بعد تهديد فرنسا وبريطانيا وكندا بمعاقبتها.. هل تكترث إسرائيل بضغوط المجتمع الدولي؟
وتواجه إسرائيل مرة أخرى مواجهة مع المجتمع الدولي بشأن حربها في قطاع غزة، والتي استمرت لأكثر من 18 شهرا. وبعد أن مثلت البلاد أمام المحاكم الدولية في هذه الحرب، وأمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وخشية ملاحقة قادتها وجنودها في الخارج، تجد نفسها الآن في أسوأ وضع لها منذ بداية الحرب.
هدد رؤساء فرنسا وبريطانيا وكندا باتخاذ “إجراءات ملموسة” ضد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بما في ذلك فرض عقوبات، إذا لم توقف عملياتها العسكرية المتزايدة وتسمح على الفور بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المحاصر.
وفي بيان مشترك للدول الثلاث، وصفت المعاناة الإنسانية في قطاع غزة بأنها “لا تطاق”. إن حجم المساعدات التي أعلنت عنها إسرائيل لقطاع غزة “غير كاف على الإطلاق”.
البيان المكون من ثلاث صفحات، والذي وصفه موقع ميدل إيست مونيتور بأنه قاسٍ على نحو غير معتاد، انتقد أيضًا “اللغة البغيضة التي استخدمها أعضاء الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا، مهددين بأن المدنيين سيهربون يائسين بسبب تدمير قطاع غزة. إن النزوح القسري الدائم يمثل انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي”.
وأوضح البيان أن الدول الثلاث التي تدعم منذ فترة طويلة “حق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها ضد الإرهاب”، لن تسمح باستمرار الوضع الراهن.
أعلنت الدول الثلاث: “لن نقف مكتوفي الأيدي بينما تواصل حكومة نتنياهو هذه الأعمال المروعة. إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري المتجدد وترفع القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية، فسنرد بإجراءات ملموسة”.
وفي حين لم يفشل البيان في دعوة حماس إلى الإفراج الفوري عن الرهائن المتبقين الذين تحتجزهم “بوحشية” منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن انتقاده لتصرفات الحكومة الإسرائيلية ذهب إلى أبعد من ذلك، معربا عن معارضة الدول الثلاث لأي محاولة لتوسيع بناء المستوطنات في الضفة الغربية.
أعلنت بريطانيا وفرنسا وكندا: “يجب على إسرائيل التوقف عن بناء المستوطنات غير القانونية التي تقوض قابلية بقاء الدولة الفلسطينية وأمن الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. ولن نتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات، بما في ذلك فرض عقوبات محددة الهدف”.
ويرى مراقبون أن موقف هذه الدول الثلاث من شأنه أن يزيد من الحرج الدولي لحكومة نتنياهو، خاصة وأن هذه الدول أعربت عن دعمها لجهود السلام وجهود الوسطاء مصر وقطر والولايات المتحدة للتوصل إلى حل سياسي طويل الأمد ينهي معاناة الأسرى وعائلاتهم، ويخفف معاناة السكان المدنيين في قطاع غزة، وينهي سيطرة حماس على القطاع.
ولكن من غير المرجح أن تلقى إشارة البيان إلى تحقيق طريق نحو حل الدولتين استحساناً من الحكومة الإسرائيلية، التي ترفض هذا الحل حالياً وتعتبره غير محتمل. وفي الواقع، انتقد نتنياهو على الفور البيان المشترك للدول الثلاث.
سمحت إسرائيل باستيراد كميات محدودة من المساعدات الإنسانية وأعلنت عن بدء مرحلة جديدة من عملياتها العسكرية في قطاع غزة، وأطلقت عليها اسم “عملية جدعون”. وأعلن نتنياهو نفسه أن العملية ستكون ساحقة وستؤدي إلى احتلال قطاع غزة بشكل كامل.
