تقرير – من الحداثة إلى الظلام.. هل انتهت ثورة جوارديولا الفنية مع مانشستر سيتي؟

منذ وصوله إلى إنجلترا عام ٢٠١٦، أحدث بيب غوارديولا ثورةً في الدوري الإنجليزي الممتاز. بفلسفته “تيكي تاكا” والضغط العالي، حوّل مانشستر سيتي إلى آلة تسجيل أهداف وتحطيم أرقام قياسية، جاعلا من “السماويين” مدرسةً فنيةً فريدة.
لكن المفاجأة هي أن الرجل نفسه الذي ارتبط اسمه دائماً بالابتكار والهجوم الشرس يقدم الآن نسخة غريبة لا تشبه ماضيه على الإطلاق، وكأننا نشاهد فريقاً مختلفاً لا علاقة له بتاريخ بيب.
خطة دفاعية غريبة ضد أرسنال
في مباراة دور الـ 16 ضد أرسنال، انحرف غوارديولا عن أسلوبه المعتاد، ولعب بخمسة مدافعين، ومنح زمام المبادرة لخصومه. أما السيتي، الذي اعتاد إرهاق خصومه بالتمريرات السريعة والضغط الساحق، فقد بدا عاجزًا، واكتفوا بمحاولات عشوائية للوصول إلى هالاند بالكرات الطويلة.
وحتى هدف الفريق جاء نتيجة تحول مفاجئ لم يكن يتناسب مع أسلوبهم التاريخي، لكن القدر كان لطيفا مع الجانرز الذين أدركوا التعادل في اللحظة الأخيرة، وصدموا جماهير كرة القدم بمصير أبطال إنجلترا.
اعتراف صادم من جوارديولا
والأغرب من ذلك أن غوارديولا نفسه أقرّ ضمناً بفقدان فريقه لهويته بعد المباراة، وانتقد أسلوبهم الدفاعي القسري. وبدا اعترافه بمثابة عودة إلى “عصور الظلام” في كرة القدم، حين اكتفت الفرق الكبيرة بالدفاع والأمن، مهملةً الإبداع والمتعة.
هل هذه خطة مؤقتة؟
يرى البعض أن نهج غوارديولا ليس خيانةً لفلسفته، بل محاولةً للتكيف مع واقع جديد فرضته الظروف: إصاباتٌ عديدة، وتراجعٌ في لياقة بعض اللاعبين، ورحيل لاعبين كانوا يومًا ما عصب الفريق. في ظل هذه الظروف، قد يبدو قرار الواقعية الدفاعية مُبرَّرًا، حتى لو جاء على حساب الاستمتاع.
انتقادات واسعة النطاق وجمهور مرتبك
لكن المدرب الكتالوني لم يسلم من الانتقادات أيضًا. وصفت الصحف الإنجليزية أسلوبه الجديد بأنه “مُحافظ بشكلٍ مُمل”، مما أثار حيرة الجماهير: هل تخلى بيب عن الهوية التي ميّزت السيتي وجعلته رمزًا كرويًا؟ أم أنها مجرد “مرحلة انتقالية” قبل أن يُحقق مفاجأة أخرى تُعيد السيتي إلى مجده السابق؟
الخطر الحقيقي… فقدان الهوية
لا يكمن الخطر في خسارة بعض النقاط أو تغيير أسلوب اللعب مؤقتًا فحسب، بل يكمن أيضًا في فقدان الهوية التي لطالما ميّزت مانشستر سيتي. لم يكن الفريق بطلًا فحسب، بل كان أيضًا مدرسةً لكرة القدم الحديثة ونموذجًا يُحتذى به للفرق حول العالم. قد يفتح فقدان هذه الهوية الباب أمام انهيار أكبر، حتى لو استمر الفريق في تحقيق نتائج جيدة على المدى القصير.
بين السقوط والنهضة الجديدة
وفي النهاية يبقى السؤال: هل نشهد بداية انهيار فلسفة بيب جوارديولا الثورية التي غيرت وجه كرة القدم الإنجليزية، أم أن هذه مجرد مرحلة مؤقتة يخبئ بعدها “الساحر الكتالوني” مفاجأة كبرى تعيد مانشستر سيتي إلى قمة الفرح والإبداع؟
الأسابيع المقبلة وحدها كفيلة بكشف الحقيقة، لكن ملايين مشجعي كرة القدم سيتابعون باهتمام بالغ. لقد اعتادوا على رؤية مانشستر سيتي فريقًا لا يرضى بأقل من الهيمنة والابتكار.