الأب ميحضرش فرح بنته والعريس ميطلعش قبل شهر.. أغرب طقوس الزواج بالمنيا

على ضفاف النيل، في قلب صعيد مصر، تقع قرى محافظة المنيا، حيث تمتزج رائحة الطين بعبق التاريخ. لا يزال أهل الريف والقبائل البدوية يعيشون على إيقاع تقاليدهم العريقة، شاهدًا على صمود البشرية وتمسكها بإرث أجدادها.
ورغم تغير الزمن وتقدم الحداثة في المدن الكبرى والقرى المجاورة، إلا أن العديد من العائلات في المنيا لا تزال تعتبر هذه العادات هوية لا يجب المساس بها.
يظلّ الزفاف، أهمّ حدث في حياة الأسرة، المناسبة التي تتجلى فيها هذه الخصوصية بجلاء. فمن مراسم عقد الزواج إلى طقوس الرقص والاحتفال، تمتزج العادات الريفية بالتقاليد القبلية لتُشكّل مزيجًا فريدًا يجعل من كل حفل زفاف قصةً تستحقّ أن تُروى.
ويرصد ايجي برس أبرز وأغرب العادات والتقاليد للمتزوجين حديثًا في القرى الريفية والبدوية بالمنيا:
ليلة العمر بدون وجود الأب
الأمر الأكثر إثارة للدهشة في هذه العادات هو أن الأب، رغم مكانته الرفيعة في الأسرة، يغيب ليلة زفاف ابنته. يكتفي بحضور الحفل وإقامة وليمة فخمة لأهل القرية. بعد ذلك، يبقى في المنزل بينما تغادر العروس برفقة والدتها وأخواتها لحضور الحفل.
يوضح محمود عبد الرحمن من قرية المطاهرة أن هذه العادة القديمة تحمل رسالة رمزية عميقة: فغياب الأب يعني تسليم ابنته رسميًا لزوجها، ونقل المسؤولية إلى بيت العريس. كما أنه يحرص على تجنب إحراج ابنته في أول ظهور لها مع زوجها.
ورغم محاولات تغيير ذلك في بعض القرى، إلا أن هذه العادة لا تزال متجذرة في مختلف مراكز المنيا، من بني حماد والحواسلية إلى بني أحمد شرقاً وغرباً، مروراً بقرى أبو قرقاص والقرى العربية سمالوط ومطاي وبني مزار.
“زيارة المصالحة” بعد ثلاثة أيام
لا تنتهي طقوس الزفاف عند هذا الحد. فبعد ثلاثة أيام من الزفاف، يُجري الأب ما يُسمى “الصلح”. يزور ابنته في منزلها الجديد ويُحضر لها “واجبها”: مبلغًا من المال ومواد غذائية متنوعة، ليطمئنها على أن منزل العائلة سيظل ملاذًا دائمًا.
هذه الزيارة ليست تعبيراً عن اختلاف في الرأي، بل هي إشارة رمزية إلى أن خروج العروس من بيت أبيها لا يعني قطع الروابط، بل بداية مرحلة جديدة من المودة والارتباط.
“الحول” وعام من الانتظار
في القرى القبلية، وخاصةً في المناطق الصحراوية الغربية، مثل طوخ الخيل وكوم الأحمر وعزبة محجوب، تسود عادات أكثر صرامة. لا يجرؤ الابن على طلب الزواج من أبيه مباشرةً، بل يُعبّر عن رغبته لأمه، التي تُنقل الأمر بدورها إلى والده.
وفقًا لعرف “الحول”، لا يُسمح للفتاة المتزوجة بزيارة بيت أبيها إلا بعد مرور عام. وسواءً أنجبت أم لا، فإن هذه السنة الأولى تُعدّ اختبارًا للمنزل الجديد وتأكيدًا لاستقرار العلاقة الزوجية.
كما تحرص عائلة العروس على رد “الواجب” للعريس أثناء الخطوبة على شكل كيلوغرام وبنفس السعر، رداً للجميل والحفاظ على التقليد.
ليالي على إيقاع “الحجالة” و”التحطيب”
لا تكتمل ليلة فرح في المنيا إلا بالرقصات الشعبية التي تُبهج الجمهور. ومن أبرزها رقصة “الحجلة”، حيث تدخل امرأة مسنة إلى قاعة الرقص لترقص وسط صفوف من الرجال على إيقاع التصفيق والغناء الشعبي، في لحظة يتقاطع فيها فخر العائلة مع الفرح الجماعي.
أما “التحطيب”، فهو طقس ذكوري بامتياز. يتنافس فيه الشباب بالعصي في حركات مدروسة، وليس الهدف هو الفوز أو الهزيمة، بل إظهار القوة واللياقة البدنية، وفي هذه المناسبة، نشر الفرح.
إرث أبدي
رغم التغيرات السريعة في العالم ودخول الحداثة إلى قرى كثيرة، يتمسك أهالي المنيا بهذه الطقوس جيلاً بعد جيل. فهي بالنسبة لهم ليست مجرد احتفالات، بل هي هوية متوارثة وروابط عائلية متينة تُعبّر عن الولاء للأرض والدم. يُثبت أهالي المنيا أن الزواج ليس حدثًا عابرًا، بل هو فصل جديد في كتاب طويل من الحكايات الشعبية، ترويها الجدات ويرويها الأبناء بحب وفخر.