“إسلام كان نفسه يرجع عريس”.. البحر يبتلع مهاجر مصري شاب في إيطاليا (القصة الكاملة)

لم تكن عائلة إسلام محمد علي دقن، الشاب من قرية تلبانة بمركز منيا القمح بالشرقية، تتخيل يومًا أن ابنها الأصغر سيغادر بحثًا عن لقمة عيش، ثم يعود جثة هامدة في نعش خشبي. كان خبر وفاته غرقًا في إيطاليا صدمةً لوالدته وشقيقته الوحيدة، وأثار حزنًا واسعًا في القرية.
نشأ إسلام، أصغر والديه، في عائلة بسيطة. كان والده نجارًا، ووالدته ربة منزل. كان رسامًا موهوبًا. أكمل دراسته الثانوية وبدأ يساعد والده في كسب رزقه. ولكن عندما حان وقت تأهيل أخته الوحيدة للزواج، أدركت العائلة أن دخلهم الضئيل لا يكفي.
التقى إسلام بوالده، وقررا أن يهاجر إلى بلاد اليورو والرزق الثمين، أملاً في حياة أفضل وفرص أفضل. يوم رحيله، حزم حقائبه وركب قارباً، عابراً البحر الأبيض المتوسط بطريقة غير شرعية. دعت له والدته قبل رحيله، وودعه والده وداعاً حاراً، بينما بكت أخته على فراقهما.
تحدى إسلام أمواج البحر الأبيض المتوسط، وتفادى خفر السواحل، ووصل أخيرًا إلى شواطئ إيطاليا. هناك، بدأ حياة جديدة، يعمل بجد ويبعث برسائل أمل إلى عائلته. لكن القدر لم يُمهله الكثير. بعد عام من رحلته، توفي والده، تاركًا جرحًا غائرًا في قلبه، إذ لم يتسنَّ له رؤيته ولو لمرة أخيرة.
عمل إسلام بجدٍّ لمدة عامين، يحلم بالعودة مؤقتًا إلى أحضان أمه وأخته. في أحد الأيام، أثناء إجازته، قرر قضاء وقت ممتع وذهب إلى شاطئ البحر مع أصدقائه المصريين والإيطاليين. قفز في الماء مبتسمًا، لكن بعد دقائق قليلة، اختفى تحت الأمواج. حاول أصدقاؤه إنقاذه، لكن المد كان أسرع، وأُعلن الخبر المأساوي: إسلام، غريق آخر على شواطئ أوروبا.
الآن تنتظر عائلته عودته الأخيرة. لم يعد لديه أي هدايا، ولم يعد حلمه كما كان يوم رحيله. عوضًا عن ذلك، ينتظره جثمانه الملفوف في مطار القاهرة، قبل أن يُدفن في مقابر القرية.
لم يتوقف بكاء الأم، وكررت الأخت، وهي تبكي، مرارًا وتكرارًا: “أراد أن يعود عريسًا لا جثة”. لم يتحدث أهل القرية إلا عن “إسلام”، الذي لم يكن قد تجاوز العشرين من عمره، فظلت قصته في ذاكرة الجميع كجرح مفتوح.