سائقون يروون لـ«الشروق» تجاربهم مع صندوق مكافحة الإدمان: رجعنا من الضياع.. والعلاج مجاني وسري

عبدالله: “المخدرات أفقدتني السيطرة على نفسي”. تامر: “كنت أخاف من شرطة المرور خوفًا من الفحص”.
رئيس قسم مكافحة الإدمان: 620 سائقاً خضعوا للعلاج طوعاً ودون مسؤولية قانونية
لا تزال مشكلة تعاطي المخدرات بين سائقي النقل وسيارات الأجرة تُشكّل أحد أكبر التهديدات للسلامة العامة، مُطلقةً ناقوس الخطر على مدار الساعة. لكن في خضمّ هذه الأزمة، ثمة بصيص أمل: فقد قرر مئات السائقين التغلب على خوفهم والتوجه طواعيةً إلى المراكز التي يُديرها صندوق مكافحة وعلاج الإدمان وتعاطي المخدرات لتلقي العلاج وضمان بقائهم على قيد الحياة.
التقت الشروق بعدد من السائقين الذين خضعوا لعلاج الإدمان في صندوق مكافحة وعلاج الإدمان وتعاطي المخدرات. تعافى هؤلاء السائقون بنجاح وبدأوا حياة جديدة على الطريق، هذه المرة بوعي ومسؤولية أكبر.
أكد السائقون المتعافين أن دعم صندوق مكافحة الإدمان وتوفير مراكز العلاج المجانية هما طوق نجاة حقيقي. وأشاروا إلى أنهم لا يتعافون الآن فحسب، بل يرغبون أيضًا في المساهمة في توعية زملائهم، وأن يكونوا قدوة لغيرهم من السائقين الذين لم يقرروا بعد طلب العلاج.
يقول محمود صبحي، وهو سائق متعافي، واصفًا تجربته: “كل من جرب الإدمان يعلم أنه ينتهي إما بحادث أو بالموت. لقد اخترنا الحياة”. وأكد أن قراره بالعلاج غيّر حياته تمامًا ومنعه من العودة إلى الإدمان، خاصة بعد أن عايش بنفسه كيف أفقدته المخدرات وعيه وحصدت أرواحه وأرواح مستخدمي الطريق الأبرياء.
يستذكر السائق، البالغ من العمر 37 عامًا، والذي يسكن في حي بهتيم بشبرا الخيمة، مسيرته المهنية التي بدأت سائقًا لحافلة صغيرة. يقول: “كنت في الثالثة عشرة من عمري، وكنت أستقل سيارة أجرة إلى المدرسة. كنت أنهي يومي الدراسي صباحًا، ثم أواصل العمل سائقًا حتى نهاية اليوم”. ويضيف: “لم تكن هذه المهنة خيارًا، بل تقليدًا عائليًا”.
لم يُكمل السائق تدريبه، فانقطع عن الدراسة في الصف الثالث الإعدادي. ومع مرور السنين، أصبح سائقًا محترفًا ومدمنًا للمخدرات. يوضح قائلًا: “دخنتُ السجائر منذ صغري، ثم تعاطِيتُ الكوكايين، حتى اكتشفتُ المخدرات البودرة والمخدرات الصناعية. كان عليّ تجربة كل ما هو جديد في السوق”.
يقول محمود: “خسرتُ كل شيء بسبب المخدرات. بعتُ الحافلة الصغيرة التي اشتريتها وبدأتُ أعمل لدى آخرين. ثم تركتُ وظيفتي، ودُمر منزلي. مرّت زوجتي وبناتي بفترة عصيبة بسببي”.
جاءت نقطة التحول في إحدى الليالي عندما أدرك أنه فقد السيطرة. روى: “كنت أقود السيارة ورأيت شخصًا يعبر الشارع. ضغطت على الفرامل بقوة، لكن لم يكن هناك أحد. كان مجرد خيال”.
ذكر السائق أنه تعرّف على خدمات صندوق مكافحة الإدمان بالصدفة من صديق مدمن. قال: “ظننتُ أنه لن يقلع أبدًا. اكتشفتُ أنه قد تغيّر وأقلع بالفعل. أحالني إلى مركز لعلاج الإدمان. ذهبتُ إلى هناك ووجدتُ حبًا غير مشروط”.
