مغامرة نتنياهو الجديدة في غزة وتساؤلات بشأن قدرة الجيش على تنفيذها

القاهرة – (د ب أ)
منذ موافقة مجلس الوزراء الأمني المصغر على خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للسيطرة الكاملة على قطاع غزة، برزت تساؤلات عديدة حول قدرة الجيش على تنفيذها. ويتجلى هذا في أن اعتماد هذا المقترح جاء في ظل خلافات علنية عميقة بين المستويين السياسي والأمني في إسرائيل.
لكن نتنياهو ووزراءه من اليمين المتطرف أصروا بلا هوادة على هذا السيناريو، وتمت الموافقة على خطته بعد اجتماع ماراثوني لمجلس الوزراء استمر أكثر من عشر ساعات.
والآن بعد أن اضطرت قوات الأمن إلى الامتثال لهذا الطلب، وباتت قياداتها تواجه خيارا بين الامتثال أو الرفض، فقد يستكشف وزير الدفاع إسرائيل كاتس ورئيس الأركان إيال زامير طريقة لتنفيذ رؤية نتنياهو التي تتضمن خمسة مبادئ: نزع سلاح حماس، وإطلاق سراح جميع السجناء ــ الأحياء والأموات ــ ونزع السلاح من غزة، وإنشاء سيطرة أمنية إسرائيلية على غزة، وإنشاء إدارة مدنية لا تخضع لحماس ولا للسلطة الفلسطينية.
بينما تجاهلت حكومة نتنياهو عاصفة الانتقادات الدولية لخطة غزة الجديدة، بل واتهمت الدول التي رفضتها بمكافأة حماس، يبدو أن الفجوة بين تل أبيب والمجتمع الدولي تتسع. إذ تتخذ المزيد والمزيد من الدول مواقف لا تتوافق مع توجهات صناع القرار الإسرائيلي، وداعمهم الأقوى، وربما الوحيد الآن، الولايات المتحدة.
وضعت التطورات الأخيرة الجيش الإسرائيلي في موقف صعب. لا يقتصر الأمر على مخاوف عامة من إرهاق الجنود وتدهور المعدات الثقيلة والدبابات بسبب الحرب المستمرة منذ عامين، بل أفاد موقع “والا” الإخباري، نقلاً عن مصادر عسكرية، بأن السيطرة على غزة قد تُصبح “خطرًا وفخًا تكتيكيًا”.
ومن المفارقات أن مجلس الوزراء وافق على هذه الخطوة من دون خطة واضحة، ثم بدأ رئيس الأركان بعد ذلك مشاورات مع قادة الجيش للتخطيط لمستقبل العملية في غزة، وليس العكس.
تأتي العملية الجديدة، التي لم تُسمَّ بعد، في أعقاب نجاحات العمليات السابقة، وآخرها نشر مدرعات “جدعون”. ووفقًا للعديد من المراقبين، قد تكون هذه العملية الأخطر في حرب إسرائيل على غزة. ولا يعود ذلك فقط إلى تحذيرات السياسيين والعسكريين الإسرائيليين من مزيد من الخسائر في صفوف الجيش وتضحية الأسرى المتبقين، بل أيضًا إلى مواقف العديد من دول العالم، التي تتجسد في إجراءات ملموسة تتجاوز مجرد الإدانة والاستنكار.
جاء أهم تحول في سياسة ألمانيا تجاه التصعيد العسكري الإسرائيلي بإعلان المستشار فريدريش ميرز تعليق جميع تراخيص تصدير الأسلحة الجديدة التي يُمكن استخدامها في قطاع غزة. كما يتصور ميرز إمكانية تعليق تسليم الأسلحة المُعتمدة بالفعل إذا كان هناك احتمال لاستخدامها في قطاع غزة.
وتأتي هذه الخطوة على خلفية الضغوط المتزايدة والتحذيرات من برلين ضد أي جهود إسرائيلية لإعادة احتلال قطاع غزة أو ضم أجزاء من الضفة الغربية.
وفي السياق نفسه، تزامن قرار هولندا بإلغاء ثلاثة تراخيص لتصدير مكونات السفن الحربية إلى إسرائيل بسبب تدهور الوضع في قطاع غزة وخطر “الاستخدام غير المقصود” مع مناقشة طارئة في البرلمان الهولندي بشأن مقترحات لفرض حظر شامل على الأسلحة وعقوبات أوسع، فضلاً عن الاعتراف بدولة فلسطين.
تزامن ذلك مع استدعاء بلجيكا السفير الإسرائيلي في بروكسل احتجاجًا على خطة السيطرة على غزة، أو كما سمّتها وسائل الإعلام الإسرائيلية “احتلالها”. بهذه الخطوة، أرادت بلجيكا التعبير عن رفضها القاطع لقرار حكومة نتنياهو، والتحذير من عواقبه.
لم يكن استدعاء السفير الإسرائيلي مجرد إجراء دبلوماسي للتعبير عن استنكار هذا الإجراء، بل كان تأكيدًا لموقف بلجيكا الداعم لحل الدولتين. وفي الوقت نفسه، أعربت بلجيكا عن رأيها بأن هدف القضاء على حماس “لا يبرر العمليات غير المتناسبة التي تزيد من معاناة السكان المدنيين الفلسطينيين”.
بعد أن أعلنت بريطانيا عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية الشهر المقبل، واصل رئيس الوزراء كير ستارمر انتقاد إسرائيل، قائلاً إن الخطة الجديدة “لن تساعد في إنهاء هذا الصراع أو تأمين إطلاق سراح الرهائن، بل ستؤدي إلى تفاقم إراقة الدماء”.
تُلقي هذه المواقف المتتالية بظلالها على الوضع الداخلي الإسرائيلي. ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مسؤولين عسكريين تعبيرهم عن قلقهم إزاء تأثير المقاطعة الدولية على شراء الأسلحة والمواد اللازمة لصناعة الدفاع.
كشفت وسيلتا الإعلام الإسرائيليتان كاتس وزامير عن المفاجأة الصادمة بشأن السيطرة الكاملة على قطاع غزة وفشل الجيش في تحقيق أهدافه خلال 22 شهرًا دون تنسيق مع الجهات الأمنية. وأفادت إذاعة الجيش أن وزير الدفاع سيقترح استدعاء 430 ألف جندي خلال الأشهر الثلاثة المقبلة في اجتماع مجلس الوزراء المقبل. ونقلت هيئة الإذاعة عن رئيس الأركان تقديره للحاجة إلى 200 ألف جندي احتياطي للسيطرة على قطاع غزة. وذكرت القناة 15 أنه سيتم إرسال 250 ألف أمر استدعاء لجنود الاحتياط.
ويرى المراقبون أن إدراك المسؤولين الإسرائيليين للوضع الداخلي والخارجي المعقد والمخاطر المرتبطة بالخطة الجديدة ربما دفع بعضهم إلى ترك الباب مفتوحا أمام الانسحاب من الخطة، اعتمادا على عرض تفاوضي أو دعوة من حماس لاستئناف المفاوضات، بحسب زعيم حزب شاس أرييه درعي.