ندوة تجمع بين عبد المنعم رياض وميدو عبد القادر.. المسرح مساحة لاكتشاف الذات

يواصل المهرجان القومي للمسرح المصري، بقيادة الفنان محمد رياض، أنشطته الثقافية والفكرية تحت شعار “وصلة”، الذي يهدف إلى مد جسور الحوار بين مختلف أجيال المسرحيين. وقد استضاف المهرجان الفنانين عبد المنعم رياض وميدو عبد القادر في جلسة حوارية مكثفة أدارها المخرج أحمد فؤاد، زاخرة بشهادات وتأملات عديدة حول معنى المسرح وسمات مسيرتهما الفنية المميزة.
في بداية اللقاء، أعرب المخرج أحمد فؤاد عن سعادته بهذه الفقرة المهمة التي تتيح فرصة الاحتفاء بالتجارب المسرحية، قائلاً: “أشكر إدارة المهرجان على هذه الفقرة التي تتيح لنا استكشاف تجارب أثبتت نفسها على المسرح عن قرب، ومن بينها تجربتا عبد المنعم رياض وميدو عبد القادر، اللذان أحدثا فارقاً كبيراً بإصرارهما وشغفهما بفن المسرح”.
من جانبه شكر الفنان عبد المنعم رياض المهرجان وإدارته، مؤكداً أن فكرة جمع أجيال المسرح توفر فرصاً ثمينة لتبادل التجارب والخبرات.
قال: “المسرح بيتنا الحقيقي وأبو الفنون جميعها. تأثيره لا يتوقف عند العرض، بل يمتد لسنوات، فكل عرض يمنح الفنان فرصة إعادة اكتشاف ذاته”.
يستذكر رياض بداياته الفنية: “كأي فنان حقيقي، بدأتُ في المسرح المدرسي، ثم انتقلتُ إلى المسرح الجامعي، الذي أعتبره محطةً حاسمةً في مسيرتي. ثم جاءت تجربة العمل مع الفنان محمد صبحي في استوديو التمثيل، وهي تجربةٌ ساهمت في تطوري المهني”.
وأضاف: “المسرح ليس مجرد مهنة، بل هو أسلوب حياة، ولا يمكن لأي فنان التخلي عنه. إنه التحدي اليومي للفنان، وكل شخصية جسّدتها شكلت ضغطًا نفسيًا عليّ. من أصعب الشخصيات التي جسّدتها سرحان في (أفراح القبة) وعمور، فقد عشتُ صراعًا داخليًا شديدًا ومؤثرًا مع كل منهما”.
تحدث الفنان ميدو عبد القادر عن مسيرته المسرحية التي بدأت في مدينة الإسماعيلية، حيث وقف على خشبة المسرح للمرة الأولى وهو في الصف الخامس الابتدائي، مؤديًا دور “الحارس”، ثم قدم عروضًا في الإذاعة المدرسية، قبل أن تتجه تجاربه الفنية إلى الاحتراف خلال دراسته الجامعية.
قال: “كانت انطلاقتي الحقيقية في الجامعة. ثم شاركتُ في العديد من ورش العمل المسرحية، وعملتُ مع الثقافة الشعبية، وشاركتُ في العديد من العروض في نوادي المسرح والفرقة الوطنية. ثم التحقتُ بالمعهد العالي للفنون المسرحية ودرستُ الإخراج والتمثيل”.
أكد عبد القادر على عمق العلاقة الفنية التي جمعته بالفنان عبد المنعم رياض: “عملنا معًا في العديد من المسرحيات، منها على سبيل المثال (الزير سالم) التي فزت عنها بجائزة أفضل ممثل، و(طقوس الإشارات والتحولات)، و(أفراح القبة). هو فنان متصالح مع نفسه ويحب كل من حوله، وتعلمت منه الكثير. أما المثل الشهير (عدوك ابن الكرك) فلا ينطبق على علاقتي بعبد المنعم، فهي تتسم بالصداقة والمودة الصادقة”.
وصف عبد القادر سحر المسرح قائلاً: “المسرح فنٌّ حيّ، وهو المكان الوحيد الذي تكشف فيه، كفنان، عن ذاتك الحقيقية، وتتلقى فيه تقييمًا حيًا لحضورك وتأثيرك. لا يمكن لأي فنان أن يعرف مكانته إلا من خلال التفاعل المباشر مع الجمهور. إنه مرآة صادقة، وفرصة دائمة لإعادة تشكيل شخصية المرء وتطوير أدائه.”
فيما يتعلق بالتحديات التي تواجه العاملين في المسرح، أوضح أن من أبرز المشكلات التي تواجه الحركة المسرحية هدر الوقت أثناء التدريبات، والذي قد يمتد لعام أو أكثر. وقال: “يتميز عصرنا الحالي بالتسرع، ولا بد من إيجاد حلول عملية لتوفير الوقت في التحضير للعروض. يضاف إلى ذلك ضعف التقدير المادي الذي يحظى به ممثلو المسرح مقارنةً بممثلي السينما والتلفزيون، رغم التزامهم المزدوج. يجب إعادة النظر في هذه المشكلات بجدية”.
كان اللقاء مثالاً ساطعاً على الحوار الإبداعي بين أجيال الفنانين المختلفة. وتجلّى أن المسرح لا يشيخ، بل هو مساحة دائمة لتجديد الذات، والارتقاء بالوعي، وإعادة تخيل الإنسان.
في هذا السياق، بدا الفنان عبد المنعم رياض أقرب إلى مصطلح “الوطن” عند وصفه للمسرح، بينما قال ميدو عبد القادر إن المسرح تجربة “مقدسة”، ولا يمكن لأي ممثل أن يدّعي امتلاك الأدوات اللازمة دون أن يختبرها بنفسه. وهكذا، غادر الجمهور اللقاء حاملاً دروسًا وتفاصيل كثيرة من خلفيات فنانين جمعهما المسرح. فرقتهما سنوات، لكن جمعهما حب أبدي لفن لا يفنى.