وكيل الأزهر الشريف: دعم القضية الفلسطينية واجب شرعى وأخلاقى وليس مجرد موقف سياسى

الدويني لـالشروق: نرفض كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني.. ونواجه تطرفه بمنهج فكري وإعلامي شامل. الأزهر هو القوة الناعمة لمصر لنشر الاعتدال من خلال معاهده وقوافله الدعوية والطبية في أفريقيا. نحن نعمل على مواجهة الجماعات المتطرفة في الدول الأفريقية من خلال دحض ادعاءاتهم وحماية الشباب من أفكارهم. مبادرات الأزهر العالمية لتعزيز الحوار والسلام في مناطق الصراع إن تجديد الخطاب الديني هو مسؤولية العلماء لتحقيق التوازن بين ثوابت الدين ومتطلبات العصر.
أكد وكيل الأزهر الشريف، الدكتور محمد الدويني، أن دعم القضية الفلسطينية ليس مجرد موقف سياسي، بل هو واجب ديني وأخلاقي. ويمثل هذا الالتزام الراسخ حجر الزاوية في رسالة الأزهر الشريف، التي تتجاوز مجرد التعليم الديني، لتشمل نصرة قضايا الوطن ونصرة المظلومين.
وفي هذا الحوار الموسع مع الشروق، يتناول الدويني قضايا مهمة تتعلق بجهود الأزهر في مكافحة التطرف، وتجديد الخطاب الديني، وتعزيز التعاون مع الدول الأفريقية، بالإضافة إلى دوره في تعزيز قيم التسامح والأخوة الإنسانية.
عن نص الحوار:
كيف يواجه الأزهر تصاعد التطرف الصهيوني وخطاباته العدائية تجاه العرب والفلسطينيين؟
كان الأزهر الشريف، ولا يزال، من أبرز المؤسسات المدافعة عن هموم الأمة العربية والإسلامية. موقفه ثابت في رفضه للاحتلال الصهيوني للأراضي العربية، الذي يعتبره انتهاكًا للحقوق التاريخية والمشروعة للشعب الفلسطيني. ومنذ وعد بلفور عام ١٩١٧ واحتلال فلسطين عام ١٩٤٨، أدان الأزهر هذه الجرائم، وأكد أن الصراع مع الاحتلال ليس مجرد نزاع حدودي، بل هو صراع وجودي ينال من هوية الأمة وكرامتها. كما يرفض الأزهر الشريف رفضاً قاطعاً كافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويدين السياسات التوسعية في الضفة الغربية والجولان، ويدين التصعيد الإسرائيلي في لبنان. نتصدى للفكر الصهيوني والخطاب المعادي بمنهج فكري وديني وإعلامي شامل. ونؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في أرضه ومقدساته، وندين الجرائم الصهيونية المتكررة، وخاصة تلك التي تستهدف القدس والمسجد الأقصى، ونحذر من محاولات تهويد المقدسات وطمس هويتها الإسلامية والعربية. ينتهج الأزهر نهجًا شاملًا في مكافحة الفكر الصهيوني. ويقوم المرصد العالمي لمكافحة التطرف التابع للأزهر برصد وتحليل الخطاب المعادي، ثم ينشر تقارير بلغات متعددة لكشف الانتهاكات وتوعية العالم بالحقائق. كما يلعب الأزهر دورًا محوريًا في رفع الوعي العام بالقضية الفلسطينية، مع التركيز على إبقائها حية في أذهان الأجيال الشابة من خلال البرامج التعليمية وأنشطة التوعية.
– ما هي أشهر الدول الأفريقية المتعاونة مع الأزهر الشريف؟
يُعدّ الأزهر الشريف إحدى أدوات القوة الناعمة المصرية في أفريقيا، ومركزًا تعليميًا ودينيًا هامًا للطلاب من القارة. ولتعزيز هذا الدور، أُنشئت لجنة متخصصة بالشؤون الأفريقية في ديسمبر 2018. يمتد نفوذ الأزهر عبر القارة من خلال بعثاته التعليمية، التي تُعلّم اللغة العربية وتنشر الإسلام الوسطي. وقد أُنشئ ستة عشر معهدًا أزهريًا في دول مثل نيجيريا وتشاد والنيجر والصومال وجنوب أفريقيا وأوغندا. كما تُحافظ جامعة الأزهر على اتفاقيات أكاديمية مع جامعات أفريقية، تشمل تبادل الخبرات وأعضاء هيئة التدريس، بالإضافة إلى تقديم منح دراسية. ويسعى الأزهر إلى تعزيز فهم الإسلام الوسطي بما يتوافق مع واقع المجتمعات الأفريقية، حيث يُشكّل المسلمون ما يقرب من نصف سكان القارة. بالإضافة إلى ذلك، يُرسل الأزهر قوافل طبية وإنسانية لتقديم مساعدات شاملة لدول مثل السودان والنيجر والصومال وتشاد وبوركينا فاسو. وتعمل المنظمة العالمية لخريجي الأزهر على تدريب الأئمة والدعاة الأفارقة في دورات متخصصة لتصحيح المفاهيم الخاطئة، ومكافحة الأفكار المتطرفة، وتعزيز التعايش السلمي.
