الفنان لطفي لبيب.. الجندي الذي خاض الحرب وعاد منها فنانا وإنسانا‎

منذ 19 ساعات
الفنان لطفي لبيب.. الجندي الذي خاض الحرب وعاد منها فنانا وإنسانا‎

توفي الفنان الكبير لطفي لبيب صباح اليوم الأربعاء عن عمر ناهز 77 عامًا بعد صراع مع المرض. وأعلن أشرف زكي، نقيب الممثلين، النعي في بيان مقتضب، مؤكدًا أن الوسط الفني فقد أحد أبنائه المتميزين. كان فنانًا مثقفًا، وإنسانًا نبيلًا، وصوتًا فنيًا خلد اسمه في تاريخ السينما والدراما المصرية.

لطفي لبيب وجه محبوب ومعروف لدى الجمهور، ليس فقط بسبب موهبته الفنية، ولكن أيضًا بسبب أدائه البسيط، وتعبيراته العميقة، وخفة ظله التي لا تخلو أبدًا من لمسة الجدية.

لقد لعب العشرات من الأدوار، من الكوميديا إلى الدراما، وجسد بنجاح شخصيات متنوعة، موضحًا مهاراته الكبيرة كممثل متطور يعرف كيفية التقاط تفاصيل الشخصية دون أن يفقد جاذبيتها العاطفية.

من قلب الميدان… لطفي لبيب في حرب أكتوبر

ولكن ما قد لا يعرفه الكثيرون هو أن لطفي لبيب لم يكن فنانًا فحسب، بل كان أيضًا جنديًا مقاتلًا شارك في صفوف المشاة في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973.

تحدث هو نفسه عن هذه التجربة الاستثنائية في عدة لقاءات إعلامية، أبرزها في مقابلته مع الصحفي عمرو الليثي في برنامج “واحد من الناس”، حيث قال بانفعال واضح: “عبرنا القناة وصنعنا معجزة. تغلبنا على الخوف والموت والضرب وكل ما كان ضدنا. كنت جندي مشاة، وكنت هناك، في قلب المعركة”.

في شهادته، وصف كيف عاش هو ورفاقه في ظروف قاسية، لا سيما خلال حصار الجيش الميداني الثالث بعد الاختراق، حيث كانت إمدادات المياه شحيحة للغاية. وقال: “كان لدى كل جندي زجاجة ماء لكل ما يحتاجه”، على حد تعبيره.

وتابع: “لكن أصعب لحظة في تلك الأيام كانت عندما كنتُ أختبئ في حفرة في الأرض، وسمعتُ راديو العدو يبث أسماء أسرى مصريين. فجأةً، سمعتُ اسم أخي… استطعتُ سماع الاسم بوضوح… نُطق اسم أخي النقيب أكرم لبيب حرفيًا. لم أستطع البكاء أو الكلام. كنتُ مشلولًا.”

وتابع: “رفضت الإجازة بعد وقف إطلاق النار خوفًا من أن تسألني والدته السؤال الأصعب: أين أخوك؟ هل لا يزال على قيد الحياة أم أنه أسير؟”

الأخوة لبيب: قصة بطولية أخرى

لكن القصة لم تنتهِ عند لطفي، بل استكملتها شهادة شقيقه، أكرم لبيب، الذي روى تفاصيل مماثلة في لقاء صحفي نادر. قال أكرم: “كنتُ أنا ولطفي في الجيش خلال الحرب، وانتشرت شائعة أننا قد وفاتنا. كانت أمي دائمًا تفرش سجادة على الشرفة، لا تفارقها ليلًا ولا نهارًا، تنتظر عودتنا. عدتُ أولًا، وطلبت مني أمي البحث عن لطفي أو جثته”.

أثناء بحثه عن أخيه، علم أكرم أن لطفي لا يزال ضمن صفوف الجيش الثالث المحاصر، وأنه لا يُسمح لأحد بالدخول سوى مركبات الإمداد. فقرر أن يتنكر بزي سائق ويستخدم إحدى المركبات لكسر الحصار. قال: “ارتديت ملابس سائقي وخرجت بعربة طعام. بحثت عنه بين المخابئ. أخبرني الجميع أنه مات، لكنني لم أصدق. حتى وجدته في مخبأ، واستأذنت القائد، ورأيت لطفي بأم عيني. عدتُ معه إلى والدتي، كأنني في حلم تحقق”. وهكذا التقى الشقيقان بعد أن فرقتهما الحرب، فجمعتهما الأم والقدر والوطن.

اكتفى لطفي لبيب بأداء أدوار المواطن العادي، والعامل، والطبيب، والقس، والصديق، والجندي، وحتى القس. ومع ذلك، ظلّ في جميع أدواره لطفي لبيب: صادقًا، هادئًا، عميقًا، وقريبًا من الناس. عاش حياةً حافلةً بالتجارب الغنية، من ساحات القتال إلى خشبة المسرح، من صمت الحفر إلى بريق الكاميرا.


شارك