الجلسة العلمية الرابعة بمؤتمر الإفتاء العاشر ترسم ملامح المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي

ناقشت الجلسة العلمية الرابعة من المؤتمر الدولي العاشر لدار الإفتاء المصرية، بعنوان “صناعة المفتي الصالح في عصر الذكاء الاصطناعي”، التحولات الكبرى التي تُحدثها تقنيات الذكاء الاصطناعي في صناعة الفتوى. وشارك في الجلسة نخبة من علماء الشريعة البارزين والخبراء الدوليين، وتداخلت رؤى التجارب الإفتائية التقليدية مع الآفاق الرقمية الجديدة لإيجاد مسار متوازن يضمن الحفاظ على المبادئ الإسلامية مع تسخير إمكانات التكنولوجيا.
تناولت الدكتورة حكيمة الشامي، الباحثة المغربية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إشكالية استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الفتاوى، وأكدت على دور المفتي الحكيم كفقيه متمرس قادر على ضبط آثار التكنولوجيا الحديثة وفقًا للفقه الإسلامي. وأكدت أن الفتاوى ليست مجرد نتاج، بل هي اجتهاد يتطلب فهمًا للواقع ونتائجه.في بحثها المعنون “المفتي العقلاني في مواجهة تحيز الذكاء الاصطناعي: بين الأساس الفقهي والترشيد الرقمي”، حذّرت من التحيزات الرقمية التي قد تُقوّض عدالة الاستجابات الشرعية. وأشارت إلى أن الفتاوى المعاصرة تواجه تحديًا جوهريًا نظرًا لتزايد اندماجها في بيئة الذكاء الاصطناعي، حيث تتقاطع الأبعاد التقنية مع القيم الشرعية. وهذا يُبرز الحاجة المُلحة إلى ترسيخ دور المفتي العقلاني في هذا السياق الرقمي المُتغيّر. يطرح البحث تساؤلاتٍ عدة: كيف يُمكن للمفتي العقلاني أداء واجباته في ظلّ تطوّرات الذكاء الاصطناعي؟ ما حدود تأثير التحيّزات الخفية في الخوارزميات على عدالة الجواب الفقهي؟ هل يُمكن لروح الفقه أن تُعيد العلاقة مع الآلة بما يُحافظ على الاجتهاد، ويُراعي الفروق، ويُنظّم النتائج وفقًا للمنطق الشرعي لا للمعطيات؟ وأخيرًا، كيف يُمكننا ضمان ألاّ تُصبح الفتاوى الرقمية أداةً للاختصار أو الهيمنة، بل وسيلةً للتيسير والإرشاد والبناء؟بناءً على ذلك، خلصت الدراسة إلى أن الفتوى مسعى شرعي يتطلب فهمًا عميقًا للواقع الإنساني وفهمًا دقيقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية، وليست مجرد نتيجة آلية أو برمجية. كما خلصت إلى أن الذكاء الاصطناعي “محدود” في فهم السياقات الشرعية أو استحضار روح المقاصد الإسلامية. وأكدت الدراسة على ضرورة دمج “الاجتهاد البشري والتكنولوجيا الحديثة”. وهذا يعني أن الاجتهاد البشري، ممثلًا بالمفتي العقلاني، ينبغي أن يكون الضامن للأخلاق والعدل والسلطة الشرعية في إصدار الفتوى، مع استخدام التكنولوجيا كأداة داعمة لا بديل عنها. وأخيرًا، أشارت الدراسة إلى وجود “تشوهات هيكلية في أنظمة الذكاء الاصطناعي” من شأنها أن تحد من نطاق الاجتهاد، وتضعف تعدد الفقه، وتشوه الصورة الحقيقية للدين.أوضح الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد، رئيس إدارة الإفتاء وعضو مجلس الإمارات للإفتاء، شروط الإفتاء، ومنها: البلوغ، والإلمام باللغة والنحو والصرف، بالإضافة إلى معرفة القرآن الكريم وأصول الفقه والتاريخ والحديث والفقه. كما أكد على ضرورة فهم الفرد لواقع عصره وبلده فهمًا عميقًا لتطبيق أحكام الاجتهاد على مقتضيات العصر.