ما الذي يقف بين الفلسطينيين ومقعد الأمم المتحدة؟

منذ 2 ساعات
ما الذي يقف بين الفلسطينيين ومقعد الأمم المتحدة؟

بي بي سي

لندن وباريس على وشك الاعتراف بدولة فلسطينية. نتساءل: ماذا يعني اعتراف الأمم المتحدة بالدولة؟ من يملك الصلاحية لذلك؟ ما هو المسار الذي سلكه الفلسطينيون لتحقيق هذا الاعتراف؟ ما الفرق بين الاعتراف الثنائي واعتراف الأمم المتحدة؟ ولماذا يرفض البعض هذا الاعتراف؟

نجيب على هذه الأسئلة في هذا التقرير الذي يتتبع مسار العضوية الفلسطينية في الأمم المتحدة منذ عام 1974، وهو العام الذي انضمت فيه منظمة التحرير الفلسطينية رسميا إلى المنظمة لأول مرة.

ماذا يعني اعتراف الأمم المتحدة بدولة ما؟ ما هي متطلباته، وما أهمية الاعتراف؟

1

يكتسب الاعتراف بدولة في منظومة الأمم المتحدة قوة قانونية عندما يؤدي إلى العضوية الكاملة في المنظمة.

وبحسب الأمم المتحدة، فإن العضوية الكاملة تتطلب توصية من مجلس الأمن، والتي يجب اعتمادها بأغلبية تسعة أصوات على الأقل، يليها موافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة.

وبطبيعة الحال، من دون أن يمارس أي من الأعضاء الخمسة الدائمين حق النقض.

وتمنح هذه العضوية الدولة جميع الحقوق، مثل الحق في التصويت، وتقديم مشاريع القرارات، والانضمام إلى هيئات ومؤسسات الأمم المتحدة الأخرى على قدم المساواة.

عندما تعترف الجمعية العامة بدولة دون موافقة مجلس الأمن، فإن الاعتراف يكون رمزيا بطبيعته.

ومع ذلك، تتمتع الجمعية العامة بسلطة منح صفة “مراقب غير عضو”، كما فعلت في حالة الدولة الفلسطينية عام 2012. وهذا الاعتراف غير ملزم قانونًا ولا يمنح حقوق التصويت ولا العضوية الكاملة.

ويمنح هذا الاعتراف البلاد فرصة الانضمام إلى عدد من منظمات الأمم المتحدة، مثل اليونسكو وغيرها.

أي طريق سلكه الفلسطينيون؟

2

بدأت الجهود الرامية إلى منح فلسطين عضوية الأمم المتحدة تدريجيا في سبعينيات القرن العشرين، وأسفرت عن بعض الاتفاقيات دون الحصول على العضوية الكاملة.

بدأ كل شيء عام ١٩٧٤، عندما اعترفت الجمعية العامة بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، ومنحتها حق المشاركة في مداولات الجمعية العامة بشأن القضية الفلسطينية. وبعد شهر، مُنحت المنظمة صفة مراقب في الأمم المتحدة، ما سمح لها بالمشاركة في جميع دورات الجمعية دون أن تُعامل كدولة.

بعد شهر واحد فقط من نشر “إعلان الاستقلال الفلسطيني” في الجزائر عام 1988 من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، “السلطة العليا للشعب الفلسطيني أينما كان”، صوتت الجمعية العامة على استبدال اسم “منظمة التحرير الفلسطينية” بـ “فلسطين” في نظام الأمم المتحدة، مع الحفاظ على وضع المراقب لمنظمة التحرير الفلسطينية.

ظلت كل الأمور على حالها لمدة 23 عاماً تقريباً، حتى حدث التغيير الأهم في عام 2011.

قدم رئيس منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس طلبا رسميا للحصول على عضوية الأمم المتحدة في رسالة إلى الأمين العام بان كي مون، الذي أحاله بدوره إلى مجلس الأمن والجمعية العامة.

درست لجنة القبول التابعة لمجلس الأمن طلب عضوية منظمة التحرير الفلسطينية لمدة شهرين. إلا أن أعضاء اللجنة لم يتمكنوا من التوصل إلى توافق في الآراء. أيد البعض الطلب، بينما امتنع آخرون عن التصويت. واقترح المجلس لاحقًا على الجمعية العامة اعتماد قرار يُعلن فلسطين دولة مراقبًا غير عضو.

هذا ما حدث بالضبط في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، عندما اعتمدت الجمعية العامة بأغلبية ساحقة قرارًا يمنح فلسطين صفة دولة غير عضو ومراقب في الأمم المتحدة. وقد اعتُمد هذا القرار بأغلبية 138 صوتًا مؤيدًا، مقابل 9 أصوات معارضة، وامتناع 41 دولة عن التصويت.

كيف حرَّكت الجزائر المياه الراكدة؟ وكيف عرقل الفيتو المساعي الفلسطينية؟

3

واستؤنفت الجهود في عام 2024 عندما اجتمع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتصويت على مشروع قرار جزائري يوصي بقبول فلسطين في الجمعية العامة.

لم يصمد القرار أمام الفيتو الأمريكي في أبريل/نيسان 2024، رغم حصوله على دعم شبه إجماعي في مجلس الأمن. حينها، أيّده 12 عضوًا من أصل 15، بينما امتنع عضوان (المملكة المتحدة وسويسرا) عن التصويت.

