منظمات إسرائيلية تشهد: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة وتفكك نظامها الصحي

اتهمت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان الإسرائيلية ومنظمة بتسيلم، الرائدة في مجال حقوق الإنسان، حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باتباع سياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة. وتسعى المنظمتان إلى تدمير نظام الرعاية الصحية والبنية التحتية المدنية. ووصفت المنظمتان هذا الأمر بأنه جريمة إبادة جماعية. ودعتا المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري والجاد، باستخدام جميع الوسائل القانونية، لإنهاء هذا الوضع.
وفقًا لبيان صادر عن منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل، أصدر الجيش الإسرائيلي في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أمرًا بإخلاء 22 مستشفى في مدينة غزة وشمال قطاع غزة. وكان ذلك بمثابة بداية هجوم غير مسبوق على نظام الرعاية الصحية في قطاع غزة.
خلال الأشهر الـ 22 الماضية، تعرّض 33 مستشفىً وعيادةً من أصل 36 للهجوم، وانقطعت عنها إمدادات الوقود والمياه. وقُتل أو اعتُقل أكثر من 1800 عامل طبي، مما أدى إلى انهيار شبه كامل للبنية التحتية الصحية في قطاع غزة المحاصر.
وصفت منظمة بتسيلم في تقريرها الأحداث بأنها تطورٌ إضافيٌّ في نظام الإبادة الجماعية الإسرائيلي في قطاع غزة، مؤكدةً أنه سعى عمدًا إلى تدمير المجتمع الفلسطيني في القطاع. واستند التقرير إلى بيانات وشهادات ووثائق سلّطت الضوء على حجم الدمار والهجمات المُستهدفة للمدنيين والمرافق الصحية والتعليمية، فضلًا عن التحريض الواسع على الإبادة الجماعية في الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي.
وخلص التقرير إلى أن السياسات الإسرائيلية الحالية، التي تشمل القصف المكثف، والمجاعة، والحرمان من الخدمات، والتهجير القسري، تُكمّلها تصريحات صادرة عن سياسيين ومسؤولين عسكريين إسرائيليين تؤكد نيتهم تدمير النسيج الاجتماعي لقطاع غزة تدميرًا كاملًا. وخلصت بتسيلم إلى أن هذا النهج لا يقتصر على قطاع غزة، بل يُتّبع على نحو مماثل، وإن كان على نطاق أضيق، في الضفة الغربية.
قالت يولي نوفاك، المديرة التنفيذية لمنظمة بتسيلم: “لا شيء يُهيئك لمواجهة حقيقة كونك جزءًا من مجتمع يرتكب إبادة جماعية. إنها لحظة مؤلمة للغاية بالنسبة لنا”. وأضافت: “كإسرائيليين وفلسطينيين، نختبر هذا الواقع، وعلينا أن نقول الحقيقة: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، في سياق سياسي قائم على تجريدهم من إنسانيتهم. إنها تستغل المخاوف التي أعقبت 7 أكتوبر/تشرين الأول لتعزيز أجندة يمينية متطرفة قائمة على التهجير والإبادة”.
صرح نوفاك بأن الحكومة الإسرائيلية “تتعامل مع حياة الفلسطينيين من النهر إلى البحر على أنها لا قيمة لها. يمكن قتلهم وتهجيرهم وتجويعهم وتجاهل معاناتهم”، ودعا المجتمع الدولي إلى وضع حد فوري للجرائم المستمرة.
قدمت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل تحليلاً قانونياً وطبياً مفصلاً في تقريرها الجديد، حيث وجدت أن الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة تستوفي جميع معايير الإبادة الجماعية كما هو منصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لمنع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، والتي إسرائيل طرف فيها.
أشار التقرير إلى أن تدمير النظام الصحي لم يكن نتيجةً ثانويةً للحرب، بل هو سياسةٌ ممنهجةٌ شملت قصف المستشفيات، ومنع وصول الأدوية والمساعدات، وعرقلة عمليات الإجلاء الطبي، واعتقال وقتل الكوادر الطبية. ووصف التقرير هذه السياسة بأنها محاولةٌ متعمدةٌ “لخلق ظروفٍ لا تُطاق وحرمان الناس من حقهم في البقاء”، مؤكدًا أن هذه السياسة أدت إلى شللٍ كاملٍ للنظام الصحي على المديين القريب والبعيد.
يصوّر التقرير مشاهد صادمة من الحياة اليومية في غزة. يموت العشرات جوعًا يوميًا، ويعاني 92% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وسنتين من سوء تغذية حاد. مات 85 طفلًا على الأقل جوعًا، ودُمّرت أو تضررت 92% من المنازل، وشُرّد 90% من السكان، ويعاني أكثر من نصف مليون طفل من الحرمان من التعليم والأمن.
كما أشار التقرير إلى تدمير الخدمات الصحية الحيوية، بما في ذلك غسيل الكلى، والرعاية التوليدية، وعلاج السرطان، وإدارة الأمراض المزمنة مثل السكري. وخلصت المنظمة إلى أن وقف العمليات العسكرية الآن لن يكون كافيًا لمنع وفيات مستقبلية. فحجم الدمار سيضمن استمرار المعاناة من الجوع والأوبئة، وتراجع الرعاية الطبية لسنوات قادمة.
إسرائيل تُدرك تمامًا ما تفعله. إنها تُدمر عمدًا نظام الرعاية الصحية في غزة. بصفتنا أطباءً ومؤمنين بقدسية الحياة، يقع على عاتقنا واجبٌ أخلاقيٌّ يُملي علينا رفع صوتنا: ما يحدث هنا إبادةٌ جماعيةٌ ويجب مكافحتها بكل الوسائل،” صرّح الدكتور غاي شاليف، المدير التنفيذي للمنظمة. وأضاف أن الأطباء في غزة يعملون في ظروفٍ مُزرية، ويفتقرون إلى المعدات، ويواجهون خطرًا يوميًا. ومع ذلك، يواصلون إنقاذ الأرواح بما تبقى لديهم من موارد.
ودعا التقرير الحكومات والمؤسسات الدولية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة، وطالب بخطوات ملموسة، بما في ذلك وقف إطلاق النار الفوري، وحماية وإعادة بناء النظام الصحي في قطاع غزة، وتفعيل آليات المساعدة الدولية والفلسطينية، وتوفير الوصول الإنساني دون عوائق، وحماية العاملين الصحيين.
وحذرت المنظمتان من أن صمت المجتمع الدولي أو تواطؤه يعد مشاركة غير مباشرة في ما أسمته هجوما ممنهجا ضد سكان قطاع غزة، ودعت قادة العالم إلى استخدام كل الوسائل القانونية والسياسية الممكنة لإنهاء هذا الوضع.