هكذا بدأت رحلة محمود للتعافي: “لم أتناول المخدرات منذ ستة أشهر. أجري اختبارات كل أسبوع، وبدأت أحب نفسي”.
لم يكتفِ محمود بالتعافي، بل قرر أن يكون صوتًا داعمًا لمن يسلكون نفس الطريق. وصف يومه قائلًا: “أذهب إلى النادي الرياضي، وأُصوّر مقاطع فيديو، وأشجع الجميع على الإقلاع عن التدخين، ويمكن لأي شخص يُقلع عن التدخين الحضور إلى النادي مجانًا. ندعمهم حتى يستعيدوا عافيتهم. لقد أصبحنا قدوة للكثيرين ممن ظنوا أنهم لن يستيقظوا أبدًا”.
يبحث السائق حاليًا عن وظيفة جديدة بعد أن قرر التوقف نهائيًا عن العمل في مواقف السيارات. يقول: “رفضتُ العودة للعمل مع العربات أو الشاحنات. جربتُ عدة وظائف وما زلتُ أبحث، لكن على الأقل الآن أستيقظ متيقظًا وخاليًا من القلق”.
وبالمثل، يروي تامر عبد السلام، وهو سائق من شبرا الخيمة، قصته منذ اللحظة التي بدأ فيها تعاطي المخدرات حتى تعافيه: “بدأت قيادة الحافلة عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري. تركت المدرسة في الصف الرابع، وكان الناس يخشون الركوب معي لأني كنت صغيرًا جدًا”.
يُتابع السائق البالغ من العمر 43 عامًا: “بدأتُ بتعاطي الماريجوانا عندما كنتُ في التاسعة عشرة من عمري، ثم تناولتُ مخدرات أخرى حتى اكتشفتُ الجليد. كان ذلك أسوأ ما حدث لي على الإطلاق. ضاعت سنوات من عمري، أنفقتُ كل أموالي على الملذات، ولم يكن لديّ ثقة بالنفس”.
السائق أب لثلاثة أطفال، توفي أحدهم. لا يزال هذا الفقد يؤلمه حتى اليوم. يتحدث عن زوجته ودورها في إنقاذه: “كانت زوجتي تعلم أنني أتعاطى المخدرات، وحاولت مساعدتي وإقناعي بالتوقف، رغم سوء معاملتي لها. لكنها لم تتركني وحدي، ووقفت بجانبي وأنا أتحمل هذه المحنة”.
وأضاف السائق أن نقطة التحول في حياته بدأت بعمل زوجته: “كانت تعمل لدى الناس، فأخبروها عن صندوق مكافحة المخدرات وعلاج الإدمان، وأنه مجاني ويساعد الناس حقًا. وبالفعل، ذهبت إلى هناك، وحصلت على موعد لمدة 70 يومًا، وتلقت العلاج”.
بعد عام من تعافيه، يقول تامر بفخر: “كنت أقود السيارة وأنا ثمل. كنت أخاف من الشرطة، أما الآن فأقود بتركيز. أتابع كل حادث يتسبب فيه سائقون ثملون، وأقول لنفسي: الحمد لله أنني خرجت من هنا”.
وأضاف مبتسمًا: “الآن أعود بالمال، وأشتري ملابس لأطفالي، وأعيش براحة في المنزل، وأرفع رأسي عاليًا. لن أنسى أبدًا ما فعله الصندوق من أجلي، وأنا الآن شخص مختلف تمامًا”.
وفي سياق مماثل، يروي محمد عبدالله (35 عاماً)، سائق شاحنة ثقيلة، تفاصيل رحلة طويلة ومؤلمة مع الإدمان استمرت أكثر من 15 عاماً، وانتهت بقرار شجاع بالتعافي من أجل أسرته وأطفاله.
يقول السائق: “بدأتُ تعاطي المخدرات في صغري. أول ما جربته كان الماريجوانا، ومنذ ذلك الحين، ازداد تعاطيي للمخدرات يومًا بعد يوم. بعد فترة، بدأتُ بتناول الحبوب، وشعرتُ وكأنني فقدت السيطرة على حياتي. استمررتُ على هذا النهج ثماني سنوات حتى وصلتُ إلى مرحلةٍ كنتُ فيها أتناول جرعاتٍ من المخدرات جعلتني أنسى نفسي حرفيًا.”