في حين اختلفت التفسيرات حول سبب سماح إسرائيل الآن فقط بوصول المساعدات، حيث اتهم بعض السياسيين الإسرائيليين نتنياهو بتضليلهم والرأي العام من خلال الكشف، وفقًا لوسائل الإعلام العبرية، عن أن المساعدات الإنسانية كانت جزءًا من الاتفاقات لإطلاق سراح الرهينة الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر الأسبوع الماضي، سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تبديد غضب اليمين المتطرف في حكومته من خلال التأكيد على: “منذ بداية الحرب، قلنا إن هناك شرطًا واحدًا لتحقيق نصر كامل، وهو ألا تكون هناك مجاعة في قطاع غزة، لأنه إذا حدث ذلك، فسنفقد الدعم”.
ويبدو أن اليمين المتطرف في الحكومة، بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اقتنع برواية نتنياهو مقابل وعده بدفع الحرب إلى أقصى حدودها.
وقال سموتريتش: “العالم سيجبرنا على إنهاء الحرب إذا لم نسمح بدخول المساعدات إلى غزة”.
ولكنه تفاخر بتحويل قطاع غزة إلى “مكان مدمر”، مضيفاً: “نحن نتجه نحو احتلال قطاع غزة بأكمله… ستكون غزة غير صالحة للسكن خلال العشرين عاماً القادمة… لن تنتهي الحرب لحظة واحدة حتى يتم تدمير حماس”.
وفي ظل القلق الدولي بشأن عواقب هذه المرحلة من التصعيد العسكري، سعى نتنياهو إلى التقليل من تأثير تصرفات جيشه وإضفاء الشرعية الدولية على هذه الخطوة. وأوضح نتنياهو لأعضاء حكومته أنه يتعرض لضغوط هائلة، حتى من أقرب حلفائه في الولايات المتحدة، في حين يتم تحذير تل أبيب من تجاوز “الخط الأحمر” في الحرب ضد غزة.
وقالت صحيفة الغارديان البريطانية إن الضغوط الدولية لمنع المجاعة الوشيكة أجبرت رئيس الوزراء الإسرائيلي على السماح بتخفيف الحصار عن قطاع غزة من أجل منع “أزمة المجاعة”.
لكن الصحيفة أشارت إلى أن كمية المساعدات التي وصلت إلى غزة خلال الـ24 ساعة الماضية تمثل أقل من 2% من المساعدات اليومية التي كان القطاع يتلقاها قبل الحرب، وفقاً للأمم المتحدة، وأن هذه المساعدات لن تفعل الكثير لمعالجة الأزمة الخطيرة التي يواجهها أكثر من مليوني فلسطيني.
وفي السياق ذاته، ذكرت هيئة الإذاعة الكندية “سي بي سي” أن “الضغوط الدولية أجبرت الحكومة الإسرائيلية على رفع الحصار عن إيصال المساعدات، والذي استمر قرابة ثلاثة أشهر وأدى إلى دفع قطاع غزة إلى حافة المجاعة”.
في ظل تزايد الانتقادات والاتهامات الموجهة لحكومة نتنياهو بأنها تنتهج سياسة الحصار والتجويع، فإن السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه هو ما هي الإجراءات التي يمكن أن تقنع إسرائيل بالامتناع عن هذه الانتقادات أو أخذها بعين الاعتبار. وهذا صحيح بشكل خاص في ضوء مواقف مماثلة تجاهلت فيها البلاد النداءات والمطالب الدولية، بل وذهبت إلى حد رفض الامتثال لأحكام المحاكم أو قرارات الأمم المتحدة.
في حين أن الوضع الحالي في غزة يهدد بكارثة إنسانية واسعة النطاق، وفي حين تنتهج إسرائيل سياسة الضغط الأقصى وتكثف عملياتها العسكرية، فإن الآمال معلقة على تحقيق اختراق في المفاوضات الجارية في العاصمة القطرية الدوحة ووقف إطلاق نار ناجح ينهي أطول جولة تصعيد بين إسرائيل وفلسطين في التاريخ.