكس أي نية جدية لمعالجة الأزمة.
وفي تصريح آخر جدد التأكيد على رفضه القاطع لإقامة “معسكرات عزل قسرية تشبه الغيتوهات النازية”، معتبرا أن توزيع المساعدات بهذه الطريقة ليس إلا وسيلة لإذلال الفلسطينيين وفرض سياسة إنسانية مسيسة.
يشير مصطلح “الجيتوهات” (معسكرات الاعتقال) بشكل عام إلى المراكز التي تم فيها اعتقال اليهود في ألمانيا خلال الحقبة النازية من أجل عزلهم عن بقية السكان خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، والتي قُتل فيها العديد منهم.
وأظهرت الحادثة أيضا أن المواطنين يضطرون إلى السير عشرات الكيلومترات تحت أشعة الشمس وعلى طرق مدمرة للوصول إلى نقطة توزيع بلا بنية تحتية، ويحرسها جنود الاحتلال وقناصة الاحتلال وكاميرات المراقبة.
بدورها، وصفت منظمات حقوق الإنسان الدولية هذه الآلية بالمهينة ومنظمة بشكل متعمد لإذلال جماعي.
ووصفت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” المشهد بأنه يشبه “ألعاب الجوع الإسرائيلية 2025”.
بداية الأحداث
وفي المناطق الغربية من رفح، تحولت محاولة توزيع المساعدات الغذائية إلى مشهد من الفوضى والانهيار الإنساني. وتتمثل الخلفية في تفاقم المجاعة وآلية التوزيع المثيرة للجدل التي تشرف عليها إسرائيل بالتعاون مع شركة أميركية خاصة. وبين أنقاض المناطق السكنية التي دمرها الجيش الإسرائيلي خلال حرب الإبادة المستمرة.
وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان اليوم الثلاثاء أنه “في إطار المبادرة الأميركية، تم إنشاء مجمعات توزيع تديرها منظمات إغاثة دولية في غزة تحت حماية شركة تأمين مدنية أميركية”.
ولكن ما حدث على أرض الواقع كان مشهدًا مختلفًا؛ وغادر آلاف الفلسطينيين سيرا على الأقدام من مناطق المواصي ودير البلح وخانيونس بسبب عدم وجود نظام توزيع واضح. كانوا في منطقة أمنية مغلقة محاطة بالأسلاك الشائكة وتحت مراقبة دقيقة من قبل قناصة إسرائيليين وطائرات بدون طيار وسفن حربية.
الإذلال المنهجي والفوضى المتعمدة
وتم توزيع المساعدات الإغاثية بعد أن مر المواطنون عبر ممرات ضيقة من الأقفاص المعدنية، والتي كان عليهم دخولها في مجموعات تحت حراسة أمنية مشددة وكاميرات مراقبة. ثم غادروا المبنى عبر ممر مماثل بعد أن حصلوا على طرد غذائي صغير لا يغطي احتياجاتهم الأساسية.
وفي البداية، لم يتلق سوى عدد قليل من الفلسطينيين المساعدات قبل أن يؤدي الافتقار إلى التنظيم إلى حالة من الفوضى والتدافع على نطاق واسع، مما أدى إلى إطلاق الجيش الإسرائيلي النار وإصابة العديد من المدنيين الجائعين، وفقا لمكتب الإعلام الحكومي في غزة.
وأكدت مصادر محلية أن فرق التوزيع انسحبت من المنطقة، فيما بقيت قوات الاحتلال متمركزة في محيطها براً وبحراً وجواً، دون أي تواجد مباشر بين السكان المدنيين.
نظام توزيع قسري ومهين
وأظهرت الأدلة على الأرض أن آلية توزيع المساعدات كانت مصممة بحيث تفتقر إلى أبسط أشكال التنظيم. وأُجبر المدنيون على السير عشرات الكيلومترات في ظروف قاسية للغاية إلى نقطة توزيع محاطة بالقوات الأميركية والإسرائيلية.
إن هذه الآلية التي تشرف عليها شركة أميركية خاصة بدعم إسرائيلي مباشر، حوّلت المساعدات، بحسب منظمات إغاثة محلية ودولية، إلى وسيلة للسيطرة والضغط السياسي والأمني، تُستخدم لقمع المدنيين بدلاً من أن تكون استجابة إنسانية.
الفشل المنهجي والحرمان
وبينما ظلت نقاط التوزيع مقتصرة على المناطق الجنوبية، ظل قطاع غزة والمحافظات الشمالية معزولة تماما عن أي مساعدات. واعتبر مراقبون هذه الخطوة محاولة واضحة لإجبار الفلسطينيين على النزوح إلى مناطق أخرى داخل القطاع.
