لقاء مفتوح مع البروفيسور باتريس بافيز في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي

ضمن فعاليات الدورة الثانية والثلاثين لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، برئاسة الدكتور سامح مهران، عُقدت الجلسة الثانية كلقاء مفتوح مع البروفيسور باتريس بافيز (فرنسا). أدار الحوار الناقد والباحث المغربي الدكتور خالد أمين، وحضره نخبة من الباحثين والفنانين والجمهور. وترجمت الدكتورة حنان حسن الديب النص.
رحب الدكتور خالد أمين بالمشاركين، وقدّم الضيف الفرنسي المتميز. وأكد أن البروفيسور باتريس بافيزي يُعدّ من أهم مفكري المسرح المعاصر، وقد شغل منصب أستاذ فخري في جامعة كنت بالمملكة المتحدة. ويُعدّ كتابه “قاموس المصطلحات المسرحية” مرجعًا هامًا للباحثين لعقود. كما قدّم قاموسًا للأداء المسرحي يشمل دراسة المسرح الرقمي.
بالإضافة إلى هذين المرجعين، طرح في تسعينيات القرن الماضي نظريات بارزة، مثل الساعة الرملية والمسرح في ثقافات مختلفة، وامتد بحثه ليشمل دراسة مسرح ما بعد الدراما. ويؤكد منهجه النقدي رفضه للركود، إيمانًا منه بأن المسرح ليس ثابتًا، بل يشهد دائمًا اتجاهات في تطوره.
وبدأ بافز كلمته بتوجيه الشكر لإدارة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي على حسن الضيافة والتكريم، وأكد مدى سعادته بتواجده في مصر وتكريمه من أكبر مهرجان مسرحي في البلاد.
أسئلة العرض والتجنيد
ركّز بافيزي على إعداد النصوص المسرحية من مصادر أدبية وثقافية متنوعة، وكان مقتنعًا بأن نقطة البداية يجب أن تنطلق من أسئلة جوهرية: لماذا أُعدّ هذا النص؟ لمن أُقدّمه؟ ما الذي أريد الاحتفاظ به أو التخلص منه؟
وأكد أن بعض النصوص متجذرة في ثقافتها الأصلية لدرجة أنه لا يمكن استخلاصها دون المساس ببنيتها الدرامية أو معناها. ويكمن الحل في صقل النص، أي تقريب محتواه من ثقافة المتلقي.
كما أكد أن الاقتباسات ليست كلها ترجمة. ففي الاقتباسات، يمكن للمبدع تغيير النص الأصلي أو مناقضته أو التفاعل معه، بينما يجب على المترجم الحفاظ على درجة أعلى من الدقة. أما المخرج، فله حرية الاختيار بين الاثنين.
السينما والوسائط البصرية في المسرح
من النقاط المهمة التي أثارها بافيز استخدام الفيديو أو السينما في المسرح. ويشير إلى أن هذا الدمج يجب أن يكون هيكليًا وعضويًا في النص، وليس مجرد إضافة سطحية، مع مراعاة الاختلافات الجوهرية بين الوسائل الفنية للسينما وإمكانيات المسرح.
الدراماتورجيا والبيئة
أوضح بافيزي الفرق بين التحضير المسرحي والدراماتورجيا، موضحًا أنه يرى المفهوم الألماني للدراماتورجيا بمثابة دور يشبه دور المستشار الفني للمخرج، مما يتيح مجالًا واسعًا لتدخل أدوات الإخراج، ويعتمد غالبًا على ما يُعرض على خشبة المسرح. أما التحضير، فيرتبط ارتباطًا وثيقًا بما يُكتب على الورق.
الاختلافات في المصطلحات والسياقات الثقافية
في كلمة ألقاها رئيس المهرجان، الدكتور سامح مهران، تناولت مسألة تكييف العمل المسرحي ضمن النوع الأدبي نفسه من مسرح لآخر. وأوضح بافيز أن مصطلحات المسرح ليست عالمية تمامًا، لكن معانيها تتغير باختلاف المجتمع واللغة. واستشهد بمثال مصطلح “دراماتورج” (dramaturg)، الذي ظهر في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية كحل لنقص العناصر الفنية، ولكنه يُستخدم الآن بمعاني مختلفة في بلدان مختلفة.
العمل مع الممثلين وإعادة الكتابة
في حديثه عن الأعمال المُطوّرة بمشاركة ممثلين على خشبة المسرح، جادل بافيز بأنها تختلف عن الأعمال المُقتبسة أو المُعدّلة في أنها تتطلب “مُطوّرًا” يُتابع بدقةٍ الأطروحة المُتفق عليها، ثم يُتيح للممثلين حريةً إبداعيةً قبل حذفها أو إضافتها أو تطويرها. وشدّد على ضرورة امتلاك المُطوّر سلطةً واضحةً لضمان اتساق الرؤية. فيما يتعلق بوصف النص المقتبس بأنه “تأليف”، أوضح أن هذا جائز فقط إذا كان النص الجديد يتخذ نهجًا مختلفًا تمامًا أو يتناقض مع النص الأصلي. أي شيء آخر يُعتبر انتحالًا.
التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في المسرح
فيما يتعلق باستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، يرى بافيزي أن هذه الأدوات يجب أن تدعم الفنان المبدع، لا أن تحل محله. وأكد أن المسرح سيظل يتطلب من المخرج إحياء هذه الوسائط وتوظيفها فنيًا. وأضاف أن الأهم ليس الأداء نفسه، بل العملية الفنية التي تسبقه، بما في ذلك التدريب والممارسة والتجريب، لأنها تُصقل الفنان وتُطور العمل المسرحي.
القيادة الجماعية والتواصل بين الثقافات
أشار بافيزي إلى أن الإخراج في العديد من التجارب الحديثة أصبح عملية جماعية، حيث تدخل النصوص مرحلة التدريب كمسودات، ثم تُحوّل إلى نصوص جديدة من خلال العمل الجماعي. وفيما يتعلق بتقاطع الثقافات، أوضح أن هذا يحدث غالبًا بين ثقافتين، تسيطر إحداهما على الأخرى، بينما في المجتمعات متعددة الثقافات، تنشأ المنافسة والصراع قبل أن تسيطر ثقافة واحدة وتستوعب الثقافات الأخرى، وهو نمط يمكن أن ينطبق أيضًا على العملية الفنية.
أكد بافيزي أن السيميائيات تُقدم تطبيقات للمخرج والجمهور على حد سواء، ما يُمثل أداة تحليلية متعددة الأبعاد. واختتم البروفيسور باتريس بافيزي المؤتمر مُشيرًا إلى أن المواضيع التي تُناقش لا تكفي لمؤتمر واحد، بل تتطلب محاضرات متخصصة وكتبًا. وأكد أن المسرح سيبقى فنًا حيًا يتطور من خلال الممارسة والتجريب والتفاعل بين الفنان والجمهور.