ستون سيدة فلسطينية يضربن عن الطعام للمطالبة بدفن جثمان شهيد

منذ 18 ساعات
ستون سيدة فلسطينية يضربن عن الطعام للمطالبة بدفن جثمان شهيد

ستون امرأة من خربة أم الخير في مسافر يطا، جنوب الضفة الغربية، يخوضن إضرابًا عن الطعام منذ أيام، مطالبات بدفن لائق وغير مشروط للشهيد عودة الهذالين، الذي قُتل برصاص مستوطن إسرائيلي في قريته أواخر الشهر الماضي.

وبحسب عائلة الهذالين، طرحت السلطات الإسرائيلية عدة خيارات لدفنه. منها نقله إلى الخليل أو يطا، ومنع دفنه في مسقط رأسه، ومنع إقامة مراسم العزاء أو الجنازة أو أي تجمعات أخرى. كما سمحت بدفنه في أم الخير، بشرط ألا يتجاوز عدد الحاضرين 15 شخصًا، وأن يتم الدفن ليلًا تحت حراسة أمنية مشددة ودون مراسم جنازة.

أفاد ناشطون في مسافر يطا أن سلطات الاحتلال أفرجت مؤخرًا عن المستوطن ينون ليفي، المتهم بقتل الهذالين، والذي شوهد في تجمع أم الخير خلال الأيام الأخيرة.

خلفية القصة

في خربة أم الخير، وهي قرية صغيرة في جنوب الضفة الغربية، يسود صمت مطبق منذ سماع صوت الرصاصة التي قتلت الفلسطيني عودة الهذالين (31 عاما)، وهو ناشط بارز في مناهضة الاستيطان.

مرّت أربعة أيام على مقتله، ولا تزال جثته قيد الاحتجاز الإسرائيلي. في هذه الأثناء، أفرجت الشرطة الإسرائيلية عن المشتبه به في القتل، المستوطن يونان ليفي، بناءً على قرار من محكمة الصلح في القدس، ووُضع تحت الإقامة الجبرية.

لم يكن عودة شخصًا عاديًا في بيئته. كان مُعلّمًا للغة الإنجليزية، وأبًا لثلاثة أطفال، وناشطًا ملتزمًا في منطقة مسافر يطا، كما يوضح ابن عمه علاء الهذالين، الذي يدّعي أنه شهد مقتله.

وفي ذلك اليوم، يقول علاء، حاول أهالي القرية بشكل سلمي التصدي لجرافة يقودها المستوطن ليفي والتي كانت تقوم بهدم أراضيهم.

“كنا نعرفه، عرفنا عنفه وتاريخه”، يقول علاء بنبرة حزن عميق وهو يتحدث عن المستوطن الإسرائيلي. “لكنه لم يتردد. ترجّل من الجرافة وأخرج مسدسه. أطلق النار مرتين. في المرة الأولى لم يُصِب أحدًا، وفي الثانية أصاب عودة مباشرة في قلبه”.

وأضاف علاء في مقابلة مع بي بي سي: “أصابت الرصاصة قلب عودة أثناء تواجده في ساحة المركز المجتمعي في الخربة، وكان في طريقه لمساندتنا”.

صورة 1

سقط عوده أرضًا، وصدره مغطى بالدماء. قال علاء: “حاولنا إنقاذه، لكن الرصاصة كانت قاتلة”.

وأضاف أن قوات الاحتلال اقتحمت الأنقاض بعد وقت قصير، واحتجزت جثمان عودة، واعتقلت خمسة شبان، بينهم طبيب حاول علاجه. وشوهد المستوطن ليفي بين الجنود، لكن يُفترض أنه لم يُعتقل فورًا.

وفي اليوم التالي، وعندما حاولت العائلة إقامة خيمة عزاء، اقتحم جيش الاحتلال مرة أخرى خربة أم الخير، وأجبر العائلة على إزالة الخيمة وطرد النشطاء والمعزين والصحفيين.

وتقول عائلة الهذالين إن الجيش الإسرائيلي فرض شروطا “مهينة” لتسليم الجثمان، حيث كان من المقرر دفنه خارج قريته، واقتصر عدد المشيعين على 15 شخصا، كما تم منع إقامة خيمة عزاء بالقرب من المنزل.

ويضيف علاء: “حتى بعد الموت، فإنهم يطاردوننا”.