وتؤكد البيانات الميدانية أن المساعدات المقدمة كانت نادرة للغاية وتم توزيعها في ظروف أشبه بالسجن وليس بالمساعدة. ولم تكن وكالات الأمم المتحدة أو المنظمات الإنسانية الدولية المستقلة مشاركة فعليا.
سلاح الجوع والاستعباد
وبحسب شهود عيان تحدثوا لوكالة الأناضول، فإن الطرود الغذائية لا تحتوي على إمدادات كافية أو متوازنة، وتفتقر إلى العناصر الأساسية للأطفال والمرضى، ما يجعلها أداة دعائية أكثر منها استجابة إنسانية.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في بيان إن فريقه على الأرض كان يراقب آلية توزيع المساعدات. وتم رصد ذلك من خلال شركة أميركية تحت حماية مشتركة من قوات أمنية خاصة إسرائيلية وأمريكية. ووصف الفريق هذه العملية بأنها مهينة ولا تفي بالمعايير الإنسانية الدنيا.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، اضطر آلاف المدنيين إلى السير لمسافات طويلة إلى منطقة محاصرة ثم المرور عبر ممرات مسيجة تحت مراقبة مشددة لتلقي طرود غذائية محدودة، في ظل عدم وجود نظام لضمان الكرامة أو التوزيع العادل.
وأشار إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تعمدت إذلال المدنيين الفلسطينيين من خلال حبسهم بين الأسلاك الشائكة، فيما فشلت الشركة المشغلة في توفير الظروف الإنسانية الملائمة لهم.
وأُرغم آلاف الفلسطينيين على السير لأميال إلى نقطة توزيع واحدة مهينة، وكان عليهم المرور عبر ممرات ضيقة مسيجة للحصول على الطرود الغذائية القليلة – وهو مشهد يتحدى كل كرامة إنسانية.
ووجد المرصد أن إسرائيل عرقلت عمدا عمل المنظمات الإنسانية الدولية من خلال إسناد مهمة توزيع المساعدات إلى مؤسسة غزة الإنسانية، وهي كيان أمريكي أقيم بدعم إسرائيلي وأميركي وتديره شركات أمنية خاصة. ورفضت الأمم المتحدة هذه الخطوة، معتبرة أنها تقوض المبادئ الإنسانية وتحول المساعدات إلى أداة للسيطرة والتهجير القسري.
وأكد أن هذه الأحداث “تعكس فشلاً كارثياً في معالجة الوضع الإنساني وتجسد استمرار إسرائيل في استخدام التجويع كسلاح إبادة جماعية ضد السكان المدنيين، بما في ذلك من خلال فرض سياسة تجويع ممنهجة تهدف إلى إذلال المجتمع الفلسطيني وإخضاعه بالكامل”.
وانتقد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في السكن اللائق، بالاكريشنان راجاجوبال، الطريقة التي تم بها توزيع المساعدات في غزة، ووصفها بأنها “سادية”.
في منشور على منصة إكس يوم الثلاثاء، قال راجاغوبال: “أعجز عن الكلام أمام عمليات تسليم المساعدات السادية إلى غزة. إذا كان هذا صحيحًا، فإن إساءة استخدام المساعدات الإنسانية لإذلال وقتل وتعذيب الناس جريمة أمريكية إسرائيلية”.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك خلال مؤتمر صحفي في نيويورك يوم الثلاثاء إن الصور التي تظهر فلسطينيين جوعى يقتحمون إحدى نقاط توزيع المساعدات الإسرائيلية التي أنشئت حديثا في قطاع غزة كانت “محزنة على أقل تقدير”.
ومن خلال تجويع السكان عمداً وبالتالي تمهيد الطريق للنزوح القسري، دفعت إسرائيل 2.4 مليون فلسطيني إلى حافة المجاعة، وفقاً للأمم المتحدة، من خلال إغلاق المعابر الحدودية مع قطاع غزة أمام المساعدات الإنسانية، وخاصة الغذاء، منذ الثاني من مارس/آذار.
لقد استبعدت تل أبيب الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية، وكلفت مؤسسة الإغاثة الإسرائيلية الأميركية في غزة، التي ترفضها الأمم المتحدة، بتوزيع مساعدات هزيلة للغاية في جنوب قطاع غزة، من أجل إجبار الفلسطينيين على إخلاء شمال القطاع وإخلائه من سكانه.
لكن الخطة الإسرائيلية انهارت تحت وطأة المجاعة بعد أن اقتحمت حشود فلسطينية يائسة مركز توزيع المساعدات في جنوب قطاع غزة. وأفاد مكتب الإعلام في غزة، أن جيش الاحتلال أطلق النار صوبهم، ما أدى إلى إصابة عدد منهم.