يتذكر السائق لحظات انهياره قائلاً: “كنت أسير في الشارع وأخلع ملابسي بسبب تأثير المخدرات. أثناء القيادة، لم أشعر بالمسافة، ولا بالآخرين، ولا بنفسي”.
محمود، سائق مقطورة، يروي السنوات التي قضاها فاقدًا للوعي، عاجزًا عن رؤية الطريق أو الناس. لم أكن خائفًا على نفسي أو على من حولي. ثم دُمر منزلي، وأدار الجميع ظهورهم لي، ووقعت في حالة شعرت فيها بأنه لا سبيل للعودة.
جاءت نقطة التحول في حياته من صديق قديم تغلب هو الآخر على إدمانه وقرر مساعدته. قال: “نصحني صديقي بالذهاب إلى صندوق مكافحة وعلاج الإدمان. هناك سأُعامل بإنسانية وسيكون العلاج مجانيًا”. وتابع: “في البداية شعرت بالخوف والخجل، ولكن عندما ذهبت إلى هناك، التقيت بأشخاص ساعدوني بصدق، وشعرت بأنني شخص ذو قيمة”.
يعبر السائق عن تجربته بثقة ووضوح: “عدتُ أقوى من ذي قبل. لا أخجل مما حدث، لكنني أتعلم منه”. ويخاطب جميع الشباب قائلاً: “لا تستهنوا بالسيجارة، فخطوتكم الأولى قد تكون الأخيرة. وإن سقطتم، فلا تخافوا. سيساعدكم أمين الصندوق، لكن اتخذوا القرار بأنفسكم”.
صرح عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان وتعاطي المخدرات، بأن الخط الساخن للصندوق تلقى أكثر من 620 اتصالاً من سائقين تطوعوا للعلاج من الإدمان. وأكد أن جميع خدمات العلاج تُقدم مجاناً، وبسرية تامة، ودون أي مسؤولية قانونية.
أشار عثمان إلى أن السائقين الذين يطلبون العلاج قد سبق لهم ذلك قبل خضوعهم للتفتيش المفاجئ على الطرق السريعة. وأكد أن من يُضبط وهو يتعاطى المخدرات دون علاج سيُتهم بالقيادة تحت تأثير المخدرات بموجب قانون المرور، وسيُحال إلى النيابة العامة.
وأوضح أن الصندوق يواصل تنفيذ أنشطة توعوية في مواقف السيارات العامة بمحافظات الجمهورية لتوعية السائقين بمخاطر تعاطي المخدرات وتصحيح المفاهيم الخاطئة المتعلقة بها. ويأتي ذلك في إطار حملة “القيادة الآمنة” التي أطلقها الصندوق بالتعاون مع الهلال الأحمر المصري، ضمن حملات الكشف المبكر عن تعاطي المخدرات بين السائقين واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين.
وأضاف مدير الصندوق أن الحملة تهدف أيضًا إلى تعريف السائقين بالخدمات المتاحة، بما في ذلك العلاج المجاني والسري، والمتابعة المستمرة للمرضى أثناء العلاج. كما تهدف إلى تقديم الدعم والمشورة للأسر حول كيفية التعرف على العلامات المبكرة للإدمان، وتوفير الرعاية المناسبة للمرضى.
وأشار عثمان إلى أنه بالتنسيق مع المحافظين، سيتم تكثيف حملات التوعية في الأماكن العامة لتصحيح المفاهيم الخاطئة لدى بعض السائقين، كاعتقادهم أن المخدرات تزيد التركيز، وتنشط الذاكرة، أو تساعدهم على العمل لساعات أطول. وأكد أن هذه المعتقدات لا أساس لها من الصحة علميًا، وقد تكون لها عواقب وخيمة.
واختتم عثمان حديثه بالإشارة إلى تقارير الأمم المتحدة التي تظهر أن السائقين تحت تأثير الماريجوانا هم أكثر عرضة للتسبب في الحوادث بثلاث مرات من أولئك الذين ليسوا تحت تأثيرها.