كم عدد الطلاب الأفارقة الذين يدرسون في الأزهر؟ وما الدعم الذي يتلقونه؟
يستضيف الأزهر سنويًا ما يقارب عشرة آلاف طالب دولي من مختلف الدول الأفريقية، يدرسون في معاهده وكلياته بفضل منح دراسية مجانية. يوفر لهم الأزهر تعليمًا متميزًا في مختلف التخصصات، ويؤهلهم ليكونوا دعاة وعلماء ينشرون قيم الإسلام السمحة، ويعززون التسامح والتعايش السلمي في مجتمعاتهم. ويمثلون سفراء للأزهر في بلدانهم، حاملين رسالته العالمية في تعزيز الاعتدال ومكافحة الفكر المتطرف.
يوفر لهم الأزهر بيئة تعليمية متكاملة تجمع بين برامج أكاديمية رصينة وأنشطة ثقافية ودينية متنوعة من خلال مركز تنمية الطلاب الدوليين. كما يقدم لهم الدعم، بما في ذلك السكن المجاني في مدينة البعثات الإسلامية، والرعاية الاجتماعية والصحية الشاملة. كما يقدم برامج خاصة لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، مما يُمكّنهم من أداء دورهم في خدمة مجتمعهم على أكمل وجه.
– ما هو دور الأزهر في مكافحة الجماعات المتطرفة في الدول الأفريقية؟
للأزهر الشريف دورٌ محوريٌّ في مكافحة الجماعات المتطرفة في أفريقيا، مستخدمًا وسائلَ مُختلفة. ويُبرزُ على وجه الخصوص مرصد الأزهر العالمي لمكافحة التطرف، الذي يُعزز الفهم الصحيح للدين الإسلامي، ويُحلل الخطاب المتطرف ويرد عليه بأسلوبٍ علميٍّ رصين. ويعمل المرصد على دحض الشبهات التي تُروجها الجماعات الإرهابية، مُستخدمًا لغاتٍ مُتعددة ووسائلَ إعلامٍ إلكترونيةً مُتعددة، لضمان وصول رسالته إلى مُختلف الشعوب الأفريقية.
في عام ٢٠١٥، أرسل الأزهر الشريف، بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، قافلة سلام إلى بانغي، عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى. ونُظمت لقاءات وأنشطة لتعزيز المصالحة الوطنية ومكافحة الفرقة بين المسلمين والمسيحيين. وفي مواجهة التهديد الأمني المتزايد الذي تُشكله جماعة بوكو حرام الإرهابية في غرب أفريقيا، استجاب الأزهر الشريف لهذا التحدي بالتفاعل الفكري مع الجماعة. ودحض مرصد الأزهر الشريف ادعاءاتها وردّ على شكوكها. وفي الوقت نفسه، ساهم في توعية الشباب بمخاطر الانضمام إلى بوكو حرام. امتدت جهود الأزهر أيضًا إلى حركة الشباب الصومالية، التي تنشط بشكل رئيسي في دول شرق أفريقيا والقرن الأفريقي. سعى الأزهر إلى كشف خدع الحركة ودحض خطاب الكراهية الذي تبثه في كينيا والصومال، محذرًا من عواقب ذلك على استقرار المجتمعات الأفريقية.
– ما هي المعايير التي يعتمدها الأزهر في تحديد وجهات قوافله الدعوية إلى أفريقيا؟
بناءً على الطلبات والاحتياجات التي يتلقاها الأزهر من كل دولة، تُدرس التحديات وتُحلل لاختيار برامج المناصرة المناسبة. ثم تُحدد الأولويات بناءً على تقارير التجارب وتوصيات السلطات والمؤسسات المحلية. وينصب التركيز على المناطق التي تشهد صراعات أو تفتقر إلى التعايش السلمي بين السكان.