في بحثه المعنون “تأهيل المفتي العقلاني المعاصر”، أوصى بأن تتولى المؤسسات التعليمية والأكاديمية الحكومية والخاصة مهمة تنشئة جيل ذي مؤهلات خاصة في الفقه وأصوله والعلوم الآلية، بما يُعين على فهم النصوص، ويُكسبه القدرة على الاستدلال والتحقيق في الحوادث الشرعية التي تتطلب التروي والجدال لاستنباط الأحكام الشرعية وتطبيقها. كما أوصى بأن يكون طالب الفتوى مُلِمًّا بواقعه وعصره ومستقبل حياة الناس، حتى يكون اجتهاده وتطبيقه للفتاوى في إطار الشريعة الإسلامية السمحة مُطابقًا للواقع. وأوصى أيضًا بأن يكون تدريب المفتين تدريجيًا، بدءًا من المراحل الدراسية الأولى، وصولًا إلى التخصص الدقيق في الدراسات العليا. كما أوصى بمرافقة كبار المفتين ومستشاري الفتوى في مكاتبهم لاكتساب الخبرة والمهارات.طرح الأستاذ الدكتور محمد عبد السلام كامل أبو خازم، أستاذ الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس، عددًا من التساؤلات: ما ضوابط استخدام الذكاء الاصطناعي في الفتوى؟ وما هي ضوابطه، وما أثره على صياغة الفتاوى؟ وما هي المهارات اللازمة في عصر الذكاء الاصطناعي لتأهيل المفتين في دور الفتوى؟ وكيف يمكن لدور الفتوى مواجهة تحديات ومخاطر الذكاء الاصطناعي المحتملة التي تؤثر سلبًا على إعداد الفتاوى الصحيحة؟في بحثه المعنون “أهمية الفتاوى المؤسسية في عصر الذكاء الاصطناعي: الواقع الراهن والآفاق المستقبلية”، خلص الدكتور أبو خازم إلى أن للفتاوى المؤسسية دورًا هامًا في تبسيط الفتاوى وتحقيق التماسك الاجتماعي بين المفتين والمفتين. وخلص إلى أن نسبة الفتاوى التي تُركز على تقنيات الذكاء الاصطناعي لا تزال ضئيلة مقارنةً بالفتاوى في المجالات الأخرى، وأن أهم التجارب الحالية التي تقوم بها مؤسسات الفتوى في استخدام الذكاء الاصطناعي في إصدار الفتاوى هي نماذج النظم الخبيرة والنماذج الروبوتية المستخدمة في الفتاوى. وخلصت الدراسة أيضًا إلى أن “الفتاوى المؤسسية” أصبحت حاجةً مُلِحّةً في عصر الذكاء الاصطناعي لتعظيم مواطن القوة، واستغلال الفرص، ومعالجة مواطن الضعف، والتغلب على التحديات. فهي وحدها القادرة على معالجة الأسئلة المتشابكة والمشكلات المعقدة، والبحث عن حلولٍ وإجاباتٍ عقلانيةً ومنهجية.أكدت الأستاذة الدكتورة ابتسام مرسي محمد المرسي، أستاذة علم الاجتماع المساعدة بكلية الآداب بالقاهرة، أن سهولة الوصول إلى الفتاوى ودقة محتواها وموثوقية مصادرها عوامل أساسية في تعزيز الاستقرار الفكري والديني والاجتماعي في المجتمعات الإسلامية. وأشارت إلى أن استخدام دار الإفتاء المصرية للتكنولوجيا، وخاصة التطبيقات الذكية والمنصات الرقمية، يُمثل نقلة نوعية في أداء المؤسسة وتأثيرها الاجتماعي.في بحثها المعنون “التحول الرقمي في دار الإفتاء المصرية: مجال اجتماعي ونظرة استشرافية للتفاعل المجتمعي مع الفتاوى الذكية”، تُجادل الدكتورة ابتسام المرسي بأن تعظيم الدور المؤسسي لدار الإفتاء يتطلب إنشاء منصة فتاوى ذكية تفاعلية تعمل بالذكاء الاصطناعي والإشراف البشري. علاوة على ذلك، من الضروري تطوير البنية التحتية التقنية للمنصات لجعلها أكثر استجابة وسهولة في الاستخدام، بالإضافة إلى تطوير دليل فتاوى رقمي بلغة مبسطة، يستهدف مختلف شرائح المجتمع.