حملة اعتقالات في أم الخير

صورة 2

وعلى مدار الأيام الأربعة الماضية، داهمت قوات الاحتلال خربة أم الخير عدة مرات، وشنت حملة اعتقالات واسعة طالت نحو 17 فلسطينياً من عائلة هذالين، بينهم شقيقا عودة أحمد وعزيز، بالإضافة إلى خمسة نشطاء أجانب وإسرائيليين أفرجت عنهم لاحقاً، بحسب ناشطين في مسافر يطا.

أفادت المصادر ذاتها بإطلاق سراح أسيرين فلسطينيين، فيما مثل تسعة آخرون أمام المحكمة بعد اعتقالهم مساء الثلاثاء. وأمرت المحكمة بالإفراج عن بعضهم، ومنهم أحمد الهذالين، شقيق عودة، بشروط صارمة، شملت منعهم من التجمع لمدة 60 يومًا، ومنعهم من الاقتراب من مستوطنة كرميئيل قرب أم الخير، وتغريمهم 150 دولارًا (500 شيكل).

في هذه الأثناء، يواصل الجيش الإسرائيلي اعتقال ستة فلسطينيين بتهمة “إلقاء الحجارة على مركبات المستوطنين”. ويصف ناشطون هذه التهم بأنها محاولة لتجريم الاحتجاجات السلمية ضد مقتل الهذالين وقمع المطالبات بالعدالة له.

فيلم “لا بلد آخر”

صورة 3

كان يؤمن بالكاميرا بقدر إيمانه بالكلمة، وشارك في إنتاج الفيلم الوثائقي الحائز على جائزة الأوسكار العام الماضي “لا أرض أخرى”. وصرح مخرج الفيلم، باسل عدرا، لبي بي سي بأنه كان يؤمن بأن الصور قادرة على إخبار العالم ما عجزت عنه الأصوات المحاصرة في هذه الأرض.

لم يُقتل عودة على يد مستوطن فحسب. صرّح الصحفي الإسرائيلي والناشط في مجال حقوق الإنسان أندريه كراسنوفسكي، وهو صديق مقرب له، لبي بي سي: “وفاة عودة هي نتيجة مشروع استمر عقودًا بهدف تطهير هذه الأرض من سكانها”.

وأضاف: “لم يأتِ ليفي ليقتل فحسب، بل ليُدمّر الأشجار وأنابيب المياه. وكانت الرصاصة الفصل الأخير في دمار الخراب”.

يونان ليفي، المشتبه به في مقتل الرجلين، هو مستوطن إسرائيلي يعيش في بؤرة استيطانية غير قانونية تُسمى “ميتريم”، أنشأها في جنوب محافظة الخليل عام 2021. يعيش هناك مع عائلته وقطيع من الماشية، وهو معروف بإجراءاته الأمنية المشددة، بما في ذلك كاميرات المراقبة وأنظمة الحماية الذاتية.

صورة 4

في عام 2024، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عقوبات على ليفي بسبب تورطه في هجمات عنيفة ضد الفلسطينيين في جنوب الخليل، بما في ذلك “انتهاكات جسيمة” لحقوق الإنسان.

وفقًا لنادي الأسير الفلسطيني، احتجزت الشرطة الإسرائيلية ليفي للتحقيق معه، ثم أفرجت عنه بعد يوم ووضعته قيد الإقامة الجبرية. وُجهت إليه تهم أخف، منها “القتل غير العمد”. وصرح محاميه في المحكمة بأنه استخدم الرصاص دفاعًا عن النفس ضد فلسطينيين راشقي الحجارة. ولم يُستأنف القرار.

بحسب مؤيد شعبان، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، نفّذ المستوطنون أكثر من 2150 اعتداءً منذ بداية العام، منها 448 اعتداءً في مسافر يطا وحدها. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، قُتل 30 فلسطينيًا في هجمات للمستوطنين، ثمانية منهم منذ بداية العام.

خربة أم الخير، التي يسكنها 210 أشخاص من 32 عائلة، مهددة بالهدم الكامل. تُحيط بها مستوطنة كرميئيل، التي أُقيمت على أراضيها عام 1980. وعلى مدار العقدين الماضيين، شهدت القرية عمليات تدمير متكررة للمنازل والبنية التحتية والمواشي.

وفي عام 2022، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً يسمح بطرد سكان مسافر يطا بحجة تحويلها إلى منطقة تدريب عسكري، مما هدد بطرد نحو 1200 فلسطيني من قراهم.


شارك