سائق نقل: ما حكم شرب المخدرات للتغلب على تعب السواقة؟.. والإفتاء ترد

منذ 26 أيام
سائق نقل: ما حكم شرب المخدرات للتغلب على تعب السواقة؟.. والإفتاء ترد

أوضحت دار الإفتاء المصرية حكم تناول الأدوية التي تساعد على قيادة السيارات والمركبات. أعمل سائق شاحنة، وأرى العديد من زملائي يتناولون أنواعًا مختلفة من الأدوية. وعندما أناقشهم في الأمر، يبررون ذلك بأنها تساعدهم على القيادة وتخفف إرهاق العمل لساعات طويلة والسفر لمسافات طويلة. أرجو توضيح الحكم الشرعي في هذا. وردني سؤال: “هل يجوز للطبيب إفشاء أسرار مريضه إذا خاف ضررًا على الآخرين؟”

أعلن الدكتور نذير عياد، مفتي الديار المصرية، لاحقًا أن اجتناب المخدرات واجب دينيًا، سواءً كان الشخص يقود سيارة أم لا. وتعاطي المخدرات أثناء القيادة إثمٌ أعظم، وضررٌ أعظم، وجريمةٌ أشد.

وأضاف عياد في فتوى نشرتها عبر الموقع الرسمي للدار، أن دار الإفتاء المصرية تؤكد على أنه لا يجوز للسائقين قيادة مركباتهم إلا وهم يقظون ونشيطون وقادرون وحسنو البصر وواعون للطريق، وذلك لمراعاة قواعد المرور ومعايير السلامة المقررة في لوائح المركبات، وتحديد السرعة المناسبة والمسافات الآمنة بينهم وبين الآخرين.

بيان عناية الشريعة الإسلامية بنعمة العقل وضرورة صيانته مما قد يضر به:

نعمة العقل وضرورة الحفاظ عليه:

لقد أنعم الله تعالى على الإنسان بنعمة العقل، أساس الإدراك والتمييز، وعليه تترتب المسؤولية. ووضع قواعد لحماية عقل كل إنسان، ووقايته من الأمراض التي قد تُشله أو تُدمره، أو تجعل صاحبه مصدر ضرر للمجتمع أو أداة فساد فيه.

ولذلك، أوصت الشريعة الإسلامية بتجنب كل ما قد يُشوّش العقل أو يُفقد الإنسان وعيه وإدراكه. وحرّمت هذا الفعل، لأنه بمثابة الهلاك. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة: ١٩٥).

قال العلامة الطاهر ابن عاشور في “التحرير والتنوير” (2/215، طبعة تونسية): [ورود فعل “طلق” في سياق النهي يستلزم عموم كل رمي باليد للقتل، أي: كل تعمد للقتل، فيكون محرماً ومحرَّماً]. انتهى.

توضيح أصل تحريم المخدرات:

الأصل في تحريم تعاطي المخدرات بأنواعها ما روي عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسكرات والمسكرات كلها”. رواه الإمام أحمد وأبو داود، وإسناده حسن، كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (10/44، ط دار المعرفة). و”المفطّر” هو: “الذي إذا سكر، سخّن البدن وتعب، وهو ضعف وانكسار”. وقيل: “أفطر الرجل، فأفطر، أي ضعفت أجفانه، وانكسرت عيناه”. انتهى.

قال العلامة محمد بن علي بن حسين المكي المالكي في “تهذيب الفروق” (1/216، ت: عالم الكتب، طبع مع “الفروق” للإمام القرافي): [وفسر غير واحد “التفطير” بأنه ارتخاء الأعضاء وخدرها وضعفها وكسرها]. انتهى.

حكم من يتعاطى المسكرات حكم المسكر، لأن القاعدة تقول: “إذا ذكر النهي عن شيئين معًا، ثم ذكر حكم تحريم أحدهما، سواء أكان محرمًا أم لا، فإن حكم الآخر مبني على دليل ارتباطهما في الذكر والتحريم. وفي الحديث المذكور ذكر من يتعاطى المسكرات مع المسكر، وقد ثبت عندنا تحريم المسكرات بالكتاب والسنة والإجماع، فينبغي أن يكون حكم من يتعاطى المسكرات كذلك، بناءً على دليل تحريمهما معًا”، كما في “تهذيب الفروق” للعلامة محمد بن علي بن حسين المكي المالكي (1/216).

