مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يناقش المسرح والمابعديات في ثاني جلساته الفكرية

مهرجان القاهرة للسينما التجريبية يناقش كيفية مواكبة المسرح العربي لـ”الفلسفة الرقمية”.
في اليوم الأول من مهرجان القاهرة الدولي الثاني والثلاثين للمسرح التجريبي، برئاسة الدكتور سامح مهران، عُقدت الجلسة الثانية بعنوان “المسرح وما بعد العولمة”. شارك في الجلسة الدكتور أحمد مجدي من مصر، والسفير علي شيبو من فرنسا/العراق. أدار الندوة خالد الرويعي من البحرين.
استهل خالد الرويعي محاضرته قائلاً: “إن محور هذه الجلسة بالغ الأهمية، وهو مُكمّل للجلسة الأولى التي ناقش فيها المشاركون ضرورة تسليط الضوء على العلاقة بين المسرح والفلسفة، فهذا الحوار ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة مُلحة نابعة من واقع المسرح العربي”. وهذه حقيقة أؤكدها أنا والقائمون على هذه الجلسة. فلا يزدهر المسرح بدون الفلسفة، فهي التي تمنحه عمقًا فكريًا وقدرة على تفسير أسئلة الوجود والواقع. ومن أبرز إشكاليات المسرح العربي إهمال البعد الفلسفي. لذلك، سعت هذه الجلسة إلى إعادة الفلسفة إلى صميم النقاش المسرحي، باعتبارها شريكًا أساسيًا في تشكيل الوعي الفني.
السفير علي شيبو: التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يفتحان آفاقا لمسرح جديد وأكثر ابتكارا.
قال السفير علي شيبو، سفير فرنسا والعراق، في كلمة بعنوان “المسرح بعد العولمة”: “لم تعد العولمة مجرد مصطلح اقتصادي أو سياسي، بل تطورت إلى ظاهرة شاملة تمس مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الفن والمسرح. وأوضح أن جذور العولمة قديمة، تعود إلى الفتوحات البحرية ورحلات الاستكشاف والقوافل التجارية. إلا أن ثورة الاتصالات والإنترنت في أواخر القرن العشرين جعلت العالم يبدو وكأنه قرية صغيرة مترابطة”.
وأضاف شيبو أن للعولمة جانبين متناقضين. فمن جهة، ساهمت في تقارب الثقافات وتبادل الأفكار والفنون، ومن جهة أخرى، وسّعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ورسخت القوة الناعمة كأداة للتأثير الثقافي. وأوضح أنه في مجال المسرح، ساهمت العولمة في إدخال تقنيات جديدة في العروض، ومكّنت من دمج الثقافات المختلفة في العمل المسرحي. وحذّر من خطر تقليد بعض فناني المسرح في الشرق للتجارب الغربية، مما يُعمّق الاغتراب عن الجمهور المحلي.
في كلمته حول مستقبل المسرح، أكد شيبو على التوجه نحو دمج التقنيات الحديثة كالواقع الافتراضي والمعزز والهولوغرام لتعزيز تفاعل الجمهور مع العروض الحية. وأشار إلى أن مسرح ما بعد الدراما وما بعد الحداثة يوفر مساحة خصبة للتجريب والتحرر من السرديات التقليدية، بينما يظل المسرح الكلاسيكي ملتزمًا بجمهوره.
وأضاف السفير علي شيبو: “رغم كل التحولات التي شهدها المسرح عبر التاريخ، لا يزال قادرًا على الابتكار ومواكبة التغيرات”. وأكد أن مسرحًا جديدًا أكثر ابتكارًا وشمولية سيظهر في السنوات القادمة بفضل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
د. أحمد مجدي: بسبب العولمة الرقمية يفقد الإنسان هويته وسط العوالم الافتراضية.
قدّم الدكتور أحمد مجدي، الناقد والمحاضر بقسم الدراما والنقد المسرحي بكلية الآداب بجامعة عين شمس، دراسةً بعنوان “البحث عن الهوية الإنسانية بين عوالم التكنولوجيا والفضاءات الافتراضية في ظل العولمة الرقمية – مسرحية “أوديب المعاد تحميله” نموذجًا”. وجاءت الدراسة ضمن بحثه حول تأثير التكنولوجيا الحديثة على المسرح المعاصر.
أوضح الدكتور مجدي أن مسرحية “أوديب المُعاد تحميله”، للمخرج الألماني كلاوس أوبرماير، تُقدم رؤية مختلفة للمأساة اليونانية “أوديب ملكًا”. تُصوّر أوديب المعاصر كإنسان ضائع فقد هويته وسط الفضاءات الرقمية الشاسعة، وأصبح، في ظل سيطرة الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، مجرد بيانات قابلة لإعادة التحميل.
أشار الدكتور مجدي إلى أن العولمة، التي بدأت كظاهرة اقتصادية واتصالية، تطورت إلى عولمة رقمية قائمة على تدفق البيانات والمعلومات. وقد أدى ذلك إلى تغييرات جذرية أثرت على الثقافة والفن. إلا أن هذه التغييرات أفضت أيضًا إلى مشاكل خطيرة، أبرزها فقدان الهوية الإنسانية وتصاعد الصراعات السيبرانية والنووية، والتي يتجلى ذلك في المعرض من خلال صور الفناء والدمار العالميين.
وأشار إلى أن النص الأصلي لسوفوكليس اعتمد على بنية درامية متماسكة وصراعات خارجية، بينما يتميز الإنتاج المعاصر ببنية مفككة وصراعات داخلية تعكس الخسارة الإنسانية والتشتت بين الواقع والافتراضي، مستخدماً الوسائط المتعددة وتقنيات العرض للتأكيد على هذه الأزمة.
وأكد مجدي أن المسرح الرقمي أصبح منصة لاستكشاف تأثير العولمة الرقمية على الإنسانية وأن أوديب لم يعد يبحث عن نسبه أو أصوله كما في النص الكلاسيكي، بل يبحث عن هويته الإنسانية المفقودة في ظل هيمنة التكنولوجيا والعوالم الافتراضية.