د. سعيد المصري يكتب: مصير العلوم الاجتماعية في مصر

يُمثل إنشاء جامعات خاصة ضمن الجامعات الحكومية تطورًا غير مسبوق ضمن سياسة جديدة تهدف إلى معالجة أوجه القصور في التعليم العالي. وسيكون لهذه السياسة أثرٌ إيجابيٌّ أو سلبيٌّ على تعليم العلوم عمومًا، وعلى تعليم العلوم الاجتماعية في مصر خصوصًا. في هذا السياق، يواجه جميع علماء الاجتماع سؤالًا مهمًا ومقلقًا: ما مستقبل هذا التغيير في العلوم الاجتماعية؟
تهدف السياسة الجديدة إلى إعادة هيكلة نظام تمويل التعليم العالي، بما يسمح بانتقال المزيد من الطلاب إلى الجامعات المجانية. ويتجلى ذلك في الانخفاض السنوي في عدد الطلاب المقبولين في الجامعات المجانية (الجامعات الحكومية الأصلية)، بينما يزداد عدد الطلاب المنتقلين إلى الجامعات المجانية (الجامعات الخاصة الجديدة) تدريجيًا سنويًا. وهكذا، تتحول الجامعة الحكومية (المرتبطة بالتعليم المجاني) إلى جامعة خاصة برسوم دراسية.
تستند هذه التدابير إلى الرأي القائل بأن التعليم المجاني في المرحلتين الابتدائية والثانوية حق أساسي. لقد فشل التعليم العالي المجاني بشكله الحالي في تحقيق نتائج جيدة، لا سيما في العلوم الاجتماعية، والتي تمثل، وفقًا لهذا الرأي، حصة الأسد من ميزانية التعليم العالي. ونتيجة لذلك، فشل هذا النظام في خلق فرص عمل حقيقية أو حراك اجتماعي فعال. علاوة على ذلك، زادت نفقاته بما يتماشى مع الضغط السكاني والزيادة السنوية في أعداد الطلاب، دون تحقيق أي فوائد اجتماعية أو اقتصادية كبيرة. ويرى هذا الرأي أيضًا أن الحل يكمن في تحويل الجامعات الحكومية إلى جامعات خاصة. وبالتالي، ستصبح الزيادة في أعداد الطلاب مصدر دخل للجامعات بدلاً من أن تكون عبئًا، مما يسمح لها بالاستقلال والاكتفاء الذاتي عن ميزانية الدولة. وينعكس ذلك في تصريحات بعض قادة الجامعات الذين يدعمون هذه السياسة ويشاركون بنشاط في تنفيذها.
بغض النظر عن صحة هذا الرأي وتداعياته المجتمعية (وهو موضوع يستحق مقالًا منفصلًا)، فإنني في هذه المقالة أُجيب على السؤال المطروح في البداية: كيف تستجيب العلوم الاجتماعية والإنسانية لهذا التطور الجديد؟ للأسف، يفتقر علماء الاجتماع إلى مؤشرات تعكس الوضع الراهن للمعرفة بهذا التغيير وتداعياته؛ ولذلك، لا توجد رؤى بديلة. لذلك، سيركز نقاشي على تحليل الوضع الراهن، ومراجعة الوضع الراهن لعلم الاجتماع، مع اقتراح منظور بديل في الوقت نفسه.
أتوقع أنه في حال استمرار هذه السياسة الجديدة، ستنتقل أقسام اللغات في كليات العلوم الإنسانية بالجامعات الحكومية المستقلة إلى جامعات خاصة، حيث تعتمد رسومها الدراسية على الطلب الاجتماعي. ويتناقض هذا مع إغلاق جميع كليات العلوم الاجتماعية، وخاصةً علم الاجتماع، بسبب ضعف الطلب الاجتماعي عليها بعد سنوات من الفشل في الجودة والفعالية.
أفترض أيضًا أنه في السياق الجديد، ستحتفظ كليات العلوم الاجتماعية بتخصصات مثل الاقتصاد وإدارة الأعمال والتسويق، ضمن حدود معينة تحكمها نظرية العرض والطلب، بما يلبي احتياجات سوق العمل. من ناحية أخرى، لن تجد كليات علم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس والجغرافيا والتاريخ والعلوم السياسية والقانون والإدارة العامة مكانًا لها في المشهد الجديد للتعليم العالي القائم على الرسوم. سيتم دمج هذه التخصصات القديمة مع التخصصات المتبقية أو الباقية، شريطة أن تؤدي وظائف تكميلية مع عدد قليل من أعضاء هيئة التدريس.
لا يمكن لعلم الاجتماع أن يستمر إلا من خلال الدراسات العليا، بشرط أن نحافظ على الرعاية الصارمة وأعلى مستويات الجودة في منح رسائل الماجستير والدكتوراه والدبلومات وأن نكون منفتحين على تخصصات أخرى.
وهذا يعني أن السبيل الوحيد لإنقاذ علم الاجتماع من مصيره البائس هو البحث عن أفق جديد يرتكز على ركيزتين:
1. الجودة العالية في برامج الدراسات العليا لكسب المصداقية في النظام الجديد.
2. الانفتاح على التخصصات المتعددة سواء في الدراسات الجامعية أو الدراسات العليا لمواكبة التطورات الجديدة في العلوم وسوق العمل.
لسوء الحظ، يفتقر معظمنا إلى هذا الوعي.
إذا لم تبادر أقسام علم الاجتماع في مصر إلى الإصلاح وفقًا لذلك، فإنها تواجه الانغلاق التام، وربما الاستبعاد من المشهد الأكاديمي. يحدث هذا في وقت يشهد فيه التعليم العالي حاليًا تحولاتٍ لأول مرة منذ سبعين عامًا. إنها لحظةٌ محورية في تاريخ العلوم الاجتماعية عمومًا، وعلم الاجتماع في مصر خصوصًا، والذي يمتد لأكثر من قرن. وهذا يتطلب خطواتٍ استثنائية لتصحيح مسار هذا التخصص، وإعطاء الأولوية للتفكير العلمي والمصلحة العامة. فهل نحن قادرون على ذلك؟