للمسكرات والمخدرات سبب مشترك، وهو فقدان العقل أو التأثير عليه. ومع التشابه المطلق بينهما، فكل مخدر مُسكر، وليس كل مُسكر مخدرًا. فالسكر يُطلق على غلبة العقل، وهو مصطلح أعم، ويُطلق أيضًا على غلبة النشوة والانفعال، وهو مصطلح أخص، وهو المقصود بالسكر تحديدًا، كما ذكر شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي الشافعي في “الفتاوى الفقهية الكبرى” (4/230، ط. المكتبة الإسلامية).

كان اختلاف الفقهاء في تصنيف المخدرات كمسكرات أو مواد مفسدة – كما ذكره الإمام القرافي في “الفروق” (1/217) في الفروق الأربعين بين قاعدة المسكرات وقاعدة المنومات وقاعدة المواد المفسدة – متوافقًا مع علم العصر، ومستندًا إلى ما ثبت لهم بالتجربة والواقع. بل إن العلم الحديث أثبت أن للمخدرات نفس أضرار الكحول، بل تفوقها، إذ تُسبب الإدمان، وهو مرض خطير ذو آثار بيولوجية ونفسية على الإنسان، بالإضافة إلى ما يُلحقه من أضرار جسيمة بالمجتمع. لذا، فإن الدعوة إلى تحريمها، قليلًا كان أم كثيرًا، وبأي شكل من الأشكال، هي الأقرب إلى أدلة الشريعة الإسلامية ومبادئها، والأكثر انسجامًا مع المقاصد العامة المعلنة في حفظ النفس، وحماية المجتمع، وتحصينه من أي خلل أو تلاعب.

حكم تعاطي المخدرات أثناء قيادة السيارات والمركبات:

مما سبق، يتبين وجوب تجنب المخدرات بجميع أنواعها، وتحريم استخدامها بأي شكل من الأشكال، سواءً أثناء قيادة المركبة أو تشغيلها. ويزداد هذا التحريم إذا تم تناولها أثناء القيادة وتشغيلها – كما في حالتنا – لما تشكله من خطر جسيم وأضرار جسيمة على السائق نفسه وعلى من يرافقه أو يشاركه الطريق، سواء على الحياة أو على الممتلكات العامة أو الخاصة. ذلك أن المركبة، أياً كان نوعها، ليست سوى آلة بيد السائق، لا تتحرك إلا بفعله. وعليه أن يتصرف وفقاً لمبدأ الفقه الإسلامي القائل بأن “عبور الطريق العام جائز بشرط السلامة”.

قال الإمام المرغيناني الحنفي في “الهداية” (4/479، ط دار إحياء التراث العربي): [الأصل جواز اتباع سبيل المسلمين بشرط السلامة، لأنه عمل من جهة لنفسه ومن جهة لغيره، لأنه عام لجميع الناس]. انتهى.

قال الإمام السرخسي الحنفي في المبسوط (26/188، ط دار المعرفة): [ما كان حقًا للجماعة فإنه يجوز لكل ذي حق أن يستعمله بشرط الأمان، لأن حقهم يبيحه، ومن واجبهم دفع الضرر عن الآخرين، فيُقيّد بشرط الأمان حتى يتوازن رأي الطرفين]. انتهى.

في حلقة بُثت على قناة الناس، أكد الدكتور عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، تحريم تعاطي المخدرات في الإسلام. وأشار إلى أن كل ما يُضعف العقل أو يُؤثر سلبًا على الجسم يُعتبر محرمًا، ولا يجوز للمسلم تناوله.

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ما يؤدي إلى الصمم وضعف الروح، فقال: (كل ما يسرق الروح فهو حرام).

وتابع: “قد يشعر متعاطي المخدرات في البداية براحة أو هدوء، لكن هذا خداع للذات. تؤثر المخدرات على الجسم بشكل عام، مسببةً الخمول والاسترخاء، وهذا تحديدًا ما يُلاحظ لدى كثير من المتعاطين. لكن الحقيقة هي أن المخدرات تُلحق الضرر بالجسم والعقل على المدى البعيد، مُضرةً بذلك أعظم نعمة من الله على البشرية: الروح”.

