بصمة لا تُنسى في كل مشهد.. لطفي لبيب يرحل بعد إرث من التميز

بعد صراع طويل مع المرض، توفي الفنان لطفي لبيب، صباح الأربعاء، عن عمر ناهز 78 عامًا. رحل عن عالمنا تاركًا إرثًا فنيًا عميقًا، كان رمزًا للبساطة والإخلاص والحضور العميق.
وكان الفنان الراحل قد انسحب من الساحة الفنية في السنوات الأخيرة لأسباب صحية بعد إصابته بجلطة دماغية أثرت على حركته خاصة في الجانب الأيسر من جسده.
الممثل لطفي لبيب شخصية استثنائية في السينما والمسرح والتلفزيون المصري. لم يطمح يومًا إلى دور البطولة، بل صنع الشهرة من “الفضاءات الضيقة”. يتميز بحضوره الهادئ وأدائه الصادق الذي يلامس القلب دون تردد.
وُلِد لطفي لبيب عام ١٩٤٧ في محافظة بني سويف. تخرج من كلية الآداب قبل أن ينتقل إلى معهد الفنون المسرحية، قسم التمثيل والإخراج، حيث صقل موهبته ووعيه الفني.
لم يكن طريقه مفروشًا بالورود، بل سبقته سنوات من العمل والتقدم، غرس فيها المسرح في قلبه، وكرّس له جزءًا كبيرًا من حياته، قبل أن تُفتح له أبواب السينما والتلفزيون.
تميز لطفي لبيب بقدرته على أداء الأدوار المركبة، وخاصةً الأدوار الثانوية ذات العمق الإنساني والسخرية الدرامية أو لمسة من السخرية. امتلك القدرة على التحول من أب حنون إلى عسكري صارم، ومن موظف بيروقراطي إلى مواطن بسيط مهتم، دون أن يفقد عفويته أو مصداقيته.
ساهم في أكثر من 300 عمل فني متنوع، ما بين سينما وتلفزيون ومسرح، وكان من القلائل الذين استطاعوا أن يكونوا جزءاً لا يتجزأ من نبض كل عصر فني دون أن يستهلك أو يتكرر.
ورغم أنه أصبح وجهاً معروفاً على الشاشة في مرحلة متأخرة من حياته، إلا أن ذلك لم يقلل من نضجه الفني الذي تفجر في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وخاصة بعد مشاركته في مسرحيات سياسية واجتماعية مؤثرة مثل «الرجل الذي حمل أمه» و«طقوس الإشارات والتحولات».
قدم العديد من الأعمال المؤثرة رغم بساطتها الظاهرية لأنه كان يمتلك أدوات نفسية دقيقة في التمثيل: النظرة، الهدوء، السخرية اللطيفة، والعفوية المدروسة.
من أشهر أفلامه فيلم “السفارة في المبنى” عام ٢٠٠٥، بطولة عادل إمام. جسّد فيه شخصية السفير الإسرائيلي ببراعة فائقة، جعلته يجسد هذه الشخصية المكروهة سياسيًا بواقعية، دون مبالغة أو شيطنة. هدوءه، وتعبيراته الهادئة، وأسلوبه في الرد، كل ذلك جعله دبلوماسيًا بارعًا لا يُنسى.
كما لعب دور البطولة في أفلام “عسل أسود” مع أحمد حلمي (2010)، “طباخ الرئيس” (2008)، “صاحب صاحبة”، “كده رضا”، “ح دبور”، “وش في وش”، “كما”، “يانا يا خالتي”، “خيال مآتة”، “أخطر رجل”، “عنتر ابن ابن شداد”، “القط والفأر”، “الزهايمر”، “أمير البحار”، “نيمس بوند”، “عصابة دكتور عمر”، “كركور” وغيرها.
وفي التلفزيون ترك بصمته في مسلسلات مثل: رأفت الهجان (الجزء الثالث)، الرياح البيضاء، يوميات يونس، عائلة الحاج متولي، أريد الزواج، نونا الموثق، والكبير أوي.
كان المسرح عشقه الأكبر، فمثل في العديد من المسرحيات الجادة والكوميدية، منها “هالوا والكدب”، و”الملك هو الملك”، و”طرايع”، و”الشحاتين”. كما مثل في مسرحيات أخرى مثل “بين النصفين” و”عريس التسليم”. كما ظهر لطفي لبيب في العديد من المسلسلات الإذاعية، منها “راجل المستحيل”، و”فلول وطعمية”، و”حبيبتي آخر حاجة”، و”لطيف زمانو”، و”شغل عفاريت”، و”محنوس مع مطرب الشرف”، و”أتعبني أم بابا”.
وهو مؤلف كتاب مشهور بعنوان “الكتيبة 26″، يصف فيه تجاربه كمجند خلال حرب أكتوبر 1973، وهي تجربة شكلت ضميره ووعيه الوطني.
لطفي لبيب ليس مجرد ممثل مساعد، بل هو ممثلٌ بارعٌ يجيد ملء الفراغ الذي يُمنح له، ويترك انطباعًا لا يُمحى. إنه من أولئك الفنانين الذين لا يُثرون أنفسهم فحسب، بل أعمالهم أيضًا، ويدرك أن الشهرة الفنية الحقيقية لا تُقاس بعدد الأدوار الرئيسية، بل بعمق حضوره.