في المرحلة الثانية، سيتم نشر فرق دعوية متخصصة تضم أساتذة من جامعة الأزهر ودعاة يجيدون اللغات المحلية لضمان وصول الرسالة إلى مختلف فئات المجتمع بالشكل الأمثل. وسيتم تصميم برامج دعوية بعناية لتعزيز قيم التسامح ونشر الفكر الوسطي، مع توفير الدعم التعليمي والثقافي اللازم. كما سيتم تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لتنمية كوادر محلية قادرة على استدامة جهود الدعوة وتحقيق أثر إيجابي طويل الأمد.
ما هو عمل مركز الأزهر للحوار بين الأديان؟ وما الفرق بينه وبين مشروعي قوافل السلام والحوار بين الشرق والغرب؟
يُعد مركز الأزهر للحوار بين الأديان منصةً رائدةً لتعزيز قيم الحوار والتفاهم بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة. ويُركز على بناء جسور التواصل والتعاون بين المجتمعات المتنوعة من خلال استضافة لقاءات وندوات فكرية ودينية تجمع ممثلي الديانات والحضارات المختلفة.
يُنظّم المركز لقاءاتٍ دوريةً مع ممثلين دينيين وأكاديميين من جميع أنحاء العالم، ويُشارك في مؤتمراتٍ دوليةٍ لتعزيز ثقافة السلام. كما يتعاون مع المنظمات الدولية الرسمية ذات الصلة لإطلاق مشاريع مشتركة تُسهم في نشر قيم التسامح وإيجاد حلولٍ عمليةٍ للتوترات بين الثقافات.
يسعى كلٌّ من مركز حوار الأديان، ومشروع قوافل السلام، ومبادرة حوار الشرق والغرب، إلى تحقيق أهدافٍ وأنشطةٍ مختلفة. يُركّز مركز حوار الأديان على اللقاءات الفكرية والدينية ذات الطابع الأكاديمي والحواري، بينما تتواجد قوافل السلام في مواقعها وتُرسل وفودًا إلى مناطق النزاع لتعزيز السلام داخل المجتمع. أما حوار الشرق والغرب، فهو مبادرةٌ أشمل تسعى إلى بناء جسورٍ بين الثقافات الشرقية والغربية من خلال الأنشطة الشبابية والثقافية، مما يُعزّز التعددية الثقافية والدينية.
– ما المقصود بتجديد الخطاب الديني وما هي الآلية التي يتبعها الأزهر لتحقيق ذلك؟
إن تجديد الخطاب الديني عملية دقيقة تتطلب توازنًا بين الفهم العميق للأسس والمبادئ الدينية الراسخة، والوعي بمتطلبات العصر ومتطلباته. ولا ينبغي أن تُترك هذه العملية لآراء عشوائية أو تفسيرات مجحفة، بل تقع على عاتق علماء موثوق بهم يمتلكون الأدوات والمؤهلات اللازمة. وهذا النهج راسخ في الإسلام.
يتميز الأزهر الشريف بمنهجه التجديدي، القائم أساسًا على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، مستلهمًا تراثًا ينسجم مع المفاهيم المعاصرة، ويقدم خطابًا دينيًا مستنيرًا يُرسي دعائم الاستقرار الاجتماعي من خلال توضيح أحكام الشريعة وتطبيقها على الواقع الإنساني. لذا، تقع على عاتق المؤسسات الدينية وعلمائها مسؤولية كبيرة في تفسير الواقع، ومواجهة التحديات، والانخراط في خطاب يُعالج مظاهر التطرف والعنف والانحراف الأخلاقي.
– كيف تتعامل مشيخة الأزهر مع ملف المنح الدراسية؟
تُوجّه إدارة المنح الدراسية عدة جوانب رئيسية. وتهدف تحديدًا إلى توزيعها بشكل عادل، وضمان وصولها إلى مستحقيها، سواءً كانوا طلابًا متفوقين أو محتاجين يفتقرون إلى الإمكانيات المادية اللازمة لإكمال دراستهم. كما تشمل الأولويات الاستراتيجية للأزهر الشريف دعم الدول والمناطق التي تعاني من نقص في التعليم الديني، أو انتشار الأفكار المتطرفة، أو التي تواجه صراعات وتحديات فكرية تُهدد تماسك مجتمعاتها.
وسيتم تقييم احتياجات الدول المتقدمة بطلبات المنح الدراسية بالتشاور مع سفاراتها أو المؤسسات الدينية ذات الصلة لتعظيم الاستفادة من هذه المبادرة وخدمة أهداف الأزهر في بناء الكوادر العلمية والدينية القادرة على نشر السلام والتسامح في جميع أنحاء العالم.