هل لا تقبل صلاة من يشرب الخمر أربعين يوما؟

في السياق نفسه، يُعدّ شرب الخمر من كبائر الذنوب في الإسلام، ويجب اجتنابه، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابَ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِن عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُنَّ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَأَفَلا تَنْتَهُونَ عَنْهُ﴾ (المائدة: ٩٠-٩١). وهناك أحاديث كثيرة تُدين وتعاقب من يشرب الخمر، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: “كل مسكر حرام، وقد وعد الله من شرب المسكر أن يسقيه من طينة خبال”. قالوا: يا رسول الله، وما طينة خبال؟ قال: «عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار». رواه مسلم والنسائي.

قال العلماء: لا تُستجاب دعوته أربعين صباحًا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر لم تُستجاب دعوته أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يُقبل الله صلاته… وفي الرابعة لم يُقبل الله صلاته أربعين صباحًا، فإن تاب لم يُقبل الله صلاته، وسقاه من نهر الخبال»، أي من صديد أهل النار. [رواه الترمذي بسند حسن، ورواه أبو داود والنسائي بسند مماثل].

فتوى سعاد صالح: الحشيش ليس كالخمر

أكدت الدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أنه لا يوجد نص في القرآن الكريم يحرم تعاطي المخدرات، وإنما الأمر مبني على آثار تعاطي الخمر.

وأضاف صالح في حلقة سابقة على قناة الشمس: “بسبب اتحاد السبب يكون هناك قياس في التشريع بين الثابت وغير الثابت”.

وأشارت إلى أن سبب الاختلاف بين الكحول والمخدرات هو فقدان الشخص لعقله بعد تناولها. فشرب الكحول محرم، وكذلك تعاطي الحشيش والمخدرات عمومًا، إذ يُعاملان معاملة الكحول.

ما هي كفارة تعاطي المخدرات؟

وماذا عن حكم كفارة تعاطي المخدرات؟ ورد السؤال إلى موقع ايجي برس، ووجهه إلى الداعية الإسلامي الدكتور محمد علي، الذي أوضح في رده أن من تعاطى المخدرات وهو سكران حتى لا يدري ما يقول، لا تجوز له الصلاة، ولا تجب عليه إن صلاها. فإن برأ وتوضأ وصلى، تجب عليه، ولا يؤجر عليها حتى يتوب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر لم يستجب الله له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب استجب الله له توبة». رواه أحمد والترمذي وحسنه.

وأضاف علي في رده لايجي برس: المخدرات ومنها الحشيش محرمة بإجماع المسلمين، ولا يجوز تعاطيها بأي حال من الأحوال، لأنها تضعف العقل، وهو أغلى ما وهبه الله للإنسان وفضله به على سائر الحيوانات.

أوضح الخطيب لمتعاطي المخدرات أنه إذا أدى تعاطيه إلى السُّكْر، فلا ينبغي له حضور الصلاة سكرانًا، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَشْهَدُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَّارٌ حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ (النساء: ٤٣). ولذلك، فإن أي نوع من أنواع السُّكْر يقع فيه الإنسان يندرج تحت هذا الكلام.

وكفارة ذلك التوبة النصوح، فإن التوبة تمحو ما قبلها من الذنوب، ومن تاب من ذنب كأن لم يكن له ذنب، فليكثر من العمل الصالح، فإن الله يبدل سيئاته حسنات.

اقرأ أيضاً

هل يجوز رفع اليدين في الدعاء ثم مسح الوجه بهما أم أنه بدعة؟ الفتوى توضح ذلك.

ما هو أفضل وقت لصلاة قيام الليل وكم ركعتها؟ يوضح أمين الفتوى (فيديو)

ماذا نفعل لنحقق طموحات النبي صلى الله عليه وسلم؟ ينصح علي جمعة.

أمين الفتوى: التنقيب عن الآثار وشرائها وبيعها من الأعمال المحرمة شرعاً، وعوائدها نجسة.


شارك