في ذكرى المولد النبوي.. هكذا تجلت مظاهر حب النبي لأمته

يُذكرنا مولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كل عام بالنعمة والنور اللذين أضاءا الدنيا بمولده. ولا يقتصر الاحتفال بهذه المناسبة على سرد سيرته العطرة فحسب، بل يفتح الباب على تأمل ما أظهره من حب صادق، وحرص عميق، ورحمة منقطعة النظير لأمته. فقد حمل النبي (صلى الله عليه وسلم) هموم أمته في قلبه، ودعا لهم في صلواته وخلواته، وبذل نفسه من أجلهم حتى آخر رمق من عمره. وفي هذه الذكرى المباركة، نتأمل أبرز مظاهر حب النبي لأمته، كما ورد في سيرته وأحاديثه الشريفة.
* الدعاء الدائم لأمته
لم يقتصر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه، بل دعا لأمته قبل كل شيء. عن زوجته عائشة رضي الله عنها قالت: “لما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم طيب النفس، قلت: يا رسول الله! ادع الله لي”. قال: “اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، وما أسرت وما أعلنت”. فضحكت عائشة ضحكة شديدة حتى سقط رأسها في حجرها. قال: “أتحبين دعائي؟” قالت: “وما لي لا أحب دعائك؟” قال: “والله إن هذا دعائي لأمتي في كل صلاة”.
يكشف هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل أمته في مركز اهتماماته الروحية، حتى في الدعاء لنفسه.
* الشفاعة مؤجلة إلى يوم اللقاء الأعظم
تنص سنة النبي صلى الله عليه وسلم صراحةً على أن لكل نبي دعوةً مستجابة في الدنيا. إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخصه بهذا الدعاء، بل أرجأه إلى يوم القيامة. قال صلى الله عليه وسلم: «لكل نبي دعوة مستجابة، وعجل كل نبي دعوته. إني جعلت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، يُعطى لها إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا».
* الدموع والشفقة التي لا تنتهي
ومن أمثلة حبه العميق بكاؤه صلى الله عليه وسلم على قومه. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: “فمن تبعني فإنه معي، ومن عصاني فإنك غفور رحيم”، وقول عيسى عليه السلام: “إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم”. ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: “اللهم قومي قومي”، وبكى. ثم قال الله لجبريل: “اذهب إلى محمد فقل له: سنرضيك في قومك ولا نسخطك”.
* اذبحوا الذبيحة باسم الأمة كلها
ذبح النبي صلى الله عليه وسلم أضحيةً عن نفسه وأهل بيته في العيد، ثم أضحيةً عن أمته. وفي حديثٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند ذبح الكبش: “اللهم هذا عن أمتي الذين شهدوا توحيدك وبلغوا رسالتي”.
* تسهيل وضمان تخفيف حالات الطوارئ
لشدة حبه، كان يشتاق إلى بعض العبادات، لكنه يمتنع عنها خشية أن تُفرض عليه وتُسبب الفتنة لأمته. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أفسد على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخّرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل».
وفي حديث آخر عن صلاة التراويح، أنه لم يُصلِّها جماعةً لئلا يُثقل على المسلمين، وكان دائمًا يُراعي قدراتهم وظروفهم، لا رغباته فقط.
* الشوق إلى من لم يره قط
ومن شدة حبه لله، تمنى لقاء أتباعه الذين سيأتون بعده ولم يروه بعد. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وددت أني لقيت إخواني». فقال الصحابة: «ألسنا إخوانك؟» قال: «أنتم أصحابي، وإخواني من آمن بي ولم يروني».