حادث طريق الواحات يعيد إلى الأذهان مشهدا لعاطف الطيب من فيلم التخشيبة

انتشر حادث طريق الواحات على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الأخيرة. يُظهر مقطع فيديو ثلاث سيارات يقودها رجال يطاردون سيارة تقودها فتاة. تصطدم السيارة بسيارة الفتاة، مما أدى إلى إصابتها هي وصديقاتها.
أعلنت وزارة الداخلية ملابسات الفيديو المتداول. وحسب الفيديو، كان سائقو ثلاث سيارات خاصة يطاردون فتاتين في سيارة خاصة أخرى بالجيزة، فاصطدمت سيارتهما بسيارة نقل متوقفة على جانب الطريق. وتم القبض على الجناة. وبحسب بيان وزارة الداخلية، اعترف الشبان بالحادثة كما وردت، وتم التحفظ على السيارات، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد السائقين والركاب.
بعد انتشار الفيديو، تداولت بعض المواقع مقطعًا مشابهًا من عام ١٩٨٤، ولكنه كان مشهدًا من فيلم. في ذلك العام، صدر فيلم “التخشيبة”، تأليف وحيد حامد وإخراج عاطف الطيب، وبطولة نبيلة عبيد وأحمد زكي.
يبدأ الفيلم بطبيبة في الثلاثين من عمرها تُنهي عملها في مستشفى حكومي وتعود إلى منزلها. لكن يحدث ما يُقلب حياتها رأسًا على عقب: مجموعة من الشباب يُلاحقونها بسيارتها، ويُتحرشون بها لفظيًا، ويطلبون منها الجنس صراحةً. نتيجةً لذلك، تفقد السيطرة على السيارة وتصطدم بسيارة أمامها.
ترتبط هذه الحادثة ارتباطًا وثيقًا بحادثة طريق الواحات، حيث أدلت إحدى الفتيات بشهادتها بعد الحادثة بأن الشبان كانوا يلاحقون السيارة. وقالت رنا، الفتاة التي كانت تقود السيارة، إن الشبان تحرشوا بها لفظيًا، وأمروها بالتوقف، وهددوها بالقتل.
كانت النتيجة واحدة: في كلتا الحالتين، اصطدمت سيارتا المرأة. قد يظن المرء أن الأحداث جرت بشكل مختلف بسبب سرد الفيلم، لكن في الواقع، كانت المواقف متشابهة تمامًا. تعرضت الضحايا من النساء لتعليقات سلبية؛ انتشرت تعليقات حول ملابسهن، ووصمهن بسبب ملابسهن وقلل من قدرتهن على تجنب السيارة، مما أدى إلى الاصطدامات. هذه التعليقات، في شكلها الحديث، تعبر عن آراء الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن في الفيلم، نرى نفس التعليقات تقريبًا من خلال شخصية عبد المعطي (وحيد سيف)، الذي تصطدم به البطلة بعد أن طاردها شباب. يستخدم لغة جارحة ضدها، متهمًا إياها بالانحلال الأخلاقي لمجرد أنها امرأة تقود سيارة. تستند تعليقات وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا إلى هذه الفرضية، وجميعها تستند إلى فرضية واحدة: النظرة المتعالية للمرأة في المجتمع المصري، مجتمع أبوي يهيمن عليه الرجال ذو مواقف عنصرية تجاه المرأة التي تقود السيارة. علاوة على ذلك، يرتبط التحرش بملابس النساء ويتم تبريره بهذه الملابس.
لعقود، عبّر وحيد حامد بوضوح عن هذه النظرة الذكورية، وسلّط الضوء عليها من خلال الحوار الذي كتبه للفيلم. وحذّر من العواقب الوخيمة على حياة المرأة في المجتمع، إذ يُركّز الخطاب السينمائي للفيلم على تفكيك هذه النظرة وفرضها على الشخصيات مع تطوّر الأحداث. لذلك، يُمكن اعتبار الفيلم غنيًا بالرؤى النسوية. ورغم كتابته وإخراجه من قِبل رجال، إلا أنهم أدانوا النظرة الذكورية في المجتمع، وسعوا إلى كشفها بشكل شامل في سرد الفيلم.
ويشكل هذا النهج للفيلم جزءاً لا يتجزأ من المناقشة حول حقوق الإنسان بشكل عام وحق الإنسان في أن يعامل بكرامة وألا ينظر إليه ككائن أدنى بسبب جنسه.
يندرج هذا الفيلم ضمن اهتمام عاطف الطيب بحقوق الإنسان ورؤيته الإخراجية. يقول الدكتور رفيق الصبان: “يتناول الطيب بتعاطف ممزوج بكثير من الحنان مشاكل المظلومين الذين تُنتهك حقوقهم رغم كرمهم ونبل قلوبهم وتضحياتهم. تُصوّر معظم أفلامه، إن لم يكن جميعها، شخصية إنسان عادي تُداس حقوقه، مثل فيلم “التخشيبة” الذي يُصوّر الظلم الذي تتعرض له طبيبة، ما يدفعها إلى ارتكاب جريمة قتل، ردًا على انتهاك حقوقها بعد أن تخلى عنها القانون والمجتمع وقسوة العادات والتقاليد”.
وهذه العادات التي يشير إليها الصبان يمكن وصفها الآن، وفقاً لتطور المصطلحات التحليلية، بالنظرة الذكورية التي تحيط في هذه الحالة بالبطلة.