وقالت واشنطن آنذاك إنها لا تعارض قيام دولة فلسطينية، لكنها أكدت أن مثل هذه الدولة لا يمكن إقامتها إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

واعتبرت الجزائر أن الدعم الذي تلقته من دول أخرى غير الولايات المتحدة هو تعبير عن استحقاق دولة فلسطين لشغل مكانها بين أعضاء الأمم المتحدة.

وبعد أسبوعين، قدمت الإمارات العربية المتحدة، التي كانت آنذاك رئيسة المجموعة العربية في الأمم المتحدة، اقتراحا إلى الجمعية العامة يؤيد طلب فلسطين الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

وأوصت الجمعية العامة مجلس الأمن “بإعطاء هذه المسألة مزيداً من الاهتمام الإيجابي، وأعربت عن أسفها العميق وقلقها لأن تصويتاً مخالفاً واحداً من جانب عضو دائم (الولايات المتحدة) في مجلس الأمن منع اعتماد مشروع قرار، رعاه اثنا عشر عضواً في المجلس، يوصي بقبول دولة فلسطين في الأمم المتحدة”.

ورغم أن الطلب الفلسطيني للحصول على العضوية الكاملة والاعتراف بفلسطين كدولة في الأمم المتحدة حظي بدعم أغلبية أعضاء مجلس الأمن، إلا أن الفيتو الأميركي كان العقبة الرئيسية أمام ترجمة هذا الدعم إلى عضوية كاملة.

هذا يُظهر أن القرار النهائي لا يعتمد فقط على الدعم الدولي، بل أيضًا على مواقف الدول الخمس الدائمة العضوية، صاحبة حق النقض (الفيتو). وبالتالي، فإن استمرار القضية الفلسطينية يعتمد على عدم استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار الاعتراف بفلسطين كدولة.

4

ما الفرق بين الاعتراف الثنائي بين الدول والاعتراف من قبل الأمم المتحدة؟

الاعتراف الثنائي هو اعتراف دولة رسميًا بوجود دولة أخرى وإقامة علاقات دبلوماسية معها. يُنشئ هذا النوع من الاعتراف علاقة قانونية ودبلوماسية مباشرة بين الطرفين، تشمل التمثيل والمعاهدات والتعاون السياسي أو الاقتصادي.

وعلى العكس من ذلك، فإن الاعتراف الدولي بدولة كعضو كامل العضوية يفتح الباب أمام العضوية الكاملة واستخدام جميع أدوات القانون الدولي، من رفع الدعاوى القضائية إلى الترشح لمنصب دولي وأكثر من ذلك بكثير.

مع أن الاعتراف الثنائي لا يضمن عضوية الأمم المتحدة، إلا أن تراكمه يُستخدم سياسيًا ودبلوماسيًا لكسب الدعم. ووفقًا لموقع وزارة الخارجية الفلسطينية، يبلغ عدد الدول التي تعترف بفلسطين كدولة ثنائيًا حاليًا 149 دولة، مقارنةً بـ 44 دولة لم تعترف بها بعد.

من بين الدول التي تعترف بفلسطين كدولة قوى مؤثرة مثل إسبانيا والنرويج وأيرلندا والسويد والبرازيل والصين وروسيا. ولم تعترف بها بعد دول مهمة أخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وألمانيا واليابان. ورغم أن الاعتراف بفلسطين لا يمنحها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة تلقائيًا، إلا أنه يُستخدم كحجة سياسية ودبلوماسية لكسب الدعم في المحافل الدولية.

لكن الوضع تغير مؤخرًا: أعلنت بريطانيا العظمى وفرنسا نيتهما الاعتراف بفلسطين كدولة. وانضمتا الآن إلى دول أخرى مثل كندا وأستراليا وبلجيكا ومالطا في مناقشات مماثلة. وفي حال تنفيذ هذه الخطوات، ستحصل فلسطين، ولأول مرة، على دعم صريح من أربع من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مما يعزز سعيها للحصول على العضوية الكاملة.

5

لماذا ترفض بعض الدول الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟

رغم اعتراف 149 دولة بفلسطين كدولة، لا تزال بعض الدول، وأبرزها الولايات المتحدة، ترفض الاعتراف بها رسميًا. ويعود هذا الرفض إلى جملة من العوامل السياسية والقانونية.

من وجهة نظر واشنطن، يجب أن يكون إنشاء الدولة الفلسطينية نتيجة مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وليس من خلال قرارات الأمم المتحدة. وقد أوضحت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس-غرينفيلد، ذلك في أبريل/نيسان 2024: “لا نعتقد أن قرارًا من مجلس الأمن سيقودنا بالضرورة إلى مرحلة يمكننا فيها المضي قدمًا في اقتراح حل الدولتين”.

أما بالنسبة لإسرائيل، فقد وصف وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس القرار الذي صدر بعد تصويت الجمعية العامة في أبريل/نيسان 2024 بأنه “سخيف ومكافأة لحماس”، وكما قال، فهو دليل على تحيز الأمم المتحدة.

كما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القرار الفرنسي بالاعتراف بدولة فلسطينية بأنه “مكافأة للإرهاب”. وعلق وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر على القرار قائلاً: “الدولة الفلسطينية المقترحة ستحكمها حماس”.

ومن الجدير بالذكر أن اتفاقية مونتفيديو (1933) بشأن حقوق وواجبات الدول تنص على المعايير الأربعة التالية لإنشاء الدولة: وجود سكان دائمين، وأراضي محددة، وحكومة، والقدرة على إقامة علاقات مع الدول الأخرى.

لكن من دون موافقة مجلس الأمن، فإن هذا البلد لا يدرج على قائمة الدول ذات العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.


شارك